سيناريو إيران المفضل بعد انسحاب ترمب

أول صورة تتبادر للأذهان مما يقوله السياسيون الإيرانيون حول ردة فعل إيران في حال انسحاب أميركا من الاتفاق النووي، صورة قاتمة وعنيفة.
حذرت طهران من عواقب وخيمة تنتظر واشنطن، إذا ما انسحبت من الاتفاق النووي. ورَد التهديد على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف، المهمش هذه الأيام، كما أشار إليه مستشار المرشد الإيراني في الشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، الذي أصبح شخصية رئيسية في السياسة الخارجية. طبيعة العواقب لمح إليها رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية على أكبر صالحي بعودة إيران إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة في حال انهيار الاتفاق، ما يعني الخروج من الاتفاق. أما نائب قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي، فرفع سقف التهديدات الإيرانية بإعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي، والخروج من اتفاقية حظر الانتشار «إن بي تي». الصورة التي ترعب الكثير من السياسيين الغربيين.
كل هذا كلامٌ في إطار الشعارات. وما وراء هذا الصخب والصراخ الذي غايته زيادة حرارة المنافسة للحصول على مزيد من الامتيازات، يُعدُّ الإيرانيون أنفسهم لسيناريو يرجحون وقوعه أكثر من السيناريوهات الأخرى. يمكن رؤية ذلك عبر التحليلات التي تُنشر وتُناقش في مراكز الأبحاث الإيرانية. وفي تصريحات بعيدة عن صخب السياسيين الإيرانيين يمكن أن يرى المرء فيها بعضاً من الواقعية والتراجع في ظل الظروف الراهنة. يمكن رؤية ذلك، بوضوح أكثر في تصريحات ظريف؛ رمز الدبلوماسية في حكومة روحاني، الذي طبع اسمه على الاتفاق النووي. قبل أكثر من عشرة أيام، وخلال مشاوراته مع وزير الخارجية الياباني في بروكسل، قال إن «الاتفاق النووي يبقى متماسكاً حتى في حال انسحاب أميركا ولن تخرج إيران». إنه بالضبط ما أشار إليه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان خلال زيارته إلى طهران بداية مارس (آذار) الماضي. هذا السيناريو الأكثر احتمالاً للاتفاق النووي التي تُعد حكومة روحاني نفسها لتطبيقه.
وفق هذا السيناريو، الذي تطلق عليه جهات في إيران سيناريو «4 + 1» بدلاً من «5 + 1»، فإن أميركا تنسحب من الاتفاق النووي، لكن ذلك لا يعني نهايته، إذ سيستمر الاتفاق ببقاء الأطراف الأخرى دون واشنطن. وبالفعل بدأت التقارير تشير إلى مفاوضات أوروبية أميركية للوصول إلى اتفاق يُحصن الشركات الأوروبية، التي تريد إقامة علاقات تجارية مع إيران، من عقوبات أميركية ثانوية، أو يستوجب إعادة مشروع «الإجراءات المتقابلة» للاتحاد الأوروبي؛ المشروع الذي أقره الاتحاد الأوروبي في عام 1996 حتى يحمي الشركات الأوروبية من العقوبات الأميركية ضد إيران وكوبا. في هذه الحالة يمكن للأوروبيين أن يوقعوا عقوداً بسقف محدد، ويواصلوا العلاقات التجارية مع إيران من دون خسارة السوق الأميركية. وفي المقابل تلتزم إيران بالاتفاق النووي ووقف أنشطتها النووية، وبذلك تفتح أوروبا طريقاً لمفاوضات أوسع وأشمل مع الحكومة الإيرانية للوصول إلى حل حول كل القضايا العالقة؛ قضايا يقع برنامج الصواريخ والنفوذ الإقليمي لإيران على رأسها.
إلى أي مدى بإمكان مثل هذا السيناريو الصمود أمام ضغوط الأطراف المختلفة؟ وهل يمكن استثناء الشركات الأوروبية (التي تعزف عن علاقات مع إيران على الرغم من تنفيذ الولايات المتحدة للاتفاق في الوقت الحالي)؟ وهل يبقى «الحرس الثوري» (التي ترتبط به القضايا الخاضعة للنقاش مباشرة) ضمن الاتفاق في ظل هذا السيناريو؟ كل هذه أسئلة مهمة، لكن يبدو أن إيران والترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) يؤجلون الرد عليها إلى وقت آخر. ما يهم الطرفين الآن بقاء الاتفاق النووي.
إن حافز البلدان الأوروبية لبقاء الاتفاق النووي هو بالتأكيد ليس اقتصادياً، على الأقل ليس اقتصادياً بحتاً. حجم التبادل التجاري مع إيران يشكل 2 في الألف من حجم المبادلات التجارية للاتحاد الأوروبي؛ وهذا المستوى لا شيء، ربما دافع الأوروبيين هو الخوف الذي أشرنا إليه، خوف يعلم به الإيرانيون، ويضربون على طبوله، لكي يؤثروا على مسار القرار الأوروبي. الخوف من استئناف إيران برنامجها النووي، والخوف من أن تصبح إمكانية المواجهة العسكرية الأميركية - الإسرائيلية مع إيران أكثر جدية.
النقطتان تماماً ما يؤكد عليها الإيرانيون باستمرار لتوظيف المخاوف الأوروبية في صالحهم.
حافز حكومة روحاني أيضاً من المتحمل ألا يكون اقتصادياً. يعرف الإيرانيون جيداً أنه لا قيمة اقتصادية حقيقية للاتفاق النووي من دون الولايات المتحدة. حتى الآن، تفاعلت الأسواق الإيرانية بوضوح مع انسحاب خروج أميركا من الاتفاق النووي؛ انهيار شامل. ما يحفز الحكومة لمثل هذا السيناريو هو أن الاتفاق النووي هو أكبر ما جنته الحكومة من ثمار، وآخرها طبعاً، ولا تريد الحكومة أن يسقط هذا الصرح أيضاً لأنه لا شيء بعده. يمكن معرفة ذلك من تصريحات لودريان بعد لقائه مع روحاني في طهران. لودريان قال بعد العودة من طهران إنه أدرك أن روحاني مستعد للقيام بأي عمل من أجل حفظ الاتفاق النووي. مهما يكن إنه أفضل إنجاز لحكومته.