«نار تحت الرماد» في منبج... والعرب ينتظرون معركة الصيف

TT

«نار تحت الرماد» في منبج... والعرب ينتظرون معركة الصيف

عمقت تهديدات أنقرة بطرد «وحدات حماية الشعب» الكردية من شمال سوريا، الشقاق بين السكان في مدينة منبج شمال شرقي حلب. ويأمل كثير من العرب في التخلص من سيطرة حزب العمال الكردستاني، التي اقتربت من عامين تحكموا خلالهما في مفاصل القرار بالمدينة.
ويقول إبراهيم عزير: «بصراحة لا أكراد المنطقة ولا عربها بيدهم قرار. القرار هو لقادة حزب العمال الكردستاني، خصوصاً جماعة جبال قنديل. العرب الذين يعملون في الإدارات المدنية في المدينة وغيرها عبارة عن ديكور لا أكثر لتجسيد شعارات (الوحدات) الكردية أمام الرأي العام حول مشاركة العرب في إدارة شؤون المنطقة، ولكن لا أحد منهم صاحب قرار. يتم النقاش في الاجتماعات، ولكن كل ما يقرر هو من (جماعة قنديل)».
وفرْضُ عناصر حزب العمال الكردستاني سيطرتهم على مفاصل الحياة بالمدينة تجلى بوضوح في فرض التجنيد الإجباري على الشباب، حيث يقول أحد عناصر «وحدات الحماية»، وهو من مدينة عين العرب (كوباني)، «هناك تمييز واضح بين عناصر (الوحدات) الكردية العرب والأكراد، بل حتى بين الأكراد أنفسهم، وأنا أحمل شهادة معهد متوسط تجاري، ولكن بحكم قرار التجنيد أُجبرت على الخدمة العسكرية». ويضيف: «قبل نحو ثلاثة أشهر تعرضت لمحاكمة عسكرية بسبب مشاجرة مع أحد عناصر الاستخبارات، وتعرضت للسجن والمحاكمة العسكرية».
الخسائر الأخيرة للمقاتلين الأكراد في منطقة عفرين أرخت بظلالها على منبج، حيث تعمق الخلاف بين الأكراد والعرب، وبدأ مقاتلو «الوحدات» في ترك الأرض، حيث يقول المقاتل نفسه: «بعد خسارة (الوحدات) في عفرين ليس لدينا أي أمل في كسب معركة مع الجيش التركي وفصائل المعارضة، وستتخلى عنا أميركا وتبيعنا لروسيا كما حصل في عفرين. أريد الخلاص من الخدمة العسكرية. بصراحة لا أريد أن أموت كما حصل مع عشرات من الشباب الذين ذهبوا إلى عفرين. أريد أن أعود إلى عائلتي وكل اهتمامي حالياً الهروب إلى تركيا».
ولا يختلف حديث الشاب «كوباني»، وهو الكردي القادم من عين العرب عن أحاديث الكثير من زملائه العرب سوى في حذر الأخيرين الشديد. هو يتحدث بصوت عالٍ، لكن العناصر العرب لا يتجرأون على الحديث العلني خشية نقلهم تعسفياً إلى مناطق خارج منبج.
يقول أحد وجهاء منبج: «أغلب أحياء مدينة منبج وريفها هي خارج سيطرة (الوحدات) الكردية و(مجلس منبج العسكري). ولا يستطيع عناصر (الوحدات)، خصوصاً الأكراد دخول الكثير من أحياء المدينة، خصوصاً ليلاً، وهناك حراك كبير من أبناء المدينة ضد عناصر حزب العمال».
العرب من أبناء مدينة منبج يتلاقون في آرائهم تجاه الأكراد مع وجهة النظر التركية، حيث يضيف ابن عشيرة البوبنا، إحدى أكبر العشائر العربية في منطقة منبج: «ليست هناك مشكلة بين العرب والأكراد في منبج، باعتبارهم لا يتجاوزون 5 في المائة من سكان المنطقة، هناك مشكلة بين عناصر حزب العمال الكردستاني وكل من يرفض مشروعهم، وهم يعلمون علم اليقين أن مشروعهم ولد ميتاً. تركيا لهم بالمرصاد وكذلك (الجيش الحر) والنظام. كل هؤلاء يجتمعون على رفض أي مشروع كردي في شمال سوريا، وهذا المشروع ساقط عملياً وواقعياً وهم يقدمون أنفسهم بأنهم أغلبية في المنطقة. هذا كله كذب ويتم فقط بدعاية إعلامية تدعم الأكراد، ويتم شراء تلك الوسائل بالمال».
ويشغل فاروق الماشي، أحد شيوخ عشيرة البوبنا، منصب الرئيس المشترك للمجلس التشريعي في منبج، إضافة إلى وجود المئات من أبناء العشيرة في «مجلس منبج العسكري» وبقية الإدارات المدينة في مدينة منبج. ويختم ابن عشيرة البوبنا: «كل من تحدثت عنهم وأقصد الإدارات المدنية لا أحد لديه أي سلطة. في كل مكان هناك شخص عربي وآخر كردي، والكردي هو صاحب القرار، وقد قام أبناء عشيرتنا بمظاهرات منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الماضي على إثر مقتل شابين من أبناء البوبنا بعد اعتقالهما من قبل الأسايش (الشرطة الكردية)، وعملت القيادات الكردية على لفلفة الموضوع، ولكن النار تحت الرماد، وننتظر ساعة الصفر وحتى من يحمل السلاح من أبناء العشائر العربية في (مجلس منبج العسكري) وغيره سيوجه سلاحه إلى صدور عناصر حزب العمال وليس إلى كل الأكراد».
من جهته، يقول إبراهيم: «نحن أبناء عشائر وبالنهاية ولاؤنا ليس لـ(الوحدات) الكردية التي تتبع عبد الله أوجلان. هو كردي تركي وأنا عربي. نحن ولاؤنا الأول لأرضنا وعشيرتنا، وهذا يمنعني من قتال عناصر المعارضة الذين كنت وإياهم في خندق واحد بداية الثورة السورية. نريد الخلاص من حكم حزب العمال، وإذا تقدم (الجيش الحر) أو الجيش النظامي سنقف إلى جانبهم، وهذا ليس قراري وحدي، بل قرار أغلب عناصر (مجلس منبج العسكري)».
ويتوقع عرب من سكان منبج لحزب العمال الكردستاني السقوط السريع والانقلاب عليه من الداخل لدى أي تحرك، حيث يقول موسى: «عناصر حزب العمال الكردستاني لا يقاتلون، بل يدفعون الشباب العرب إلى القتال. وهؤلاء لن يقاتلون أبناء جلدتهم. هناك روابط عشائرية معهم. لقد ترك العشرات من عناصر (مجلس منبج العسكري) أماكنهم خلال مشاركتهم في معارك عفرين، وذهبوا إلى (الجيش السوري الحر)». ويضيف: «عناصر حزب العمال الكردستاني يعلمون أنه بتقدم قوات (درع الفرات) باتجاه منبج سوف تسقط المدينة خلال أقل من ساعة، لأنهم لن يقاتلوا، وسكان المدينة وريفها أكثر من 95 في المائة منهم عرب، وجميع العرب في منطقة منبج يرفضون سيطرة حزب العمال... وعناصر الحزب يعلمون أن فشل مشروعهم بربط عفرين مع عين العرب يعني انهيار حلم السيطرة على شمال سوريا. ومنذ ذلك الحين بدأوا يفكرون في جمع الأموال، وهذا مؤشر على قرب نهايتهم».
ويقول أبو ياسر، وهو صاحب محل لبيع السيارات، إن الكثير من عناصر حزب العمال، أو المقربين منهم، يعملون حالياً على بيع سياراتهم: «هناك العشرات من السيارات الأوروبية والعراقية التي وصلت إلى المنطقة عن طريق عناصر حزب العمال الكردستاني، يبيعونها حالياً بأي سعر لأنهم يريدون الخلاص منها، وهذا دليل على أن مغادرتهم المنطقة أصبحت قريبة».
أبو حامد من عشيرة البوسلطان، إحدى أكبر العشائر العربية في منطقة منبج وريف حلب الشرقي يقول «لا يوجد قبول لعناصر حزب العمال الكردستاني. هم يريدون إنشاء دولة كردية في أراضينا، وهذا الأمر مرفوض بالنسبة لنا، وشهدت مدينة منبج إضرابات واحتجاجات ضد قرارات حزب العمال بداية العام الحالي، وعندما وقف أهالي منبج (ريف ومدينة) ضد قراراتهم تراجعوا عنها». ويضيف: «نحن نريد دولة لا قرارات ارتجالية وتسليم قيادة المدينة والمنطقة لأشخاص ليس لديهم أي كفاءات فقط لأنهم أعضاء في حزب العمال الكردستاني، والبعض منهم كانوا عمالاً على سيارات أو في محال تجارية، فأصبحوا مديرين وهم لا يعلمون شيئاً عن الإدارة».
التصريحات التركية حول منبج لا تتوقف، حيث أكد رجب طيب إردوغان أن طرد مسلحي حزب العمال الكردستاني من شمال سوريا، والسيطرة على مدينة مبنج وباقي مدن الشمال السوري هي مسألة وقت، الأمر الذي أكده قيادي في «الجيش السوري الحر»، ويضيف: «الهدف القريب هو استكمال السيطرة على مدينة منبج وباقي بلدات ريف حلب الشمالي. عناصر (وحدات حماية الشعب) الكردية تتحدث عن دعم أميركي وفرنسي لاستمرار وجودها في مدينة منبج وريفها. نحن لدينا القدرة للسيطرة على المدينة دون قتال، والمدينة ستسقط من داخلها، ولدينا تنسيق مع شيوخ العشائر وفعاليات كثيرة وحتى مع الكثير من عناصر (مجلس منبج العسكري)».
ويضيف القيادي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: «السيطرة على مدينة منبج ليست كحال مدينة عفرين لا يوجد قتال هنا. حزب العمال يستند على الدعم والتصريحات الأميركية، ونحن نستند على دعم أبناء شعبنا، وستقوم انتفاضة شعبية في منبج، ولن يستطيع الأميركيون وعشرات الجنود الفرنسيين الوقوف في وجه الشعب. مدينة منبج وريفها عربيان، وأغلب عناصر (الجيش الحر) هم من أبناء ريف حلب. إذن هم يدافعون عن أرضهم. الأمور مؤجلة إلى نهاية شهر يونيو (حزيران) المقبل، وكل فصائل (الجيش الحر) جاهزة للتقدم للسيطرة على بلدات ريف حلب الشمالي وصولاً إلى منبج وإلى كل المناطق التي تسيطر عليها (الوحدات) الانفصالية».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.