منتدى الرياض الاقتصادي ينطلق بأربع مبادرات تحد من الفساد الإداري والمالي في السعودية

نيابة عن خادم الحرمين.. أمير منطقة الرياض يفتتح الفعاليات ويؤكد تفعيل دور القطاع الخاص في المجتمع

أمير منطقة الرياض خالد بن بندر يتصفح جريدة «الشرق الأوسط» في صالة العرض المصاحبة للمنتدى (تصوير: إقبال حسين)
حضور غفير من المسؤولين ورجال الأعمال في افتتاح منتدى الرياض (تصوير: إقبال حسين)
أمير منطقة الرياض خالد بن بندر يتصفح جريدة «الشرق الأوسط» في صالة العرض المصاحبة للمنتدى (تصوير: إقبال حسين) حضور غفير من المسؤولين ورجال الأعمال في افتتاح منتدى الرياض (تصوير: إقبال حسين)
TT

منتدى الرياض الاقتصادي ينطلق بأربع مبادرات تحد من الفساد الإداري والمالي في السعودية

أمير منطقة الرياض خالد بن بندر يتصفح جريدة «الشرق الأوسط» في صالة العرض المصاحبة للمنتدى (تصوير: إقبال حسين)
حضور غفير من المسؤولين ورجال الأعمال في افتتاح منتدى الرياض (تصوير: إقبال حسين)
أمير منطقة الرياض خالد بن بندر يتصفح جريدة «الشرق الأوسط» في صالة العرض المصاحبة للمنتدى (تصوير: إقبال حسين) حضور غفير من المسؤولين ورجال الأعمال في افتتاح منتدى الرياض (تصوير: إقبال حسين)

وسط تأكيدات بأن توصياته تشمل كافة مناطق السعودية، انطلق منتدى الرياض الاقتصادي في العاصمة السعودية بالإعلان عن أربع مبادرات يمكنها أن تحد من مستوى الفساد الإداري والمالي، مطالبا في الوقت ذاته بربط أجهزة مكافحة الفساد في المملكة بخادم الحرمين الشريفين مباشرة وليس الأجهزة التنفيذية في الدولة، مما يمكنها من أداء عملها بفعالية.
وافتتح نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الأمير خالد بن بندر، أمير منطقة الرياض، منتدى الرياض الاقتصادي، مؤكدا أن رعاية خادم الحرمين ورئيس المجلس الاقتصادي الأعلى لهذا المنتدى يجسد دعم الأعمال والأنشطة لهذا التجمع، كما يجسد دعم الدولة لمؤسسات القطاع الخاص وتفعيل دورها في المجتمع من أجل المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية خاصة.
وقال الأمير خالد بن بندر: ان المنتدى ينعقد في ظل نمو اقتصادي متسارع واكبته اصلاحات شاملة شهدتها السعودية في عهد خادم الحرمين، لافتا إلى الدعم الكبير الذي يلقاه المنتدى من ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز، ناقلا تحياتهما وتمنياتهما بالتوفيق لهذا المنتدى.
وامتدح الأمير خالد موضوعات المنتدى، حيث أكد أنه بالنظر إلى القضايا التي أثارها يلاحظ اختيار القضايا الاستراتيجية المهمة وتفرد أسلوبه في الإعداد لها، متطلعا أن يسفر عن توصيات مثمرة وعملية تساهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني إلى الأمام بما ينعكس على الوطن ومواطنيه بالخير والرقي والتقدم.
من جانيه، أكد المهندس سعد المعجل، رئيس مجلس أمناء المنتدى، أن الدراسات والأبحاث والقضايا المطروحة شملت أكبر قدر ممكن من المختصين والعاملين في المجال ضم أكثر من 700 شخصية مشاركة، مشددا بالقول: "وإن كان المنتدى يحمل اسم الرياض، إلا أنه يعمل من أجل النهوض بكافة مناطق المملكة، حيث أن الهدف هو استطلاع مرئيات المختصين وأصحاب الرأي حول الظواهر التي تشغل الرأي العام واقتراح سبل علاجها وليس الهدف هو تقليل من أداء شخص بعينه أو جهة معينة، وإنما الهدف أكبر من ذلك بكثير وهو مصلحة الاقتصاد الوطني ورفاهية المواطن".
وبين المعجل أن القضايا المطروحة لا تخص السعودية وحدها، بل ان المطلع على التقارير العالمية يعرف أن هذه القضايا تعاني منها كافة الدول دون استثناء وليس وقفا على السعودية وحدها، مبينا أن المنتدى لا يعرض سوى ما هو موثق بالأدلة والبراهين.
وأضاف المعجل، في كلمة ألقاها اليوم أمام حضور المنتدى، أن مدينة الرياض تحتاج إلى إعادة تخطيط للأحياء القديمة، مؤكدا أن الأحياء العشوائية مراكز لانتشار الجريمة والمجرمين ومسببة لزعزعة الأمن، لذا لا بد من إعادة تخطيطها بيئيا وأمنيا، مشيرا إلى أن العاصمة تحتاج إلى شبكة عامة لتوزيع الغاز الجاف لجميع منازلها نظرا لخطورة أنابيب الغاز الحالية.
وقال المعجل: "إن مما يزيد المواطن انتماء وولاء للوطن وقيادته هو أن يجد المنزل الذي يضمه وعائلته، حيث أصبح الإسكان ضرورة قصوى"، مشيرا إلى أن الإسكان الميسر قد يكون حلا لذلك.
من جانبه، أكد عبد الرحمن الزامل، رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، أن المنتدى يهدف إلى صياغة التوصيات الناجعة لتضعها أمام صانع القرار لاتخاذ ما يراه مناسبا سعيا لرفع كفاءة اقتصادنا الوطني ومواجهة التحديات الاقتصادية العالمية وتعزيز الشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص، وبما يصب في قناة دعم هيكل الاقتصاد الوطني وتحسين آلياته والارتقاء والنهوض بالمجتمع.
وأوصت دارسة منتدى الرياض الاقتصادي حول الفساد التي انعقدت أمس وناقشها المنتدى في دورته السادسة والتي حملت عنوان "الفساد الإداري والمالي .. الواقع والآثار وسبل الحد منه"، بربط أجهزة مكافحة الفساد في المملكة بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مباشرة وليس الأجهزة التنفيذية في الدولة، مما يمكنها من أداء عملها بفعالية.
كما أوصت الدراسة بتعديل نظام مجلس الشورى ومنحه صلاحيات التحقيق والمساءلة، وسرعة البت في قضايا الفساد من خلال القضاء على بطء إجراءات التقاضي الذي يؤخر حسم القضايا.
ودعت توصيات الدارسة إلى إيجاد نظام متابعة ومراقبة محكم لتنفيذ المشروعات الحكومية، حيث يعد التلاعب في العقود الحكومية من أهم مظاهر الفساد في المملكة، خصوصاً في مشاريع المناطق الريفية وبناء المرافق العامة الكبيرة كالمطارات والسدود والطرق السريعة وعقود المعدات الكبيرة وغيرها، وهي المشاريع التي يكثر فيها الفساد.
وطالبت التوصيات بتطبيق الحكومة الإلكترونية في المناقصات الحكومية لإغلاق ثغرات ترسية المشاريع لغير مستحقيها، واستخدام مواقع الأجهزة الحكومية بالانترنت لتبسيط وتسهيل الإجراءات وتسجيلها بما لا يتيح للعنصر البشري التدخل، مما يقلل من فرص ممارسة الفساد، والتركيز على التعليم والتدريب على علوم تقنية المعلومات والاتصالات واستخداماتها باعتبارها من أهم الوسائل لتحقيق التنافسية العالمية، وتنظيم عملية بيع عقود الباطن وفق الشروط الملزمة.
وأكد المنتدى في جلسته أهمية توفير الحماية للمبلغين عن الفساد وتحفيزهم، من خلال سن القوانين التي توفر الحماية لهم وتشجع كل من يرى فساداً أن يقوم بالإبلاغ عنه، وإلزام الشركات بالتشريعات المحاسبية التي تمنع الرشوة، خصوصاً أن الرشوة تعد أحد أهم مظاهر الفساد المنتشرة في البلاد.
وحثت جلسة المنتدى على العمل على دعم النزاهة ومكافحة الفساد بإدخالها في المناهج التعليمية، ودعم كل الجهود لاستخدام وسائل تعليمية حديثة ومتجددة تناسب العصر وتهتم بمناهج التربية على القيم الإسلامية والتربية الوطنية في كل مراحل التعليم.
وأكدت أهمية دراسة مستوى تكلفة المعيشة المناسبة للمواطن الموظف بالأجهزة الحكومية بما يتناسب والعيشة الكريمة، خاصة مع ارتفاع الأسعار وبالتالي تكلفة المعيشة، مما يدفع بعض الناس إلى البحث عن مصادر للدخل قد تكون غير مشروعة وتصب في الفساد الإداري والمالي.
وشددت على أهمية بإيجاد مؤشر بيئة الأعمال لقياس بيئة الأعمال بالمناطق الإدارية في المملكة، وتفعيل دور الرقابة الداخلية في أجهزة الدولة باستكمال إنشاء وحدات الرقابة الداخلية التي من المقترح أن تتبع مباشرة رئيس ديوان المراقبة العامة.
وتضمنت توصيات منتدى الرياض الاقتصادي حول الفساد الإداري والمالي في المملكة المطالبة بعمل نموذج لقياس الفساد في السعودية، والتنسيق بين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وأجهزة مكافحة الفساد الأخرى، مشددة على عدم منح الاستثناءات والحصانات للمسؤولين إلا لتحقيق العدالة، وتفعيل التوعية والتثقيف للمواطنين بأشكال الفساد الأكثر انتشاراً، ومنها الرشوة والتزوير وسوء استخدام النفوذ والواسطة والمحسوبية، والعمل على تحقيق الشفافية والوضوح في المعاملات والمناقصات والمشتريات الحكومية.
وطرحت الدراسة أربع مبادرات وآليات لتنفيذها بهدف مكافحة الفساد والحد منه، أولها تحديث الأنظمة ذات العلاقة المباشرة بمكافحة الفساد ومواءمتها مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ويتم تنفيذ المبادرة من خلال دراسة عناصر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ودراسة كافة الأنظمة الجنائية المتصلة بجرائم الفساد واقتراح ما يلزم لتحديثها.
وتتعلق المبادرة الثانية بتعزيز دور مجلس الشورى وتفعيل دور أجهزة الرقابة الإدارية والمالية، من خلال منح مجلس الشورى الحق في مناقشة الحسابات الختامية للدولة والصناديق الاستثمارية ومشروع الموازنة العامة قبل إقرارها من مجلس الوزراء، علاوة على منحه صلاحية مساءلة الأجهزة الحكومية عن أدائها ومساءلة القيادات العليا، وتعزيز المكانة التنظيمية للأجهزة الرقابية وربطها إدارياً بالملك، ومنحها استقلالية من الأنظمة المالية والإدارية الحكومية وعدم إخضاعها لنظام الخدمة المدنية.
واقترحت المبادرة الثالثة إطلاق بوابة إلكترونية عامة لإطلاع المجتمع وتوفير المعلومات له عن كافة العقود والمشاريع الحكومية بتفاصيلها، ويتم تنفيذها عبر آليات تتضمن إنشاء بوابة إلكترونية بمواصفات عالية وتقسيمها بحسب الجهات الحكومية، ووضع تنظيم يبين المعلومات المطلوبة وكيفية إدراجها في البوابة، على أن يتم تحديث المعلومات بشكل شهري تحت مسؤولية رئيس الجهة القائمة على المشروع، وتتولى هيئة مكافحة الفساد مسؤولية متابعة استيفاء كافة الجهات الحكومية للمعلومات المطلوبة.
وتتعلق المبادرة الرابعة بتطوير أدوات اختيار القيادات الإدارية ومساءلتها، وتتضمن آلية تنفيذها إيجاد معايير دقيقة ومدروسة لاختيار تلك القيادات، وتفعيل دور مجلس الشورى في اختيار القيادات، وضرورة الربط بين التجديد للمسؤولين وبين أدائهم الوظيفي، وتفعيل إقرار الذمة المالية.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».