الصدارة للصدر ... وأنصاره يهتفون لعراق «بلا إيران»

العبادي وبارزاني يدعوان الكتل الفائزة إلى التفاوض من أجل تشكيل الحكومة

أنصار مقتدى الصدر يحتفلون وسط بغداد الليلة قبل الماضية بعد إعلان تقدم تحالفه في الانتخابات (رويترز)
أنصار مقتدى الصدر يحتفلون وسط بغداد الليلة قبل الماضية بعد إعلان تقدم تحالفه في الانتخابات (رويترز)
TT

الصدارة للصدر ... وأنصاره يهتفون لعراق «بلا إيران»

أنصار مقتدى الصدر يحتفلون وسط بغداد الليلة قبل الماضية بعد إعلان تقدم تحالفه في الانتخابات (رويترز)
أنصار مقتدى الصدر يحتفلون وسط بغداد الليلة قبل الماضية بعد إعلان تقدم تحالفه في الانتخابات (رويترز)

شكَّل العراقيون مفاجأة سياسية بإيصال قائمتين مناهضتين للتركيبة السياسية الحالية، لتتقدما الانتخابات التشريعية، بحسب ما أظهرت نتائج جزئية، بفارق كبير عن رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي يحظى بدعم دولي كبير، ويحسب له «النصر» على «داعش».
وهذه النتائج الجزئية الرسمية التي ظهرت، ليل الأحد الاثنين، لا تشمل تصويت القوات الأمنية والمغتربين والنازحين، الذين يمكنهم تغيير المعطيات بعد فرز أصواتهم.
وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، تبنت هاتان القائمتان، الأولى «سائرون» بقيادة مقتدى الصدر، وتضم الشيوعيين، والثانية «الفتح» التي تضم فصائل «الحشد الشعبي» المقرب من إيران، في الماضي، خطاباً معادياً لواشنطن، رغم قتالهما إلى جانب القوات الأميركية ضد تنظيم داعش. وحل تحالف «سائرون» الذي يجمع الصدر والحزب الشيوعي على أساس مكافحة الفساد، في المرتبة الأولى في ست محافظات من أصل 18، وثانياً في أربع أخرى إثر الانتخابات التي جرت السبت.
وتجمع أنصار التحالف الذين يتظاهرون أسبوعياً ضد الفساد منذ العام 2015، حاملين صور الصدر، ومطلقين الألعاب النارية في وسط بغداد للاحتفال بـ«النصر على الفاسدين» و«المرحلة الجديدة للشعب العراقي»، وهتفوا: «بغداد حرة حرة! إيران برا برا!».
أما تحالف «الفتح»، الذي يضم فصائل «الحشد الشعبي» التي لعبت دوراً حاسماً في دعم القوات الأمنية لدحر تنظيم داعش، فحلَّ أولاً في أربع محافظات، وثانياً في ثمان أخرى.
بالنسبة إلى العبادي، المدعوم من التحالف الدولي، فحل خلف «الفتح» و«سائرون» في جميع المحافظات ما عدا نينوى، وكبرى مدنها الموصل التي أعلن العبادي «تحريرها» في يوليو (تموز) الماضي. وفي وقت سابق، لفت العديد من المسؤولين السياسيين إلى أن العبادي سيحتل المرتبة الأولى بنحو 60 مقعداً في البرلمان.
ومع ذلك، يمكن لتلك الأرقام أن تتغير، إذ إن تعداد الأصوات لا يشمل أصوات نحو 700 ألف عنصر من القوات الأمنية العراقية، إضافة إلى أصوات نحو مليون مغترب عراقي.
والخسارة الأكبر في الانتخابات كانت من نصيب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي يتزعم ائتلاف «دولة القانون»، ويحتفظ بعلاقات قوية مع إيران. وحسب النتائج الجزئية، فإن هذا الائتلاف جاء في المرتبة الرابعة.
ووجّه رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، أمس، كلمة إلى الشعب العراقي دعا فيها «المواطنين والكتل السياسية إلى احترام نتائج الانتخابات والالتزام بالطرق القانونية السليمة المتعلقة بالمخالفات»، معرباً عن «استعداده الكامل للعمل والتعاون في تشكيل حكومة عراقية خالية من الفساد والمحاصصة وغير خاضعة لأجندات خارجية».
ويعتقد بعض المراقبين أن كلمة العبادي جاءت رداً على المتحدث باسم ائتلاف «دولة القانون» عباس الياسري، الذي حمَّل، في تصريحاتٍ، أمس، حكومة العبادي، مسؤولية «الفوضى» خلال الانتخابات، معتبراً أن «ضعف الحكومة وضعف الأمن أديا إلى الفوضى التي حصلت في الانتخابات». وقال العبادي، خلال الكلمة التي بثها تلفزيون «العراقية» شبه الرسمي: «إننا ومنذ أول يوم لتسلمنا هذه الحكومة عام 2014 وضعنا في مقدمة الأولويات تحرير أرض العراق، ومنع تمددهم إلى باقي المحافظات، وعملنا على تحقيق الأمن والاستقرار وإنهاء الطائفية بين العراقيين، وإزالة الحواجز والفوارق بين أبناء الشعب الواحد»، مشيراً إلى أن حكومته «سعت بكل جهد وإخلاص لأن تكون الدولة قوية، ومكانتها محترمة في محيطها الإقليمي والدولي، وأن تكون الحكومة خالية من الفساد والمحاصصة المقيتة، وهي الأولويات التي أوفينا بالجانب الأهم والأكبر منها». ولفت العبادي، أثناء كلمته، إلى أنه وبموجب دستور جمهورية العراق ملزم بـ«تحمل كامل المسؤولية الملقاة على عاتقنا بقيادة البلاد وحمايتها والدفاع عن وحدتها ومصالحها وسيادتها لحين تشكيل الحكومة الجديدة».
من جهة أخرى، دعا رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، أمس، الأطراف الفائزة في الانتخابات إلى البدء في محادثات تشكيل حكومة جديدة. وقالت رئاسة حكومة إقليم كردستان، في بيان صادر أمس، إن رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني استقبل المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى التحالف الدولي ضد (داعش)، بريت ماكغورك، ودوغلاس سيليمان سفير الولايات المتحدة في العراق، ووفداً دبلوماسياً مرافقاً لهما. وذكر البيان أن بارزاني دعا «الأطراف العراقية والكردستانية الفائزة إلى البدء في محادثات تشكيل حكومة جديدة ذات مشاريع سياسية وإعمارية ورؤى لحاضر ومستقبل العراق».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.