بلفاست... مدينة تتأرجح بين تاريخ مضطرب وحاضر غني

فيها يكتشف السائح أماكن تصوير السلسلة التلفزيونية «لعبة العروش» وبناء سفينة «تيتانيك» الأسطورية

بلفاست... مدينة تتأرجح بين تاريخ مضطرب وحاضر غني
TT
20

بلفاست... مدينة تتأرجح بين تاريخ مضطرب وحاضر غني

بلفاست... مدينة تتأرجح بين تاريخ مضطرب وحاضر غني

كانت مدينة بلفاست، عاصمة آيرلندا الشمالية، منذ عشرين عاماً مرتبطة في الأذهان بأحد أكثر الصراعات الأهلية دموية في تاريخ أوروبا الحديث، حيث تم اقتسام المنطقة بين القوميين، الذين كانوا يرغبون في إقامة دولة آيرلندا الموحدة، والموالين الذين كانوا يرغبون في البقاء كجزء من المملكة المتحدة. ترك هذا الصراع بصمته على المدينة، لكن بعد إبرام اتفاق السلام، الذي يُعرف باسم اتفاق بلفاست أو اتفاق الجمعة العظيمة، شهدت المدينة تحولا كبيراً، وارتدت ثوباً جديداً لتدخل حقبة تكتشف خلالها كنوزا كانت مخبأة ومختفية نتيجة «الاضطرابات» كما يشار إلى الصراع.
تشتهر بلفاست بريادتها في مجال بناء السفن لأكثر من قرن. وما لا تعلمه على الأرجح أنها المدينة التي تم فيها بناء السفينة الأسطورية «تيتانيك»؛ ويوجد حتى اليوم عشرات الأماكن التي تحتفي بتلك السفينة، التي اصطدمت في عام 1912 بجبل جليدي وغرقت خلال رحلتها الأولى في المحيط الأطلسي. ويوجد في منطقة تُعرف باسم حي «تيتانيك» بالمدينة نصب تذكاري لأرواح ضحايا تلك المأساة.
غني عن القول أن هناك متحفا خاصا بالسفينة تشعر عند دخولك له بضخامته وبأنك أحد المسافرين على متنها، وبالتالي ستعيش تجربة فريدة تعيد إلى الحياة تاريخ ما كانت يوماً ما أكبر سفينة ركاب تم بناؤها، ورحلتها الأولى والأخيرة التي يلفّها السحر. يبلغ سعر تذكرة الدخول 25 دولارا.
هناك تذكارات ونماذج مصغرة من كل شيء تقريباً، ويمكن للزائر إدراك الفرق بين مقصورات الدرجة الأولى الفخمة الأصلية، والدرجة الثانية، والدرجة الاقتصادية في السفينة؛ بل هناك أيضا نموذج لقائمة طعام ركاب الدرجة الأولى والتي يعود تاريخها إلى أبريل (نيسان) 1912. يتضمن المتحف كافة التفاصيل المتعلقة بالسفينة، ففي إحدى الغرف يشعر الزائر بحركة البحر، فسواء كنت واقفاً أو جالساً، تتحرك الأرض من تحتك. كذلك سوف تجد هنا نسخا من آخر الرسائل المتبادلة بين طاقم السفينة والأشخاص المسؤولين عن سلامة الرحلة. بعد قراءتها تُدرك مدى تعاسة لحظات الغرق الأخيرة. في نهاية الجولة سوف تجد ملصقات لنسخ مختلفة من هذه المأساة الحقيقية، أهمها تلك التي تم تخليدها في الفيلم الذي قام ببطولته كل من ليوناردو دي كابريو وكيت وينسلت، وبالطبع في الخلفية أغنية «قلبي سيواصل النبض» للمطربة سيلين ديون.
الملاحظ أن لا أحد يُفوت على نفسه التقاط صورة ذاتية على خلفية المتحف الذي تم بناؤه على شكل ركن من أركان السفينة، ليلمع في الليل بفضل ألوانه الفضية والذهبية. ويعد المبنى ذاته رمزاً لعملية تجديد على نطاق واسع للمدينة.
ديكور لعبة العروش
لعشاق السلسلة التلفزيونية الشهيرة «لعبة العروش» فإن الاستوديوهات التي تم تصويرها فيها توجد في آيرلندا الشمالية. الزائر إليها سيكتشف كم المؤثرات الخاصة والمُطورة هنا، وكان لها فضل كبير في انتشار وشهرة المسلسل. وقد وصف أحد المشتركين جولة يتم تنظيمها تحت اسم «لعبة العروش» بأنها سريالية. كذلك يمكن للسياح القيام برحلات سياحية للتعرف على الكثير من المواقع التي ظهرت في المسلسل وتجسد الريف الآيرلندي. إلى جانب مواقع التصوير، توجد في استوديوهات «تيتانيك فيلم» أجزاء شهيرة من الديكورات المستخدمة في المسلسل مثل العرش الحديدي.
صورة على جدران السلام
من هنا ستأخذك الرحلة إلى جدار هائل يفصل هذا الجزء من المدينة عن بلفاست الشرقية، في مشهد صادم يمثل جدرانا لا تزال شاهدة على الصراع الذي كان بين الكاثوليك والبروتستانت بعد مرور عشرين عاماً على الاتفاق الذي أرسى السلام في آيرلندا الشمالية. الآن أصبحت واحدة من أهم وأشهر الوجهات التي يقصدها السياح، إلى حد أن بعض أنصار «الاضطرابات» يُنظمون جولات يومية، يطلق عليها الـ«جولة السياسة». لكن لا بد من الإشارة إلى أن الكثير من السائحين يفضلون الاستعانة بسائق سيارة أجرة ليشرح لهم كيف كان الحال أثناء الصراع.
الجولة السياسية هي عبارة عن السير لمدة ثلاث ساعات في أحياء القوميين ومؤيدي الوحدة. تنقسم الجولة إلى قسمين لكل منهما مرشد خاص؛ حيث يصطحب جندي سابق في الجيش الجمهوري الآيرلندي الزائرين في مناطق القوميين، وعندما تصل إلى مناطق الموالين، يتولى مرشد آخر المهمة. يمكن رؤية آثار الصراع على جانبي الجدار، وعادة ما تتجلى في جداريات ملونة لشعارات ورسائل سياسية. تبلغ قيمة الاشتراك في الجولة 25 دولارا.

المطاعم
المأكولات البحرية هي الأطباق المفضلة في المدينة نظرا لموقعها المطل على الميناء. فمن المسلّم به أن تجد مأكولات بحرية طازجة لذيذة في المطاعم الكثيرة المنتشرة هنا، مثل السلمون الذي يقدم بطرق مختلفة ويستمد الكثير من نكهته من كونه طازجا وطريا. من المطاعم الشهيرة مطعم «جيمس ستريت ساوث» نظرا لموقعه المناسب للغاية إذا كنت تتجول وسط البلد، علما بأن الطاهي ديفيد غيلمور هو من يتولى إدارة المطعم. يقع المطعم في 21 شارع جيمس إس، بي تي 2، 7 جي إيه.
توجد في بلفاست أيضاً مطاعم حاصلة على نجمتي ميشلان تقدم أصنافاً من الطعام تجمع بين النكهات المحلية والعالمية مثل مطعم «أوكس» في 1 شارع أكسفورد، بي تي 1، 3 إل إيه، و«إيبيك» في 28 - 40، بي تي 1، 6 بي إف.
34 فندقا
يوجد في بلفاست حالياً أربعة وثلاثون فندقاً، يحمل بعضها أسماء عالمية شهيرة مثل «راديسون» و«كراون» وغيرها. كلها تقدم خدمات وتجارب مميزة، بدءا من فندق «ستورمونت»، الذي يقع في منطقة مثيرة للاهتمام في المدينة، حيث تبعد خمس دقائق سيراً على الأقدام عن مبنى «برلمان ستورمونت»، مقرّ برلمان آيرلندا الشمالية. إلى جانب كونه مكاناً تاريخياً، تحيط به المساحات الخضراء، تعتبر مقصداً لمحبي السير في المساء وعطلات نهاية الأسبوع، يقدم الفندق إطلالات رائعة من الغرف على المتنزه الذي يجعلك تشعر بالاسترخاء والسلام. المطعم الرئيسي به هو «لا سكالا بريتو»، وهو متخصص في تقديم أصناف الطعام الأوروبية. عنوان الفندق هو 587 آبر نيوتاونردز، بلفاست، بي تي 4، 3 إل بي. كذلك يشغل فندق «راديسون بلو هوتيل» موقعاً متميزاً، حيث يوجد في قلب المدينة، وعنوانه 3 كروميس بليس، أورميا رود، بي تي 7، 2 جيه بي.
إذا كنت ترغب في الإقامة بالقرب من متحف تيتانيك، يمكنك الحجز في فندق «تيتانيك بلفاست» الذي يقع على بعد ثلاث دقائق سيراً على الأقدام. يجمع الفندق بين الطابع العصري الحديث والكلاسيكي؛ وكما يشير اسمه، تم بناؤه تخليداً لذكرى السفينة الغارقة، ويضم صوراً بالأبيض والأسود للرحلة الشهيرة. في وسط الفندق توجد شرفة يتوسطها مطعم.



أعمال الدراما تحول لبنان إلى قرية سياحية كبيرة

مشهد من مسلسل "للموت" التقط في اهدن (إنستغرام)
مشهد من مسلسل "للموت" التقط في اهدن (إنستغرام)
TT
20

أعمال الدراما تحول لبنان إلى قرية سياحية كبيرة

مشهد من مسلسل "للموت" التقط في اهدن (إنستغرام)
مشهد من مسلسل "للموت" التقط في اهدن (إنستغرام)

يهتم متابعو أعمال الدراما بأماكن تصوير المشاهد، وعادة ما يطرح هذا السؤال على أبطال المسلسل عبر الـ«سوشيال ميديا»، وأحياناً يشير إليها منتج العمل أو مخرجه في سياق إطلالاتهم الإعلامية.

وفي السنوات الأخيرة، وبسبب كثافة تصوير هذه الأعمال في لبنان، تحوّل إلى قرية سياحية كبيرة، من شماله إلى جنوبه.

وتطول لائحة الأعمال الدرامية التي اختارت شارعاً أو بلدة معينة للتصوير فيها. في السنوات القليلة الماضية حطّت كاميرا مخرجين عدة في جبال لبنان. فمسلسل «ثورة الفلاحين» اختار مخرجه فيليب أسمر «قصر سرحال» في جزين ليشهد على أحداثه. فيما ارتأى مخرج مسلسل «روبي» رامي حنا منطقة الأشرفية ليصور فيها مشاهد حي شعبي ألا وهو «كرم الزيتون».

قصر سرحال في جزين قبل وبعد مسلسل "ثورة الفلاحين" (إنستغرام)
قصر سرحال في جزين قبل وبعد مسلسل "ثورة الفلاحين" (إنستغرام)

من ناحيته، اختار المخرج جو بو عيد تصوير غالبية مشاهد مسلسل «صالون زهرة» في بيروت. وبالتحديد في شارع مار مخايل العريق. بينما دارت كاميرا مخرجة مسلسل «تغيير جو» مريم أبو عوف، في منطقة بدارو، البيروتية أيضاً.

وتنقلت كاميرا مخرجين آخرين في عدد من مناطق لبنان، بينها إهدن ودوما وغيرها. وكان أحدثها في البترون التي احتضنت تصوير مسلسل «بالدم». وتحول أحد أزقتها القديمة كما مرفأها عنواناً سياحياً. فراح يقصدها اللبنانيون ليستكشفوا بيوت أبطاله ومن بينهم روميو وجانيت.

إهدن ومسلسل «للموت»

تعدّ بلدة إهدن في شمال لبنان واحدة من أجمل المواقع التصويرية الطبيعية. وقد اختارها مخرج مسلسل «للموت» فيليب أسمر لتنفيذه فيها. تنقّل بين عدد من مواقعها الطبيعية في فصل الشتاء المغمورة بالثلج. وكذلك استأجرت الشركة المنتجة للعمل منازل فخمة لتحتضن أبطال عملها في مشاهد شيقة.

تقع بلدة إهدن في قضاء زغرتا شمال لبنان. وترتفع نحو 1500 متر عن سطح الأرض. وفي طقسها البارد دارت كاميرا أسمر لتصوّر أبطال العمل من ماغي بو غصن ودانييلا رحمة ومحمد الأحمد في درجات حرارة تحت الصفر. يومها تساءل المشاهد أين تم تصوير هذا العمل؟ سيما وأن المنطقة بدت رائعة بتضاريسها الطبيعية. فردّت ماغي بو غصن معلنة بأنها بلدة إهدن. وكتبت عبر حسابها على تطبيق «إكس»: «كثيرون تساءلوا عن موقع تصوير (للموت). فقد لفتتهم البيوت والمشاهد الخارجية التي تم التصوير فيها. وأجيبهم بكل فخر أن التصوير تم في لبنان وبالتحديد في بلدة إهدن. وكذلك في مناطق أخرى في الجنوب. فبلدنا جميل جدّاً، وما ينقصنا هو تقديره من قبل حكّامه».

وتشتهر إهدن بازدهار السياحة البيئية والدينية فيها. ومحمية حرج إهدن من أهم المحميات والمعالم البيئية في المنطقة. وتبلغ مساحتها 1000 هكتار وتمتاز بالتنوع البيولوجي، وكذلك بالتنوع الحيواني الذي يشمل الزواحف والطيور والبرمائيات.

"صالون زهرة" تم تصويره في شارع مار مخايل (إنستغرام)
"صالون زهرة" تم تصويره في شارع مار مخايل (إنستغرام)

شارع مار مخايل يحب الكاميرا

من أشهر الأماكن السياحية في العاصمة بيروت شارع مار مخايل. يتفرّع منه عدة أحياء وهو موازٍ لشارع الجميزة الشهير. يقصده زواره لتمضية أحلى السهرات، وكذلك لتناول أشهى الأكلات في مطاعم تتوزع فيه. اختار المخرج جو بو عيد واحداً من متفرعات مار مخايل، ليصور فيه مشاهد مسلسل «صالون زهرة». وتمّ تجهيز الشارع بشكل كامل ليتناسب مع أجواء المسلسل الجريء على مستوى الطرح والمعالجة. وجرى استحداث «صالون زهرة» لتصفيف شعر النساء والعناية بجمالهن. وترك بو عيد ديكورات الشارع كما هي كي يضفي الواقعية على العمل. وكانت الناس تتجمع في الشارع ليلاً للوقوف على أحداثه التي تصور مباشرة من هناك. وصار فيما بعد هذا المكان مقصوداً من قبل الصغار والكبار، يلتقطون الصور التذكارية إلى جانب الصالون. وإذا ما حالفهم الحظ ووجد أبطال العمل هناك، كانوا يتجمعون لأخذ صورة «سيلفي» مع أحد منهم.

مطعم جانيت من مسلسل "بالدم" في البترون بعد انتهاء التصوير (إنستغرام)
مطعم جانيت من مسلسل "بالدم" في البترون بعد انتهاء التصوير (إنستغرام)

دوما احتضنت فيلم «هلّأ لوين»

اختارت مخرجة فيلم «هلّأ لوين» نادين لبكي عدة مناطق لبنانية كمواقع تصوير لفيلمها «هلأ لوين»، من بينها بلدة الطيبة قرب بعلبك كون جامع القرية يقف جنباً لجنب كنيستها. كذلك تم التصوير في كل من قرية مشمش ودوما. وشكّلت هذه الأخيرة محط أنظار اللبنانيين. وصاروا يقصدونها للتمتع بطبيعتها والتفرّج على أسواقها القديمة، حيث دارت كاميرا لبكي. وفي ممر جانبي من السوق أغلقته لبكي وملأته بالحجارة. استخدمت دكاناً قديماً وحوّلته إلى مخبز. وغنى فيه الممثلون تلك الأغنية المشهورة في الفيلم (حشيشة قلبي). وفي مقهى مجاور تم التصوير أيضاً، ليؤدي فيه أبطال الفيلم معظم مشاهدهم. وكان سبق لبكي إلى هناك الرحابنة عندما اختاروا البلدة نفسها لتصوير فيلم «سفر برلك» في عام 1965.

«ثورة الفلاحين» وقصر سرحال

في مسلسل «ثورة الفلاحين» لم يلاق مخرجه فيليب أسمر أفضل من «قصر سرحال» ليحتضن أحداث العمل التاريخية. هذا القصر الذي يعود إلى الطبيب الجنوبي المشهور الراحل فريد سرحال يقع في بلدة جزين. وكان يشكّل مقصداً للسيّاح العرب والأجانب في سنوات ماضية. فهو بمثابة متحف لما يتضمن من قطع أثرية ومشهدية معمارية خلّابة. وأمضى الطبيب المذكور نحو 30 عاماً وهو يبنيه وقد طغى عليه الفن الإسلامي، فازدانت قاعاته بالأشعار العربية والمنمنمات اليدوية. ومن أجل هذا المتحف زار الطبيب سرحال الشرق الإسلامي كله، واشترى الكثير من الأنتيكا والأثاث. ومن منطقة البسطة في بيروت اشترى الأراكيل والأثاث القديم، وزار أوروبا الشرقية والهند والشام وسوريا ومصر. وجلب منها «الأوبالين» والخشبيات من تركيا. أما السجاد العجمي والنحاسيات فحملها من طهران. واختار الحجر الأزرق من أفغانستان، والأحمر من الهند، كي يزود بيته بمشهدية معمارية تخرج عن المألوف.

واضطر أسمر أن يبدّل في حالة القصر المهجور منذ سنوات طويلة والفارغ من أثاثه فأعاده إلى الحياة على طريقته مستحدثاً فيه ديكورات تناسب المسلسل.