دروس في الأخلاق لإعادة تأهيل «أشبال داعش» في شمال سوريا

يقضون وقتهم في الرياضة ومتابعة حصص في الانضباط واللغات والمهن

طفل من أطفال «الدواعش» يعرض مسبحة صنعها بنفسه في مركز إعادة تأهيل تشرف عليه «وحدات حماية الشعب» الكردية فى شمال شرق سوريا وفي الإطار عبير خالد مديرة المركز (أ.ف.ب)
طفل من أطفال «الدواعش» يعرض مسبحة صنعها بنفسه في مركز إعادة تأهيل تشرف عليه «وحدات حماية الشعب» الكردية فى شمال شرق سوريا وفي الإطار عبير خالد مديرة المركز (أ.ف.ب)
TT

دروس في الأخلاق لإعادة تأهيل «أشبال داعش» في شمال سوريا

طفل من أطفال «الدواعش» يعرض مسبحة صنعها بنفسه في مركز إعادة تأهيل تشرف عليه «وحدات حماية الشعب» الكردية فى شمال شرق سوريا وفي الإطار عبير خالد مديرة المركز (أ.ف.ب)
طفل من أطفال «الدواعش» يعرض مسبحة صنعها بنفسه في مركز إعادة تأهيل تشرف عليه «وحدات حماية الشعب» الكردية فى شمال شرق سوريا وفي الإطار عبير خالد مديرة المركز (أ.ف.ب)

يبلغ حسن من العمر 13 عاماً فقط، لكن صغر سنه لم يمنعه من رؤية الكثير من الأعمال الوحشية، أو ربما حتى ارتكاب بعضها عندما كان واحداً من «أشبال داعش» في تنظيم داعش.
يقبع حسن وآخرون، تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً، اليوم في مركز تأهيل تشرف عليه الإدارة الذاتية الكردية و«وحدات حماية الشعب» الكردية في شمال شرقي سوريا. وهم يقضون وقتهم في الرياضة ومتابعة دروس عدة من «الأخلاق» والانضباط إلى اللغات والمهن.
وقد تم اختيار حسن وآخرين من «أشبال داعش» للانضمام إلى المركز، بهدف منحهم فرصة ثانية، ولتخفيف العبء عن سجون امتلأت بأشخاص يشتبه بأنهم «جهاديون»، وكبادرة حسن نية من الأكراد تجاه عشائر في المنطقة تقربت في السابق من التنظيم المتطرف.
في باحة مركز هوري لحماية وتعليم الأطفال في قرية تل معروف، يتجول حسن بكنزته وبنطاله الرياضيين، ليستنشق هواء الصباح، قبل أن ينتقل لاحقاً إلى قاعات الدراسة وورشات الأعمال اليدوية في المبنى المؤلف من طابق واحد.
دخل حسن إلى المركز في بداية العام 2018، وهو ابن أحد القياديين السابقين في تنظيم داعش في الرقة، ما اضطره لمشاهدة الكثير من الأعمال الوحشية وعمليات الذبح.
ليس معروفاً ما إذا كان حسن قام بنفسه بعمليات قتل، لكن المقاتلين الأكراد وجدوا صورة يظهر فيها وهو يحمل رأس شخص.
على غرار العديد من «أشبال داعش»، وفق ما تقول المشرفة في المركز روكن خليل لوكالة الصحافة الفرنسية، «لم يكن حسن يلقي علينا التحية، أو يسلم علينا باليد، ولا حتى ينظر مباشرة إلى وجوهنا».
وخلال سنوات سيطرته على مساحات واسعة من سوريا والعراق، نشر تنظيم داعش مقاطع فيديو عدة تظهر أطفالاً وفتية وهم يحملون أسلحة، ويطلقون النار، أو يشاركون في إعدامات، وأخرى تظهرهم وهم يتلقون دروساً في الشريعة.
وتدير مركز هوري موظفات في الإدارة الذاتية الكردية. ويُمنع فيه الحديث في الدين، ويفرض على نزلائه حلاقة ذقونهم وارتداء كنزة وبنطال بدلاً من الزي الفضفاض الذي كان يفرضه التنظيم المتطرف ويعرف باللباس الأفغاني.
ويُمنع على نزلاء المركز استخدام الإنترنت أو الهواتف الجوالة. إلا أن «المدربين بخدمتهم ليلاً نهاراً»، وفق ما تقول مديرة المركز عبير خالد التي تضيف: «نعتبرهم ضحايا». ويخضع «أشبال داعش» السابقون لبرنامج يومي مكثف، يمارسون الرياضة، خصوصاً كرة اليد، ويحضِّرون طعامهم بأيديهم، ويدرسون اللغتين العربية والكردية، فضلاً عن التاريخ والجغرافيا و«الأخلاق».
كما يحضرون ورشات عمل لتعلم مهن عدة بينها الخياطة والحلاقة.
وعانى غالبية هؤلاء الأطفال من الفقر وقلة التعليم. ولا يعتقد مسؤولو المركز أنهم متعلقون بفكر التنظيم المتطرف، حتى أن أربعة منهم كان جرى إرسالهم لتنفيذ عمليات انتحارية لكنهم «لم يتمكنوا من القيام بها من شدة الخوف»، وفق خليل.
وتوضح المسؤولة: «آيديولوجيتهم ليست عميقة، ومن الممكن إصلاحها بسهولة».
وحكم على الكثير منهم بالسجن لفترات تتراوح بين ستة أشهر وسبع سنوات، وقد يجري تخفيضها في حال أثبتوا حسن سلوكهم في المركز.
من المبكر جداً الحديث عن نجاح المركز، إلا أن خليل تبدو سعيدة بالنتائج حتى الآن. وتقول: «لم نواجه أي مشاكل وهم فعلاً يتغيرون. كثيرون منهم باتوا يبادرون من تلقاء أنفسهم للحديث معنا» على غرار حسن.
ولم يعد حسن، وفق خليل، «يوجه الشتائم لزملائه أو يؤمن بالجنة والحُورِيات، بل بات يستمع إلى الموسيقى». وبرغم ذلك من الصعب معرفة كيف يفكر، وهو الذي لا يزال ينتظر محاكمته.
وتقول خليل «قد يحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، لكنه لا يزال صغيراً، ولذلك قد تخفض فترة عقوبته».
ويقوم مركز هوري على مفهوم العدالة الاجتماعية المستوحى من فكر الزعيم الكردي رئيس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المعتقل في تركيا منذ 1999. وتنتشر صور أوجلان في كافة المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال البلاد، ويعد المثل الأعلى لمقاتلي «وحدات حماية الشعب» الذين يعلقون صورته شارة على لباسهم العسكري.
وينفي الأكراد الذين يتهمون باستمرار بتجنيد فتيان قسراً في صفوف «وحدات حماية الشعب»، أن يكونوا يسعون إلى فرض فكر أوجلان بدلاً من «عقيدة الشبان المتطرفين المعتقلين».
وفي سجن علايا في مدينة القامشلي (شمال شرق)، شاهد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية مجسمات للزعيم الكردي صنعها معتقلون وبينهم من يشتبه بانتمائهم لتنظيم داعش.
وفي مركز هوري، يصب يلماظ الفتى التركي البالغ من العمر 16 عاماً جام غضبه على والده، الذي جاء بالعائلة كلها إلى سوريا في العام 2014، للانضمام إلى تنظيم داعش.
ويقول يلماظ «هو يتحمل مسؤولية ذلك». وبات يلماظ ينظر بطريقة مختلفة إلى مقاتلي «الوحدات الكردية». ويقول أثناء تقديمه للشاي في مكتب الإدارة الذي علقت فيه صورة كبيرة لأوجلان: «أحبهم كما لو أنهم أعمامي».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.