«حزب الله» و«حركة أمل» يحتكران التمثيل البرلماني لشيعة لبنان

تقسيم الدوائر في القانون الانتخابي الجديد صبّ في مصلحة الثنائي الشيعي

اللائحة الانتخابية لحركة «أمل» بقرية كفر كلا قرب الحدود اللبنانية مع إسرائيل (أ.ف.ب)
اللائحة الانتخابية لحركة «أمل» بقرية كفر كلا قرب الحدود اللبنانية مع إسرائيل (أ.ف.ب)
TT

«حزب الله» و«حركة أمل» يحتكران التمثيل البرلماني لشيعة لبنان

اللائحة الانتخابية لحركة «أمل» بقرية كفر كلا قرب الحدود اللبنانية مع إسرائيل (أ.ف.ب)
اللائحة الانتخابية لحركة «أمل» بقرية كفر كلا قرب الحدود اللبنانية مع إسرائيل (أ.ف.ب)

تمكّن الثنائي الشيعي المتمثل في «حزب الله» و«حركة أمل» نتيجة الانتخابات النيابية الأخيرة، من احتكار التمثيل البرلماني لشيعة لبنان، بعد حصده 26 مقعدا نيابيا من أصل 27 مخصصة للطائفة الشيعية، وتوجه مصطفى الحسيني، النائب الشيعي الوحيد الذي فاز من خارج لوائح الثنائي للانضمام إليه بعد زيارته مؤخرا رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
ويكون الثنائي بذلك استعاد عددا من المقاعد التي كان يشغلها نواب شيعة مقربون من «تيار المستقبل»، وأحكم قبضته على التمثيل الشيعي مقابل إرساء هذه الانتخابات مبدأ «التعدد» في قيادات المجتمعين المسيحي والسنّي على حد سواء.
ولم ينجح معارضو الثنائي الشيعة في تحقيق أي نتيجة تُذكر في الدوائر حيث الأكثرية الشيعية وبالتحديد في الدائرتين الثانية والثالثة في الجنوب كما في الدائرة الثالثة في البقاع، واقتصرت الخروقات على مقعدين؛ الأول مسيحي والآخر سنّي. وانقسمت المعارضة في «الجنوب الثالثة» على 5 لوائح؛ الأمر الذي سهّل فوز لائحة «(أمل) - (حزب الله)»، علماً بأن إحدى اللوائح أمنت 17 ألف صوت من أصل 21 ألف صوت كانت تحتاجها لتحقيق خرق واحد، في وقت لم تتمكن فيه اللائحة الوحيدة التي تصدت للائحة الثنائي في «الجنوب الثانية»، أيضا، من تأمين الحاصل الانتخابي.
وعدّ الباحث في «الدولية للمعلومات» الخبير الانتخابي محمد شمس الدين أن تقسيم الدوائر الانتخابية في القانون الجديد، «صب وبشكل واضح في مصلحة الثنائي الشيعي بحيث تضم الدوائر الـ3 السابق ذكرها 80 في المائة من الشيعة، مما جعل النظام النسبي دون تأثير يُذكر»، معتبرا أنه «لو تكتلت قوى المعارضة في (الجنوب الثالثة)، لكانت نجحت، أقله بإحداث خرق بمقعد واحد، لأن النتائج تبين أنها كانت قادرة لو اجتمعت، في تأمين الحاصل». وأشار شمس الدين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن نسب الاقتراع في هذه الدوائر فاقت بقليل الخمسين في المائة وكانت أعلى في البقاع منها في الجنوب، لأن «الثنائي» لم يكن يشعر بأي خطر عليه، بعكس ما كانت عليه الحال في دائرة بعلبك - الهرمل.
وتختلف الأسباب التي يطرحها معارضو «(أمل) - (حزب الله)» لاحتكارهما تمثيل الطائفة الشيعية رغم كل ما حكي في السنوات الماضية عن انقسام وتململ شعبي أثّر على شعبية «حزب الله»، بشكل خاص بعد دخوله إلى الحرب السورية. وعدّ معارضون أن نتائج الانتخابات أظهرت أن انخراط الحزب بالصراع السوري انعكس على مؤيديه من طوائف أخرى وليس بشكل مركّز على أبناء الطائفة الشيعية. ودعا رئيس مركز «أمم للأبحاث» لقمان سليم إلى «عدم التلهي بالحديث عن أسباب متعلقة بالمرحلة الحالية التي لا شك في أن لها أثرها على نتائج المعركة الانتخابية، كسطوة السلاح وسيطرة الثنائي على مفاصل الدولة»، مشددا على وجوب «قراءة المشهد عن بُعد؛ وبالتحديد من زاوية اختراق إيران للبنان من خلال الطائفة الشيعية منذ مطلع الثمانينات»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «إذا ما قارنا حجم الجهود التي بُذلت للتصدي لهذا الخرق، بالعمل المتواصل والدؤوب والحثيث والتفصيلي الإيراني من خلال (حزب الله) وأدوات أخرى، كرئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يشكل الوجه الجميل والمحترم للثنائي والذي يمكن الحوار معه، يتبين لنا وبوضوح، السبب الفعلي لنتائج الانتخابات الأخيرة».
ورأى سليم أنه «من السذاجة أن يُدهش المرء من النتائج المحققة واستحواذ الثنائي على كامل الحصة الشيعية، باعتبار أن المقاعد الشيعية التي لم تكن من حصته في الأعوام الماضية كان يتم التفاوض عليها بإطار صفقات، آخرها تسوية الدوحة». وأضاف: «لا شك في أن النتائج مخيبة، لكنها متوقعة، لأنه لم تكن هناك أي مقدمات لأي خرق، وبالتالي فإن المطلوب إذا كنا نريد حقيقة تغيير هذا الواقع في الدورات المقبلة، أن ننكب على نقد ذاتي صريح، فلا نختبئ وراء تفسيرات جزئية».
أما المعارض لـ«حزب الله» علي الأمين الذي خاض الانتخابات عن دائرة «الجنوب الثالثة»، واعتدى عليه مناصرو «حزب الله» قبل أيام من الاستحقاق النيابي خلال إقدامه على تعليق صوره في إحدى بلدات الجنوب، فأصر على اعتبار أنه «لم تكن هناك عملية انتخابية ديمقراطية في المناطق ذات الغالبية الشيعية، بعكس ما كانت عليه الحال في المناطق المسيحية والسنّية»، مشددا على «غياب الحد الأدنى من المساواة بين المرشحين في ظل سطوة السلاح، وعمليات الابتزاز والضغط، كما استباحة مراكز الاقتراع». وأضاف الأمين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «التصدي للواقع الحالي يبدأ من خلال بحث موضوع الاستراتيجية الدفاعية بجدية، لأن الأمر ليس مرتبطا بالمجتمع الشيعي فقط؛ بل بوضع البلد ككل»، متسائلا: «أي منافسة ديمقراطية تستقيم في بلد فيه ثنائية سلطة وحيث الدويلة تسيطر على الدولة؟!».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.