موسكو تأمل بـ«تماسك الموقف الأوروبي» أمام ضغوط واشنطن

حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من احتمال حصول تراجع في المواقف الأوروبية حيال التمسك بالاتفاق النووي مع طهران، في حين أعلنت موسكو أنها لا تسعى للعب دور الوسيط بين الإيرانيين والأميركيين، وقالت إنها تنتظر اتضاح الآليات التي تقترحها بعض الأطراف لإجراء مفاوضات جديدة مع طهران، حول ملفي البرنامج الصاروخي والسياسات الإقليمية.
وأكد لافروف، في مؤتمر صحافي عقده في موسكو أمس، أن الولايات المتحدة «فقدت كل حقوقها، بموجب الاتفاق النووي الإيراني، بعد إعلان انسحابها منه»، وأوضح أن الاتفاق منح الأطراف الموقعة عليه حقوقاً وصلاحيات معينة، و«ثمة بنود واضحة في الاتفاق تنص على ذلك»، وقال إن قرار الانسحاب الأميركي جعل واشنطن تفقد صلتها بالاتفاق، ما يعني أنها فقدت تلك الحقوق التي كان يمنحها، وعبر عن قناعة بـ«أنهم (الأميركيين) لا ينفون صحة ذلك؛ إنهم يدركون تداعيات الانسحاب».
في الوقت ذاته، لفت الوزير الروسي إلى أن واشنطن «تمارس ضغوطاً قوية على الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق»، مشيراً إلى التحذيرات التي أطلقتها واشنطن للشركات التي تربطها مصالح بإيران، وزاد: «تم تحديد مواعيد 60 يوماً أو 90 يوماً، بما في ذلك على مستوى الشركات التي تصدر بعض المواد إلى إيران، أو الشركات التي تشتري النفط الإيراني».
وكشف أن الأوروبيين «يقولون لنا إنهم يستعدون للتخلص من الضغوط الأميركية، عبر اتخاذ خطوات مشتركة منسقة»، وأعلن أن موسكو «مهتمة بمناقشة هذه التفاصيل والآليات التي يمكن التفاهم بشأنها مع كل أطراف الاتفاق النووي».
لكن لافروف شكك بشكل غير مباشر في تماسك الموقف الأوروبي، وتساءل: «إلى أي درجة سيحافظ شركاؤنا على تماسك وحزم مواقفهم؟»، لافتاً إلى أن الأوروبيين «في الماضي، أعلنوا مواقف واضحة، ثم قدموا تنازلات إلى واشنطن، رغم أنها تسبب بضرر واضح لمصالحهم الشرعية.. دعونا نرى».
وعلى صعيد مواز، عبر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف عن قناعة بأنه «لا يمكن أن نستبعد نهائياً انسحاب طهران من الاتفاق النووي».
وقال خلال مشاركته في ورشة عمل على مستوى خبراء ناقشت الملف الإيراني إن «التطورات تتسارع بدينامية عالية. وإذا لم تحصل طهران على ضمانات ترضيها لجهة الالتزام بالاتفاق، فلا يمكن استثناء تطور من هذا النوع».
وأوضح ريابكوف أن ثمة «عناصر جديدة مؤثرة تبرز، ويمكن أن تؤثر على المزاج السياسي لعواصم عدة، وبينها طهران»، وحدد من بين العناصر الجديدة «تفاقم حال التوتر العسكري الذي تفرضه الولايات المتحدة في المنطقة»، وقال إن «روسيا تأمل ألا يستمر هذا التطور، لكن واشنطن تفرضه في المنطقة، وقد بات يتصاعد بوضوح».
وأكد الدبلوماسي الروسي أن موسكو مقتنعة بعدم رغبة واشنطن في إجراء مراجعة لموقفها من الملف النووي الإيراني، وزاد: «القرار الذي اتخذ في 8 مايو (أيار) سوف ينفذ، ولا نرى آفاقاً لتراجع عنه».
وشدد ريابكوف على أن «القرار الأميركي ليس مرتبطاً بالملف النووي، بل بالدرجة الأولى بسياسات إيران الإقليمية، وواشنطن نفسها لا تنفي ذلك»، وزاد أن عنصرين باتا يخضعان لتركيز الاهتمام، هما السياسات الإقليمية لطهران وبرنامج إيران الصاروخي، معرباً عن أمل موسكو في أن «تتمسك واشنطن بلغة الحوار السياسي، وليس سياسات الضغوط والعقوبات لمناقشة الملفين».
وعبر ريابكوف عن قناعة روسية بأن «الأزمات الإقليمية التي تملك إيران يداً فيها يمكن مناقشتها بأدوات مختلفة. وإذا أرادت واشنطن تغيير سلوك طهران، فعليها أن تلجأ لأساليب أخرى دبلوماسية».
وأكد الدبلوماسي أنه «يمكن أن نحافظ على الاتفاق (النووي)، إذا توافرت الإرادة السياسية لدى الأطراف المتمسكة به، وهذا أمر ليس ممكناً نظرياً وحسب، بل وعملياً أيضاً».
وتابع ريابكوف أن الإرادة السياسية مطلوبة بالدرجة الأولى من الأوروبيين، موضحاً أن المطلوب «درجة عالية من حماية الشركات التي تتعامل مع إيران من العقوبات الأميركية».
ونبه إلى أن روسيا «سوف تواصل التزامها بالاتفاق، بدرجة التزام الأطراف الأخرى نفسها»، مضيفاً أن هذا ينسحب على منشأة فوردو النووية، وزاد أن موسكو «أعلنت، وتعلن مجدداً، التزامها الكامل، لكن لن نبقى ملتزمين إذا أخلت الأطراف الأخرى»، وقال إن روسيا «تنطلق من إعلان طهران التزامها أيضاً، وليس لدينا سبب يدفعنا للتشكيك بصحة الإعلان الإيراني».
وقال ريابكوف إن موسكو «ليست وسيطاً بين الإيرانيين والأميركيين، ولا تسعى للعب هذا الدور»، مشدداً: «نحن طرف في الاتفاق النووي، نريد أن نحافظ عليه، ولدينا لهذا السبب اتصالات نشطة مع كل الأطراف المعنية، ولدينا تنسيق قوي مع الصين، ونرغب معاً في مواصلة التعاون مع طهران».
ورد ريابكوف على سؤال حول الموقف الروسي من إطلاق جولات مفاوضات جديدة مع إيران، مؤكداً أن «أصحاب اقتراح المفاوضات الجديدة عليهم أن يحددوا بدقة من هي الأطراف التي يجب أن تنخرط فيها، وما آليات التفاوض، وشكل مناقشة المسائل المختلفة المطروحة، وهل ينبغي مناقشة المسائل المطروحة على شكل رزمة كاملة متزامنة أم بشكل متتابع؟». وزاد الدبلوماسي الروسي أن بلاده تتابع باهتمام الأفكار والاقتراحات المتعلقة بهذا الشأن.