تراجع خطر «داعش» يعيد الحياة إلى شوارع العريش

المدينة استهدفتها عمليات «إرهابية» مختلفة خلال السنوات الماضية

أسواق العريش في شمال سيناء تستعيد الأجواء الطبيعية تدريجياً بعد تراجع تهديد «داعش» («الشرق الأوسط»)
أسواق العريش في شمال سيناء تستعيد الأجواء الطبيعية تدريجياً بعد تراجع تهديد «داعش» («الشرق الأوسط»)
TT

تراجع خطر «داعش» يعيد الحياة إلى شوارع العريش

أسواق العريش في شمال سيناء تستعيد الأجواء الطبيعية تدريجياً بعد تراجع تهديد «داعش» («الشرق الأوسط»)
أسواق العريش في شمال سيناء تستعيد الأجواء الطبيعية تدريجياً بعد تراجع تهديد «داعش» («الشرق الأوسط»)

أمام كومة من البطيخ يقف خلفها بائع عشريني وسط ميدان «الرفاعي»، أكبر ميادين مدينة العريش المصرية على ساحل شمال سيناء، توقفت السيدة الأربعينية، رحمة العايلي، تنتقي إحداها، لتكون ضمن مكونات إفطار أسرتها الرمضاني، بدوره حاول البائع الترويج لبضاعته الطازجة، قائلاً إنها: «وصلت للتو قادمة من مزارع الإسماعيلية غرب قناة السويس واقتسمها الباعة الصغار الباحثين عن رزقهم في السوق».
حال السوق المكتظة بالباعة والخضراوات لم يكن حالها كذلك قبل شهور قليلة مضت، إذ كان يعاني سكان العريش وغيرها من مدن وقرى شمال سيناء من ويلات الهجمات الإرهابية التي كان يشنها مسلحون ينتمون في أغلبهم لتنظيم داعش، غير أن الأخير تراجعت خطورته بعد عمليات عسكرية موسعة كثفها الجيش المصري وقوات الشرطة خلال الشهور القليلة الماضية، وهو ما انعكس على طبيعة الحياة في العريش التي تستعيد تدريجياً رونقها.
وقالت السيدة رحمة لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تقصد السوق يومياً لشراء احتياجاتها وتجد كل ما تريده»، واستدركت قائلة: «الله يسلمنا من الشر وأعوانه ويرد لبلادنا الأمان».
وتحولت محافظة شمال سيناء الحدودية إلى بؤرة إرهابية مشتعلة منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي لجماعة «الإخوان» التي تعتبرها مصر تنظيماً إرهابياً، وينشط فيها تنظيم «ولاية سيناء»، الذي بايع «داعش» الإرهابي عام 2014.
عودة الحياة لطبيعتها داخل مدينة العريش، وتراجع مخاوف المدنيين من أخطار «الدواعش» عبر عنه، منصور عبد الرحمن، صاحب محل بقالة في وسط المدينة بقوله لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك فرقا شاسعا بين ما كانت فيه المدينة قبل 4 شهور وحالها اليوم»، ويضيف: «شاهدت قبل نحو عام مسلحين وهم يأمرون أصحاب المحلات بتحطيم كاميرات المراقبة المثبتة في واجهة محلاتهم حتى لا ترصدهم، وعلى مقربة منه اختطف مسلحان أحد الأهالي عثر ذووه بعد أيام على رأسه مقطوعة في ميدان بالعريش».
ويشرح عبد الرحمن أن «المخاوف كانت بالنسبة لنا كمدنيين كانت متنوعة بين إصابتنا إذا ما وقع تفجير مركبة أمنية، أو اقتحامات المسلحين، والتعرض لطلقات رصاص عشوائية لا يعرف مصدرها وسط الاشتباكات».
يعد الرجل أن ما وصل له الحال في المدينة «مطمئن رغم استمرار فرض حظر التجوال ليلا من الساعة الواحدة حتى السادسة صباحا، ووجود مصاعب في التنقل بسبب إغلاق محطات الوقود أمام تموين السيارات الخاصة والتصريح جزئيا بالتموين لسيارات الأجرة التي تعمل بالغاز تحت رقابة مشددة».
وتقع مدينة العريش على ساحل البحر المتوسط، وتعد أكبر مدن شبه جزيرة سيناء، وتبعد عن القاهرة نحو 300 كيلومتر، ووفقا لبيان مركز معلومات شمال سيناء الرسمي، فإنها تضم 14 حيا و4 قرى، ويسكنها طبقا لإحصاء عام 2016 عدد 179981 نسمة.
ويوضح عبد الله قنديل، رئيس الغرفة التجارية بشمال سيناء لـ«الشرق الأوسط»، أن أهالي العريش لمسوا في غضون الشهور الأخيرة تحسناً في الأوضاع، وجرى التنسيق مع السلطات الأمنية المختصة للسماح بدخول كافة الاحتياجات الغذائية المنقولة من محافظات مجاورة لتصل للعريش لصالح تجار المدينة».
وأضاف «قنديل» أن «عدد تجار مدينة العريش يصل لنحو 9 آلاف شخص»، لافتا أنه «في بداية العمليات تم السماح بدخول الأساسيات من الاحتياجات الغذائية اليومية بمختلف أنواعها وكذلك الأدوية، أضيف إليها لاحقا الملابس والأحذية والأثاث، وأن هناك أصنافا ومواد تجارية أخرى غير مسموح أمنيا بدخولها مدينة العريش ومنها مواد البناء، والأسمدة الزراعية».
ودفعت أجواء الطمأنينة الأهالي إلى ارتياد الحدائق العامة والمقاهي ليلا في شهر رمضان، وإقامة أمسيات رمضانية ثقافية ومباريات رياضية في ساحات فضاء بين المساكن والملاعب الرسمية، بينما لا تزال المدينة مغلقة من كافة جوانبها.
وتتولى محافظة شمال سيناء، ترتيب إجراءات نقل المسافرين من وإلى مدينة العريش من خلال «استقبال طلبات الراغبين في السفر وتخصيص حافلات تنقلهم، وصولا لمدينة الإسماعيلية التي أقيمت نقطة تجمع للمسافرين الراغبين في العودة لشمال سيناء من القادمين من محافظات مصر المختلفة حيث تعود بهم حافلات نقل المسافرين»، بحسب ما تحدث مسؤول أمني في المحافظة.
وشرح المسؤول أن «إجراءات نقل المسافرين يسبقه تنسيق للتعرف على هوية المسافر من وإلى المدينة والكشف أمنيا عليهم، بهدف التضييق على العناصر الإرهابية لمنع تسللها للمدينة أو مغادرتها، وتجرى داخل المدينة عمليات تفتيش لكافة الأحياء من خلال عمل مربعات أمنية لكل حي ومراجعة بيانات السكان وفحصهم أمنيا وإجراء تحريات عن المشتبه فيهم».
وواجهت مدينة «العريش» عملية إرهابية مختلفة طوال السنوات الماضية، وكان من أبرزها استهداف قسم شرطة أول العريش في أبريل (نيسان) 2015 ما أسفر عن سقوط 7 ضحايا من الشرطة والمدنيين، وإصابة 68 آخرين، وكذلك تفجير فندق يقيم فيه عدد من القضاة في سبتمبر (أيلول) 2015 وتسبب في مقتل 7 وإصابة 8 آخرين، كما طال تفجير كمينا أمنيا في حي المساعيد غرب العريش وأسفر عن مقتل 9 جنود، وقتل 3 جنود في هجوم استهدف مقر أحد البنوك وسط العريش أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وسرقة ما فيه من أموال.
ورغم الانفراجة في مناحي الحياة اليومية، فإن بعض الفئات الأخرى لا تزال تواجه بعض المعاناة، ومنهم العمالة اليومية وصائدو الأسماك الممنوعون من الصيد بسبب إجراءات تأمين الحدود البحرية لإحكام الحصار على الجماعات «الإرهابية» ومنع إمدادهم بالمعونات والأسلحة عن طريق البحر.
وسارعت جهات حكومية مختصة لوضع حلول بديلة لحين تجاوز الأزمة وتمثلت بحسب قول، منير أبو الخير، مدير مديرية التضامن الاجتماعي بشمال سيناء في صرف مبلغ 500 جنيه (28 دولارا) شهريا لكل حالة، بينما أغلقت مديرية التربية والتعليم ومنطقة التعليم الأزهري بشمال سيناء ملف مخاوف أولياء الأمور على مستقبل أبنائهم جراء توقفهم عن الدراسة في النصف الثاني من العام الدراسي، باعتماد نتيجة الفصل الدراسي الأول كنتيجة نجاح لنهاية العام لصفوف النقل، وعقد امتحانات الدبلومات الفنية والثانوية العامة بالتنسيق مع قوات الجيش.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.