مؤتمر باريس يدعم «آليات جديدة» للمحاسبة على «الكيماوي»

TT

مؤتمر باريس يدعم «آليات جديدة» للمحاسبة على «الكيماوي»

أكدت 30 دولة اجتمعت في باريس رغبتها في إنشاء آليات لتحديد ومعاقبة المسؤولين عن الهجمات الكيماوية، ذلك بعدما جمدت فرنسا الجمعة أصول ثلاثة أشخاص وتسع شركات لتورطها المفترض في برنامج الأسلحة الكيماوية السوري.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان في ختام اجتماع «الشراكة الدولية ضد الإفلات من العقاب لاستخدام الأسلحة الكيماوية» التي أنشأتها فرنسا مطلع العام الحالي بعد استخدام الفيتو الروسي في مجلس الأمن: «من خلال تجمعنا، نبعث برسالة واضحة مفادها أنه لن يكون هناك إفلات من العقاب لأولئك الذين يقتلون مسلحين أو مدنيين بواسطة الغاز».
من جهته، قال نظيره البريطاني بوريس جونسون: «إننا بحاجة إلى آلية جديدة ليس فقط لتحديد استخدام الأسلحة الكيماوية، لكن أيضا لتحديد الجناة».
وكانت الحكومة الفرنسية أعلنت في وقت سابق الجمعة تجميد أصول عدة شركات وأشخاص يتمركز معظمهم في سوريا ولبنان.
وقال لودريان ووزير الاقتصاد برونو لومير في بيان مشترك إن هذه الكيانات تعمل «لحساب» مركز الدراسات والبحوث السوري: «المختبر السوري الرئيسي المكلف تطوير وإنتاج أسلحة كيماوية وصواريخ باليستية». وأضاف: «إنها اختيرت لتورطها في البحث و/ أو حيازة معدات تساهم في تطوير القدرات العسكرية الكيميائية والباليستية لهذا البلد عبر هذا المركز».
ووردت أسماء شخصين سوريين وآخر مولود في 1977 في لبنان لم تحدد جنسيته.
ويشمل القرار تجميد أصول شركات «مجموعة المحروس» (دمشق) ولها فرعان في دبي ومصر، و«سيغماتيك» (دمشق) و«تكنولاب» (لبنان) وشركة تجارية مقرها في غوانغجو في الصين.
والشركات الثلاث فرضت عليها وزارة الخزانة الأميركية عقوبات لارتباطها المفترض ببرنامج سوري للتسلح.
وتضمنت الأحكام التي وقعها وزير الاقتصاد والمالية أسماء وعناوين وتواريخ ميلاد الأشخاص المعنيين. وسيتم تجميد أصول هذه الكيانات والشخصيات لمدة ستة أشهر اعتبارا من 18 مايو (أيار) 2018.
كما نشرت فرنسا مساء الجمعة: «قائمة للانتباه، من نحو 50 شخصا تعتقد أنها تشارك في تطوير برنامج كيماوي سوري محتمل»، حسب لو دريان.
ومركز الدراسات والبحوث مستهدف منذ فترة طويلة من قبل الغرب وهو تابع لوزارة الدفاع السورية ويشتبه بأنه المختبر الرئيسي المكلف هذه البرامج الكيميائية.
وقد استهدفت ضربات غربية في سوريا في 14 أبريل (نيسان) فروعا لهذه المؤسسة، كما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأكد عزيز علوش الذي يملك شركة «تكنولاب» التي تتخذ من النبطية في لبنان مقرا لها، لوكالة الصحافة الفرنسية، أنه لا يزود بمعدات إلكترونية وميكانيكية سوى جامعات ومدارس ومراكز تعليمية مهنية.
وأضاف أنه منذ 2016 وبسبب العقوبات الأميركية، «أوقف العمل مع سوريا» مع أنه يعترف بأنه «يساعد بعض الأشخاص الذين يعرفهم شخصيا». وتابع: «فوجئت بالنبأ. لا أعمل مع فرنسا. لا أعمل إطلاقا مع فرنسا. إذا كانوا يريدون استجوابي فأهلا وسهلا. ليس لدي أموال لا في فرنسا ولا في مصرف. نحن شركة صغيرة».
وأوضح أنها منتجات «ذات استخدام مزدوج. الأجهزة التي تتسلمها الجامعة يمكن أن يكون لها استخدام مدني أو عسكري»، لكن «إذا أخذ شخص ما جهازا واستخدمه لأغراض أخرى فما ذنبي؟».
وشارك نحو 30 دولة في اجتماع الجمعة في باريس لتحديد آليات التعرف على المسؤولين عن الهجمات الكيماوية ومعاقبتهم خصوصا في سوريا.
وقال الوزيران الفرنسيان: «بينما اختفت الأسلحة الكيماوية منذ نحو عشرين عاما، يتطلب ظهورها مجددا في العراق وسوريا وآسيا وأوروبا بين أيدي أطراف حكومية وغير حكومية، تعبئة كبيرة من الأسرة الدولية».
وبين المؤسسات المستهدفة مستوردون وموزعون لمعادن ومنتجات إلكترونية وأنظمة إضاءة وبعض هذه الشركات لا مقرات فعلية لها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.