هادي يرفض «السلام الزائف» مع ميليشيات الحوثي ويتوعّد بالحسم

رفض الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أي اتفاق للسلام مع الميليشيات الحوثية لا يقوم على إنهاء الانقلاب وتنفيذ مرجعيات الحل المتوافق عليها، مؤكدا أن أي سلام لا يستند إلى هذه المرجعيات سيكون منطلقا إلى إثارة حروب وصراعات جديدة في بلاده.
جاء ذلك في خطاب له بمناسبة العيد الوطني، بثته المصادر الرسمية، عشية الذكرى الـ28 لإعلان الوحدة الاندماجية بين جنوب اليمن وشماله، في 22 مايو (أيار) 1990، على يد قادة النظامين الحاكمين حينها في شطري البلاد.
ويأتي رفض الرئيس اليمني لما وصفه بالسلام الهش والزائف في ظل مساع حثيثة يقودها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، من أجل التوصل إلى إطار عام لاستئناف مفاوضات السلام بين الحكومة الشرعية والميليشيات الحوثية، أملا في التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب. وكان غريفيث صرح في وقت سابق بأنه سيقدم إطارا عاما لبدء المفاوضات اليمنية أمام مجلس الأمن الدولي بحلول منتصف يونيو (حزيران) المقبل، غير أن مصادر دبلوماسية على صلة بتطورات المساعي الأممية، تتوقع مزيدا من العراقيل أمام استئناف المفاوضات، بسبب عدم موافقة الميليشيات الحوثية على مبدأ تسليم السلاح، وعدم سحب عناصرها من المؤسسات في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لها.
ومع تأكيد هادي في خطابه على التزام الشرعية بإنجاح مساعي السلام القائمة على المرجعيات، فإنه توعّد بالحسم العسكري لإنهاء صفحة الانقلاب الحوثي، حيث قال: «نحن نعلن بوضوح أننا لا نريد سلاما زائفاً ومشوهاً، بل سلاماً عادلاً وناجزاً»، إذ لم يعد أمام قادة الميليشيات الحوثية، على حد قوله، «أي مساحة للمراوغة والمماطلة والتسويف، فإما تنفيذ مرجعيات الحل المتوافق عليها، أو تحمل عواقب مقامرتهم التي شارفت على نهايتها». وتابع هادي في معرض توعده الجماعة الحوثية بالحسم العسكري، قائلا: «سنحرر كل شبر من أرضنا الطاهرة، ولن نفرط بذرة تراب من أرضنا الواحدة، ولن نقبل السلام المشوه الذي يعيد إنتاج الحروب والصراعات».
وتشير تصريحات هادي، بحسب مراقبين، إلى عدم ثقة الحكومة الشرعية والقوى المؤيدة لها في جدية الميليشيات الحوثية في إنجاز اتفاق للسلام، وهو مما يجعل الخيار المتاح أمامها محصورا في الاستمرار في العمليات العسكرية الرامية لوأد الانقلاب واستعادة العاصمة صنعاء وما تبقى من المناطق الخاضعة للجماعة الحوثية المدعومة من إيران.
وأشار هادي إلى التطورات الميدانية مبشِّراً باقتراب حسم المعارك مع الميليشيات الحوثية، وقال: «أؤكد لشعبنا الأبي والصامد، في هذه المناسبة الوطنية، أن الانتصار بات أقرب من أي وقت مضى، وستسمعون وترون عما قريب ثمار صبركم وتضحياتكم انتصاراً عظيماً، بفضل البطولات الخالدة التي يسطرها الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في كل جبهات القتال وبمختلف المناطق».
وفي سياق القناعة التي باتت كما يبدو راسخة لدى الرئيس هادي بأن الحسم العسكري هو المعول عليه ضد الجماعة الحوثية، توعد بوصول قواته إلى جبال مران حيث مسقط رأس زعيمها الحوثي، وبتطهير صنعاء من عناصر الجماعة ومن النفوذ الإيراني. وقال إن «الأبطال الذين رفعوا بالأمس علمنا الوطني على مباني مديرية كتاف في قلب محافظة صعدة سيرفعونه قريبا على جبال مران وسيمرون من شوارع العاصمة الحبيبة صنعاء ليطهروها من رجس إيران ويصرخوا من أعالي نقم: بالروح والدم نفديك يا يمن».
وخصّص هادي جزءا من خطابه لانتقاد أخطاء نظام سلفه الراحل علي عبد الله صالح، بعد تحقيق الوحدة بين شطري اليمن، وقال إن «الانحرافات التي اعترت مسار الوحدة، والممارسات الخاطئة والسلوكيات المسيئة، لا تقلل من شأن الحدث التاريخي بقدر ما تعبر عن سوء من ارتكبها، وأية أخطاء حدثت فهي بالتأكيد ليست في المنجز، بل في من سعوا لتحويله إلى غنيمة شخصية، ومن أساءوا لليمن شمالا وجنوبا».
ولكي لا يثير هادي حفيظة القوى الجنوبية التي تتصاعد أصواتها منذ سنوات من أجل إنهاء وحدة الشمال والجنوب، والعودة إلى ما قبل 1990، امتدح في خطابه التحركات التي نادت بالانفصال عن الشمال منذ 2007 في سياق رفضها ما وصفها بـ«سياسة الإقصاء والتغول والإثراء والتعصب العائلي». كما أثنى على الانتفاضة التي أجبرت سلفه صالح على ترك الحكم في 2011، والتي قال إنها كانت تهتف من أجل «بناء يمن اتحادي جديد، لا ظالم فيه ولا مظلوم».
وأكد الرئيس هادي أن مشروع الدولة الاتحادية الذي يسعى إلى إنجازه، هو «جوهر مشروع اليمن الجديد الضامن لمستقبل آمن ومستقر ومزدهر»، على حد تعبيره، و«سيعيد الاعتبار لكل اليمنيين شمالا وجنوبا ممن تعرضوا للمصادرة والإقصاء والنهب والتهميش». كما وصف انقلاب الميليشيات بأنه «ضد مشروع الوحدة بالأساس، وضد الإرادة اليمنية الجامعة، وضد المستقبل بصفة عامة»، وقال إن من قام به هم «وكلاء مأجورون لتحقيق أطماع داخلية عبر زعمهم بالحق الحصري في السيادة والسلطة والحكم، أو خارجية ترعاها دول تسعى لتفكيك المنطقة وزرع بذور الخراب فيها» في إشارة إلى الدعم الإيراني للانقلاب الحوثي. ودافع الرئيس هادي في خطابه عن موقفه حين اتخذ قرار المواجهة العسكرية ضد الميليشيات الحوثية واللجوء إلى دول تحالف دعم الشرعية للوقوف مع اليمنيين من أجل استعادة الدولة، وقال: «بعد أن غامرت تلك العصابة المتمردة بدعم من النظام الإيراني، بإشعال الحرب، لم يكن أمامنا ونحن نرى الوطن يتداعى، إلا النهوض والاستعانة بالجسد العربي الذي نحن جزء منه وهو جزء منا».
وفي سياق متصل، انتهزت الميليشيات الحوثية ذكرى الوحدة اليمنية، عبر خطاب لرئيس مجلس حكمها الانقلابي مهدي المشاط، زعم خلاله أن جماعته تدافع عن الوحدة وعن السيادة، وأنها تقود حربها من أجل طرد المحتلين والغزاة والتصدي للمؤامرة الأميركية والإسرائيلية، بحسب ما درجت الجماعة على ترديده من مبررات من أجل إقناع أتباعها بالقتال في صفوفها لجهة حكم اليمن بالقوة. ويرجح غالبية المراقبين للشأن اليمني، أن الميليشيات الحوثية تستغل مساعي السلام الأممية من أجل كسب الوقت والمراوغة، في حين أنها لن توافق على أي اتفاق للسلام لا يضمن لها البقاء على رأس السلطة، التي ترى أنها، حسب معتقدها الطائفي، حق إلهي وحصري لزعيمها الحوثي والمنتمين إلى سلالته.