اتساع المطالب بإجراء تحقيق مستقل حول استهداف المدنيين في غزة

نددت المجموعة الدولية على نطاق واسع بالعنف الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين على الحدود مع قطاع غزة. وطالبت غالبية الدول الأعضاء في مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة وشفافة لمعرفة ملابسات الأحداث التي أوقعت عشرات القتلى وآلاف الجرحى بين المتظاهرين الفلسطينيين خلال الأسابيع القليلة الماضية، على الرغم من تعطيل الولايات المتحدة مشروع بيان كويتي في هذا الصدد. واستعدت الكويت لتقديم مشروع قرار جديد اليوم يطالب بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
وبدت الانقسامات واضحة في مجلس الأمن، إذ حظي الجانب الفلسطيني بتعاطف من غالبية أعضاء مجلس الأمن، فيما اختارت المندوبة الأميركية تركيز انتقاداتها على ما تفعله «حماس»، فضلاً عن السلوك الإقليمي «المزعزع للاستقرار» من إيران.
واستهلت الجلسة الطارئة المفتوحة بدقيقة صمت على الضحايا الفلسطينيين، ثم قدم منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف إفادة قال فيها إن «قتل الفلسطينيين في غزة لا مبرّر له»، مؤكداً أن «إسرائيل تتحمل مسؤولية العنف» في القطاع، وداعياً إلى «التنديد بأشد العبارات بالأعمال التي أدت إلى مقتل العشرات»، ومعتبراً أن «عشرات الآلاف في غزة يتظاهرون من أجل إسماع صوتهم»، وأشار إلى أنه «يجب ألا تستغل حركة حماس المظاهرات لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، ويجب الاستماع إلى المعاناة والمأساة التي يعيشها أهالي غزة»، وحض المجتمع الدولي على «التدخل بسرعة لمنع اندلاع حرب»، مركزاً على أنه «لا بد أن تتوقف حلقة العنف في غزة، وإلا سينفجر الوضع».
وتحدث المندوب الكويتي الدائم لدى الأمم المتحدة، منصور العتيبي، فأسف لعدم تمكن مجلس الأمن من إصدار مشروع البيان الذي أعدته بلاده، والذي «يدعو، ضمن أمور أخرى، إلى إجراء تحقيق دولي شفاف مستقل في المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، ومحاسبة مرتكبيها»، مشيراً إلى أنه «في حال استمر المجلس في عجزه عن اتخاذ إجراء لإنشاء آلية تحقيق، فإننا ندعم أي تحرك تجاه الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو مجلس حقوق الإنسان، لضمان محاسبة المسؤولين، وعدم إفلاتهم من العقاب».
وأعلن أيضاً أن «الكويت تدعم اتخاذ إجراءات وتدابير تساهم في توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني»، وانتقد نقل السفارة الأميركية إلى القدس، معتبراً ذلك «مخالفة صريحة (...) لقراري مجلس الأمن 476 و478».
وانتقدت المندوبة الأميركية نيكي هيلي عقد هذه الجلسة الطارئة، وغياب أي إجراءات لوقف ما تقوم به إيران في المنطقة، مشيرة إلى أن «القوات الإيرانية استهدفت مواقع إسرائيلية في مرتفعات الجولان»، في «استفزاز متهور وتصعيد يجب وقفه». كما أن «القوات الإيرانية في اليمن أطلقت صواريخ باليستية في اتجاه السعودية»، في «عنف إقليمي ينبغي أن يستحوذ على اهتمامنا» في مجلس الأمن.
واتهمت هيلي «إرهابيي حماس المدعومين من إيران بشن هجمات ضد قوات الأمن الإسرائيلية»، معتبرة أن «الخيط المشترك في كل ما يحصل هو السلوك المزعزع للاستقرار من النظام الإيراني». وأكدت أن بلادها «ترحب بمناقشة الطرق التي يمكننا بها التعاون مع بعضنا بعضاً لوضع حد لهذا العنف»، متسائلة عن سبب عدم نقاش مجلس الأمن «الوجود الإيراني المزعزع للاستقرار في سوريا، وترويجها للعنف في اليمن، ودعمها للإرهاب في غزة، ومراكمتها الأسلحة الخطرة وغير القانونية في لبنان»، ونفت أن يكون افتتاح السفارة الأميركية في القدس سبباً لأعمال العنف.
وتبعتها نظيرتها البريطانية كارين بيرس التي دعت إلى الهدوء وضبط النفس، قائلة إن «حجم النيران الحية المستخدمة في غزة، وما ترتب على ذلك من عدد من الوفيات، أمر مزعج ولا يمكن تجاهله من مجلس الأمن»، مضيفة أن «المملكة المتحدة تدعم إجراء تحقيقات مستقلة وشفافة في الأحداث التي وقعت، في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك مدى اتساق قواعد الاشتباك لدى قوات الأمن الإسرائيلية مع القانون الدولي»، وشددت على أن «عدد القتلى وحده يستحق مثل هذا التحقيق الشامل (...) وإذا تم العثور على مخالفات، فإن المسؤولين عن ذلك سيحاسبون».
ثم عدد المندوب البوليفي ساشا سيرجيو لورينتي سوليز أسماء الأطفال الضحايا الذين سقطوا برصاص القوات الإسرائيلية على الحدود بين إسرائيل وغزة. وأكد المندوب السويدي أولوف سكوغ أنه لا بد من إنشاء آلية تحقيق مستقلة، وحض كل الأطراف على «التصرف بأقصى درجات ضبط النفس، لمنع وقوع المزيد من الخسائر في الأرواح، ولحماية المدنيين، وخصوصاً الأطفال».
وركز المندوب الفرنسي على 3 نقاط رئيسية، إذ عبّر أولاً عن «القلق البالغ» من التطورات الأخيرة في غزة، محذراً من أن «الشرق الأوسط يقترب من عاصفة هوجاء»، وأضاف أن «الوضع يؤكد الحاجة الملحة إلى أفق سياسي للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني» من أجل «معاودة محادثات السلام الجديّة على أساس حل الدولتين»، وشدد ثالثاً على ضرورة أن يتمكن مجلس الأمن من الاضطلاع بمسؤولياته لتسوية هذه الأزمة، وأكد أن وضع القدس لا يمكن حسمه إلا من خلال المفاوضات بين الطرفين.
وألقى المندوب المراقب لدولة فلسطين رياض منصور كلمة مؤثرة، قال فيها إن «مجازر قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، الاثنين، أسفرت عن مقتل 61 مدنياً، وإصابة الآلاف من المدنيين الأبرياء»، لافتاً إلى أن «إسرائيل تتحجج دائماً بأنها تدافع عن نفسها»، بينما تستخدم «الدبابات والطائرات والمدفعيات، ويختبئ جنودها في الخنادق وخلف التلال». ولم يتمالك دموعه، فأضاف أن «مزيداً من شبابنا وأبنائنا وأطفالنا خرجوا بشكل سلمي احتجاجاً على الحياة البائسة التي يعيشونها، والتي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي عليهم ظلماً وعدواناً، ليعبروا عن رفضهم للذل والقهر والاستعباد، ليطالبوا بحقوقهم المشروعة، بما فيها حق تقرير المصير، وحق العودة إلى أراضيهم»، وأكد أنه يجب ألا يعامل الشعب الفلسطيني باعتباره استثناءً ممنوعاً عليه التعبير عن مظالمه، وانتقد بحدة المواقف التي أعلنتها المندوبة الأميركية.
في المقابل، اتهم المندوب الإسرائيلي الدائم لدى الأمم المتحدة داني دانون المتظاهرين الفلسطينيين في غزة بأنهم «ألقوا قنابل مولوتوف، وزرعوا عبوات ناسفة، واستخدموا إطارات محترقة»، مضيفاً أن هؤلاء «حاولوا، في مناسبات عدة، تحطيم السياج، والتسلل إلى الأراضي الإسرائيلية»، واتهم «حماس بأنها ترتكب جرائم حرب، ليس فقط ضد المدنيين الإسرائيليين، ولكن أيضاً ضد شعبها» الفلسطيني.