مسيرة العودة... مشاهد من الحلم الفلسطيني على حدود قطاع غزة

تبلغ ذروتها في ذكرى «النكبة»

أحد المخيمات في مسيرة العودة قرب حدود قطاع غزة («الشرق الأوسط»)
أحد المخيمات في مسيرة العودة قرب حدود قطاع غزة («الشرق الأوسط»)
TT

مسيرة العودة... مشاهد من الحلم الفلسطيني على حدود قطاع غزة

أحد المخيمات في مسيرة العودة قرب حدود قطاع غزة («الشرق الأوسط»)
أحد المخيمات في مسيرة العودة قرب حدود قطاع غزة («الشرق الأوسط»)

ستة أسابيع مرت على انطلاق فعاليات مسيرة العودة الفلسطينية التي انطلقت من قطاع غزة في ذكرى يوم الأرض 30 مارس (آذار) تجاه الحد الفاصل بينَ القطاع والأراضي المُحتلة، راحَ ضحيتها 47 شهيداً و8536 مصاباً، بين الرصاص الحي والمتفجر والاختناق بالغاز.
وأعادت المسيرة تصدير قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى واجهة المعادلة السياسية الدولية، في حين يتوقع أن تبلغ ذروتها في ذكرى النكبة الفلسطينية في الخامس عشر من مايو (أيار) الحالي.

الناشط أحمد أبو رتيمة، أحد أبرز الداعين للمسيرة التي دعمتها الفصائل الفلسطينية وسياسيون ومستقلون، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن الأحداث تدحرجت من السلمية الكاملة من طرف المشاركين إلى حمل الحجارة وإشعال الإطارات الفارغة بعدَ قنص الاحتلال لخمسة عشر مواطناً أردتهم الرصاصات قتلى فوراً في اليوم الأول من المسيرة.
وتابع أبو رتيمة: «وزعنا ثمانية مخيمات على طول المنطقة الأمنية الفاصلة بين غزة والأراضي المحتلة شرق القطاع، من جنوبه حتى شماله، ونصب عدد من اللاجئين خيماً خاصة حملت أسماء قُراهم الأصلية، وأحيوا ليالي غنائية واستعراضية شاركت فيها فرق دبكة شعبية ودحية بدوية، بالإضافة إلى معارض الصور وورش الرسم التي شهدتها المسيرة، ناهيك عن فعاليات نفذها اللاجئون كطبخ المفتول، وهي أكلة شعبية تُصنع من الدقيق، وخَبز الصاج، وإقامة بعض حفلات الزفاف في خيم المسيرة، وتأليف أغنيات خاصة بفعالياتها كذلك».
في الخامس عشر من مايو، سيقرر «الميدان» الشكل الجديد للمسيرة، فاللاجئ هو من يحدد إما يجتاح السياج الأمني الفاصل ويحقق العودة الفعلية، أو يواصل تواجده على نقاط التماس مع الاحتلال، هذا ما صرح به أبو رتيمة، ملخصاً رأي اللجنة التحضيرية للمسيرة والممثلة بشخصيات من فصائل فلسطينية ومستقلين.
رغم حرص اللاجئ الفلسطيني على تأكيد تمسكه بحق العودة عبر فعاليات عكست حبه للحياة، فإن الموت بالرصاص الإسرائيلي كان حاضراً، وتدرج استخدام الاحتلال للرصاص الحي والرصاص المتفجر جمعة بعد أخرى.

ويقول مدير مستشفى الجراحة في مستشفى الشفاء الطبي، الدكتور مروان أبو سعدة، إنه كان من الصعب إسعاف ضحايا المظاهرات، إذ إن الرصاص خلَّف شظايا مزقت أجسادهم من الداخل. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «أكثر العمليات التي أجريناها في أحداث مسيرة العودة كانت جراحات الأوعية الدموية والعظام؛ إذ إن أغلب الإصابات في الأطراف، والرصاص المتفجر مزق الأجزاء المصابة من أجساد الضحايا؛ مما اضطرنا إلى طلب أطباء دوليين في جراحة العظام والأوعية الدموية والقلب والدماغ».
وتابع أبو سعدة: «استنفذت مستشفيات القطاع مخزون أدوية الطوارئ ومستلزمات العمليات الجراحية، وأجّلنا العمليات الجراحية المُجدولة بسبب الارتفاع المستمر في عدد الضحايا، شهداء ومصابين، ونتوقع أن يرتفع عدد الضحايا أكثر في الأيام المقبلة».
وفي مشاهدات سريعة على طول الخط الشرقي للقطاع، تختلف حدة المشاهد على مدار الأسبوع، ففي أيام السبت وحتى الأربعاء تنشط الفعاليات الفنية والثقافية ودوريات كرة القدم والطائرة، وفي أيام الجمعة تنتشر الطواقم الطبية وتكثر الإسعافات وفرق الدفاع المدني، ويعبق الجو بدخان قنابل الغاز الإسرائيلية ودخان الإطارات المحروقة التي لجأ لها الفلسطينيون لتشكل حاجزاً يمنع الرؤية عن قناصة الاحتلال، ويخفف عدد الضحايا.
بعض الكوميديا صاحبت جمعة «حرق الكاوشوك» – الإطارات الفارغة - إذ غنى الشباب له «أحرق عَجَل الكاوشوك في وجه اللي احتلوك»، وعيّنَ المشاركون في المسيرة ناطقاً مُلثماً باسم «وحدة الكاوشوك» في خيم العودة بمحافظة رفح جنوب قطاع غزة.
الممثل الكوميدي حسام خلف والذي أحيى حفلاتٍ غنائية قال لـ«الشرق الأوسط»: «غزة شبعت دراما وحزناً، وتلكَ الضحكات البسيطة المتقطعة التي أسمعها عندما ننظم سهرة غنائية نُبدل فيها كلمات الأغاني المشهورة بأخرى تتماشى مع الوضع في غزة، ونلقي النكات أو نمثل دور مقدمي برامج إخبارية، هي أقصى ما يمكننا تحقيقه لنتجاوز عن الألم بفقدان الأحبة والأصدقاء الشهداء كل جمعة».
شرق محافظة غزة، بالتحديد في موقع «مَلكة» الذي أقيمت فيه خيمة العودة الرئيسية كان المهرج علاء مقداد (34 عاماً) ينفذ الفقرات الضاحكة للأطفال المشاركين، ويقول: «أنا أحترف صناعة البسمة، هذه هي مهمتي، وأظن أن الصغار هم من يحتاجون إليها لتخفف عنهم الألم النفسي الذي يصيبهم بعدَ ارتقاء كل شهيد».
«عمو علوش» كما يعرفه الصغار كان حريصاً على نشر صور الأطفال وهم يضحكون معه، وقال: «يجب أن تتصدر هذه الصور للعالم، الابتسامة والضحكة رأس مالنا، ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا».

وفي ستة أيام جمعة على الخط الشرقي للقطاع، كانت قنابل الغاز تُطلق بالعشرات في الساعة الواحدة، تسببت باختناق عددٍ كبيرٍ من المشاركين، منهم مراسلون تلفزيونيون سقطوا على الهواء مباشرة مغشياً عليهم، ومنهم مواطنون ألقى الاحتلال القنابل على أجسامهم فتسببت في حروقٍ من الدرجة الثانية.
المصور الصحافي لوكالة «هلا» فلسطين هاشم حمادة أصيب بقنبلة غاز في مقدمة رأسه أثناء تغطيته للأحداث، تسببت الإصابة المباشرة بجرحٍ في الجبهة وحرقٍ من الدرجة الثانية، وقال: إن الأطباء رجّحوا أن القنبلة كانت موجهة نحوه؛ لأن إصابتها في الرأس دقيقة ومباشرة.
من جانبها، قالت: «الهيئة العليا لمسيرات العودة» في بيانات مقتضبة نشرتها على صفحتها على «فيسبوك» إن اللاجئين الفلسطينيين من غزة ماضون في مسيرتهم لما بعد الخامس عشر من مايو، متوقعة أن تكون المشاركة مليونية، غير أن لا أحد يعرف ما ستؤول إليه الأحداث، فهل سيجازف اللاجئون ويقتحمون السياج الأمني باتجاه الأراضي المحتلة غير آبهين برصاصات الاحتلال... أم أن جمود المشهد السياسي سيشل حركة اللاجئين، ويُخفت وهج حماسهم؟

* من مبادرة «المراسل العربي»... لإرسال القصص الصحافية راسلونا على [email protected]



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.