نتنياهو يدفع باتجاه مزيد من التهويد متسلحاً بنقل السفارة

TT

نتنياهو يدفع باتجاه مزيد من التهويد متسلحاً بنقل السفارة

للسنة الحادية والخمسين، على التالي، تقيم إسرائيل سلسلة احتفالات بما تسميه «تحرير القدس»، أي ذكرى احتلال المدينة الذي تم في حرب 1967 وشمل الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء المصرية وهضبة الجولان السورية. ويوم أمس، بلغت هذه الاحتفالات ذروتها؛ إذ غادرت الحكومة مقرها الرسمي وعقدت جلستها العادية في متحف القدس وأعلن رئيسها، بنيامين نتنياهو، إلغاء عروبة المدينة المقدسة وحاول نسف الأمل الفلسطيني بأن يكون الجزء الشرقي منها عاصمة لدولة فلسطين. وقال: «نحيي ذكرى يوم أورشليم في متحف بلدان التوراة وهنالك سبب جيد لذلك. لقد تم ذكر اسم أورشليم نحو 650 مرة في التوراة. السبب لذلك بسيط: أورشليم هي عاصمة شعبنا، وشعبنا فقط، منذ 3000 عام. حلمنا بالعودة إليها وبإعمارها، ومن ثم توحيد شطريها وهذا بالضبط ما نفعله اليوم».
وأشار نتنياهو إلى ما يميز الحدث في هذه السنة عن السنوات السابقة، بأن إسرائيل «ستتبارَك هذا الأسبوع بحدث تاريخي حقا وهو قرار أكبر دولة عظمى في العالم، صديقتنا الولايات المتحدة، نقل سفارتها إلى هنا. فقد وعد الرئيس دونالد ترمب بأنه سيعترف بأورشليم عاصمة إسرائيل وها هو يفي بوعده. ووعد بنقل السفارة الأميركية إلى أورشليم وهو يفي بذلك. وبالطبع سنحتفل بهذا اليوم وغدا وهذا هو احتفال حقيقي. ثم سيتم نقل سفارتين أخريين إلى أورشليم، هما سفارتا غواتيمالا وباراغواي، وستكون هناك دول أخرى ستقوم بمثل هذه الخطوة».
وأعلن نتنياهو عن سلسلة قرارات جديدة تتخذها حكومته لإعمار القدس و«تطويرها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، في جميع الاتجاهات – بهدف الكشف عن ماضيها وبناء مستقبلها»، وأهم هذه القرارات رصد مبلغ 600 مليون دولار لمشاريع «أسرلة القدس»، أي جعلها إسرائيلية أكثر. فهي رغم تكريس مليارات الدولارات في الماضي، ما زالت تشعر بنقص في إسرائيليتها.
واختتم نتنياهو قائلا: «أعلم أن هناك صعوبات على الطريق، وهناك صعوبات منذ 70 عاما. صمدنا أمامها منذ 1948 وحتى السنوات الأخيرة وسنواصل الصمود أمامها لاحقا. نحن ملتزمون بأورشليم فهي جزء من روحنا ووجودنا ومن عملنا الدنيوي والروحي على حد سواء. أنا متأكد بأن جميع الوزراء متأثرون كثيرا بالأحداث الكبيرة التي تحدث هذه الأيام. إننا نحقق ما قاله النبي: (ويهودا ستجلس في أورشليم إلى الأبد من جيل إلى جيل). عيد سعيد يا أورشليم!».
استند نتنياهو كثيرا، في تصريحاته هذه، إلى مشكلة عامة وطامة للبشرية، هي الذاكرة القصيرة. فمثل هذا التصريح، بكلمات أخرى وصياغات مختلفة، قيلت على لسانه وعلى ألسن أسلافه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية طيلة نصف قرن. وفي كل يوم احتفال بـ«تحرير أورشليم» تتحول القدس إلى ثكنة عسكرية، خوفا من الشركاء الآخرين في المدينة، الذين مهما تجاهلهم فإنهم موجودون. وإذا تم تغييبهم وحصارهم وقمعهم وإسكات أصواتهم، فإن الأقصى وسائر معالم المدينة الإسلامية، وكنيسة القيامة وسائر المعالم المسيحية، ودرب الآلام وكل شيء في هذه المدينة ينطق باسمهم وباسم عروبتهم وعروبتها.
وحتى الإحصائيات الإسرائيلية التي نشرت، أمس، بمناسبة «الحدث التاريخي» تشير إلى أن نسبة السكان الفلسطينيين في القدس تبلغ حاليا 38 في المائة (حسب إحصائيات معهد القدس الإسرائيلي)، لكن صحيفة «هآرتس»، نشرت تقديرات خبراء تؤكد أنها وصلت إلى 41 في المائة في الواقع. هذا مع العلم أن نسبة العرب في القدس، عندما اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارها بضم القدس الشرقية المحتلة إلى إسرائيل وتوحيدها مع القدس الغربية في مدينة واحدة، كانت نسبة العرب 25 في المائة. وقررت حكومات إسرائيل المتعاقبة عمل كل شيء حتى لا تزيد نسبة العرب عن 28 في المائة من سكان المدينة.
وأكدت الإحصاءات الإسرائيلية نفسها، أن في القدس أعلى نسبة فقر بين المدن الإسرائيلية 46 في المائة (معدل الفقراء في إسرائيل عموما 22 في المائة)، ونسبة البطالة فيها تزيد عن النسبة العامة (19 في المائة مقابل 4.3 في المائة)، والأمن الشخصي في إسرائيل عموما 81 في المائة وفي القدس بالذات 71 في المائة. والقدس تعاني من هجرة يهودية سلبية.
لهذا، ومن دون أي استخفاف بمشاريع التهويد البشعة التي تنفذها الحكومة في المدينة وتقييد حرية العبادة فيها للمسلمين والمسيحيين والاعتداءات التي تنفذ من السلطات وكذلك من المستوطنين، فإن الخطط لتكريس الاحتلال الإسرائيلي للقدس ونسف الآمال العربية فيها، تصطدم بواقع مختلف على الأرض. ووحدة المدينة مصطنعة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.