«الفن من دون حرية»... معرض لسجناء تحدوا القضبان بالخيال

يستضيفه المتحف العالمي للفنون المتواضعة في جنوب فرنسا

الجريمة حين تنتقل إلى اللوحة
الجريمة حين تنتقل إلى اللوحة
TT

«الفن من دون حرية»... معرض لسجناء تحدوا القضبان بالخيال

الجريمة حين تنتقل إلى اللوحة
الجريمة حين تنتقل إلى اللوحة

قد لا يسمع المرء بوجود متحف للفنون المتواضعة إلا بفضل معرض من هذا النوع. فالمكان مؤسسة ثقافية تقع في بلدة «سيت» على الساحل الجنوبي لفرنسا. وهي البلدة التي ذاع صيتها من خلال تنظيمها لملتقى سنوي شهير يدعى إليه الشعراء من كل بقاع العالم لكي يلقوا قصائدهم في الشّوارع والسّاحات والأسواق وعلى الضفاف قريباً من ترجيعات الموج.
هذه المرة تدعوك «سيت» إلى معرض بعنوان: «هروب، الفن من دون حرية». وهو مخصص لتلك الأعمال التي أبدعها بشر حُرموا من الاختلاط بالمجتمع لأسباب شتّى. فهم قد يكونون سجناء جنائيين أو معتقلين سياسيين، أو مرضى في مصحات مقفلة، أو لاجئين محتجزين في معسكرات خاصة. ومهما كانت أسباب العزل فإنّ العقل البشري يسعى للتّحرر والانطلاق إلى ما هو أبعد من القضبان والجدران العالية والأسلاك الشائكة، ليسجّل ما تهفو إليه النفس من تعبيرات.
إنّها المرة الأولى التي يجمع فيها معرض كل هذه التشكيلة الواسعة من الأعمال التي يعود بعضها إلى الحرب العالمية الثانية والمعسكرات النازية، لتتجاور مع أعمال حديثة أبدعها المهاجرون العرب والأفارقة الذين أقاموا في مدينة «كاليه» الفرنسية الشمالية، على أمل الانتقال إلى السّاحل البريطاني، وهو المعسكر العشوائي الذي حمل اسم «غابة كاليه». ومن بين المعروضات هؤلاء نجد رسوماً لفنان يُدعى حافظ السوداني، اشتهر بأنّه كان يرسم لوحات مبهرة لكنّها عابرة، على أرصفة باريس. وبعد الانتهاء منها، يجمع قطع النقد التي رماها المارة له، ويمضي تاركاً لوحته تتوارى تحت الأقدام.
تلفت النظر لوحات مرسومة على عوارض خشبية تعود للسجناء المكسيكيين في مراكز الاحتجاز على الحدود الأميركية. ومن بين كثير من الرسوم التي أُنجزت سريعاً وبأي مادة متوفرة، يقدم المعرض أعمالاً مُعتنى بها، هي ثمرة ورشات الفنون في عدد من السّجون الفرنسية. ونقرأ في دليل المعرض أنّ تقييد الحركة يجعل من هذه التعبيرات الفنية آخر الحريات التي تتاح للإنسان المحصور بين جدران ضيقة. ولأنّ الرّسام يعبّر عما يتمناه، نرى لوحات تتغنى بالشمس والطبيعة والبيت وتصور أفراد الأسرة، لكن هناك الكثير من التعبيرات التي تعكس الواقع الذي يعيشه صاحب اللوحة، أي القسوة والتشاؤم والقلق والخوف والمرض والصّراعات التي تدور بين السّجناء أو في العالم السّفلي للجريمة.
تنقسم المعروضات إلى ثلاثة أقسام، الأول بعنوان «فضاءات مُتخيّلة» ويضم الرسوم المنجزة في معسكرات الاحتجاز المؤقت، والثاني بعنوان «الخارج المُتخيّل» وهو مخصّص لأعمال نزلاء السّجون، والثالث بعنوان «احتفالات مُتخيّلة» وهو يضم ما تركه نزلاء معسكرات الإبادة. ومن خلال التنسيق الذي أشرفت عليه إيزابيل آليغريه، ينتقل الزائر من قسم إلى آخر، مع مشاعر وانطباعات تتراوح ما بين الأسف لتلك المصائر والأمل بقدرة البشر على نشدان الحرية ولو في قعر الجحيم.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.