سنوات السينما

ألبرتو سوردي (اليمين) وفيتوريو غاسمان في «الحرب الكبرى»
ألبرتو سوردي (اليمين) وفيتوريو غاسمان في «الحرب الكبرى»
TT

سنوات السينما

ألبرتو سوردي (اليمين) وفيتوريو غاسمان في «الحرب الكبرى»
ألبرتو سوردي (اليمين) وفيتوريو غاسمان في «الحرب الكبرى»

La Grande Guerra - (1959)
كوميديا عن تلك الحرب العظمى

يكشف فيلم «الحرب الكبرى» (الذي نال ذهبية مهرجان فينيسيا لكنه أخفق في الفوز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي) عن سعي مخرجه ماريو مونيشللي لاستلهام فن تصوير وتوليف مشاهد القتال والمعارك من أفلام السينما الصامتة. في تلك المشاهد دون سواها نجد اللحظات التي يمضيها المخرج مع الصورة أكثر من تلك التي يمضيها مع الكلمة. تسبح خلالها الكاميرا فوق مواقع القتال وتلتقط ناجين وضحايا وشظايا. في ذلك استخدم المخرج، أربعة مصوّرين لإنجاز التأثير والوقع المطلوبين لتلك المشاهد.
ترك مونيشللي القصّة بسيطة من حيث الجوهر: جنديّان إيطاليان (الراحلان ألبرتو سوردي وفيتوريو غاسمان) ينخرطان في الجيش الإيطالي في الحرب العالمية الأولى ويتعاملان مع قيادة ستسيطر بقراراتها على حياتيهما وحياة الفيلق بأسره، وسترسلهما للاشتراك فيما عُرف بمعركة «نهر بيافي» التي وقعت سنة 1918 وهي معركة خاضتها إيطاليا لجانب قوّات محدودة فرنسية وبريطانية ضد الجيشين النمساوي والمجري وكانت الانتصار الكبير الأول للإيطاليين بعد هزيمتين متواليتين في العام نفسه، مما يجعل من الصعب قبول الفيلم كنموذج معاد للحرب.
على ذلك، فإن الكثير من النقاد الأوروبيين اعتبروا فيلم مونيشيللي تحفة سينمائية جديرة موازية لفيلم ستانلي كوبريك «ممرات المجد» (1957)، وهو بالفعل عمل يجمع عناصر تنفيذ جيّدة لكنه لا يحقق المستوى الموازي لأفلام أخرى في الإطار ذاته مثل فيلم كوبريك أو مثل «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» للويس مايلستون (1930). ليس فيلماً مبتهجاً، ولو أن معالجته كوميدية في المشاهد البعيدة عن خطوط القتال، لكن الرسالة لا تبلغ شأنها إلا مروراً بفصول كثيرة من المشاهد ذات الحوار المكثّف.
يبدأ المخرج فيلمه بتصميم مشهدي جيّد: لقطة طويلة واحدة لصف طويل واحد من الإيطاليين المصطفّين تمهيداً لضمّهم إلى الجندية. صداقة تنشأ بين رجلين تستمر وصولاً إلى جبهة القتال. هناك خمسون دقيقة من الفيلم مصروفة على هذه المعايشة في الجبهة الداخلية وتقديم الشخصيات المحيطة وعلاقة القيادة بالجنود وموقف مونيشيللي المنتقد للأولى. بعد ذلك نحو سبعين دقيقة من الحياة في الجبهة الأمامية حيث تلك التصاميم المثيرة للإعجاب التي يبرز فيها شغل كاميرا مستوحى من أفلام حربية صامتة وسابقة من بينها «الاستعراض الكبير» (كينغ فيدور - 1925) و«ما ثمن المجد» (راوول وولش - 1926). فيلم مونيشللي، على ذلك، يعمل على خط وسط بين الدراما والكوميديا. موضوع جاد بتعابير هزلية ومواقف تخدم الممثلين الرئيسيين من حيث دوران الفيلم حولهما أكثر من إتاحة الفرصة لنظرة بانورامية تشمل شخصيات أخرى إلا بقدر ما هو ضروري.‬
على هذا الصعيد، فإن المخرج المعروف كصانع أفلام كوميدية عموماً، يطلق الكثير من المفارقات المناسبة لبطليه. ينشغل بهما، مما يجعل الشخصيات الأخرى في الفيلم منزوية بمن فيها الشخصية الأنثوية التي تؤديها سيلفانا مانجانو.
مونيشيللي من مواليد مقاطعة توسكاني سنة 1915 (توفي سنة 2010) دخل العمل السينمائي سنة 1936 بأفلام قصيرة ثم شارك المخرج ستينو (كان مشهوراً آنذاك) سلسلة من الأفلام الكوميدية الخفيفة حتى قام مونيشيللي بتحقيق أول فيلم من إخراجه وحده وهو «ممنوع». «الحرب الكبرى» اعتبر أفضل فيلم حققه في حياته.



شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
TT

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)

معطراً بالنعناع ★★☆

رسائل شفهية في عتمة الأماكن

فيلم محمد حمدي الأول مختلف جداً عن أي فيلم مصري (أو عربي) حٌقّق في تاريخ السينما العربية. الاختلاف بحد ذاته لا يمنح الفيلم درجة التقييم. من الممكن أن يكون مختلفاً وبديعاً أو مختلفاً ورديئاً وهو أقرب إلى التصنيف الثاني. فيلم داكن في الصورة وفي الذوات البشرية التي تسكنه. يجد المخرج لها مبررات مناسبة. هذا لأن أبطاله يتقدمهم دكتور محبط (علاء الدين حمادة)، يعيشون حالات من الكآبة المطلقة تزداد عبثاً مع تناولهم الحشيشة طوال الوقت. أي نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم (التي تبلغ 113 دقيقة). وعوض استمتاعهم بهذه «السلطنة» تبقى أدمغتهم واعية وقادرة على الحديث في مسائل وجودية وسياسية (على الخفيف) مع قليل من الشّعر وكثير من الذكريات التي تتشابك بحيث لا تتضح لها زاوية فعلية تنطلق منها أو تعود إليها.

في دقائقه الـ10 الأولى يؤسّس أسلوب عمله من حالات شخصية وتصوير (قام به بنفسه) وإيقاع. هذا الإيقاع خافت باستمرار والمُشاهد عليه أن يفتح أذنيه جيداً ليتمكّن من التقاط الكلمات المتبادلة. هذا لأن الإيقاع الخافت يشمل كذلك الأداء والتلقين وتشخيص الحالات. الدكتور وأصحابه (من ثلاثة لأربعة حسب المشاهد) يركضون في الظلمة مثل جرذان هاربة من مطاردين (لا نعرفهم) ويأوون دوماً إلى خرابات تضمّهم بعتمتها أو إلى شِقق هي بدورها تبدو كخرابات كلّ شيء فيها قديم وباهت. حتى في ساعات النهار فإن النور مبتسر تأكيداً أو ترميزاً للحالة التي يمر بها أشخاص الفيلم.

الصورة، على الرغم من سوداويتها، هي أهم وأفضل من الموضوع المطروح. صحيح أن رجال الفيلم يتعاطون، لجانب الحشيش، مسائل تهمّهم، لكن ليس كل ما يهم شخصية ما في فيلم ما يهم المشاهدين. بالضرورة. لذا تنحصر الحسنات في الصورة. بينما تمرّ المَشاهد بإيقاع خافت ورتيب، مما يحدّ كثيراً من قدرة الفيلم على التواصل مع مشاهديه.

* عروض حالياً في مهرجان مراكش

Maria ★★★

العمق العاطفي لماريا كالاس

«ماريا» هو ثالث فيلم بيوغرافي ينجزه المخرج التشيلي بابلو لاراين (حسب اللفظ الأسباني) بعد (Jackie) «جاكي»، 2016 و(Spencer) «سبنسر»2021. مثل سابقيه هو فيلم عن امرأة ومثلهما هو عن شخصية حقيقية هي مغنية الأوبرا ماريا كالاس (هناك حفنة أفلام عنها أهمها «Maria By Callas» لتوم وولف، 2017) إلى جانب فيلم إيطالي آخر في التحضير بعنوان «Maria‪/‬Callas» لروبرت دورنهلم.

«ماريا» (ذِ أبارتمنت)

معالجة لاراين تختلف كونها متّصلة بالكيفية التي يحاول فيها تقديم رؤيته لشخصياته فهو يسعى دائماً إلى التقاط العمق العاطفي أكثر مما يهتم لسرد السيرة حكائياً. على ذلك، «ماريا» كما يقدّمه هنا يبقى على السطح أكثر من الدخول في عمق شخصيّته. ما يشغله في سرد الأيام الأخيرة من حياة بطلته هو التصاميم الفنية والديكوراتية وتحريك الكاميرا عبرها وهذا جيد لولا إنه يأتي على حساب تحديدٍ أفضل لمن هي ماريا كالاس.

يسرد الفيلم أحداثها الأخيرة وبعض مواقفها الشخصية والفنية لكن الحكاية يمكن لها أن تكون عن أي شخصية لمغنية وإن كانت خيالية. بطبيعة الحال، وكما بات مألوفاً، يعمد المخرج إلى مشاهد استرجاعية (الفلاشباك) بالأبيض والأسود لكن أهم عنصر في هذه الدراما هي محاولة ماريا التغلّب على ذكرياتها مع أرسطو أوناسيس (الذي تركها للزواج من جاكي كينيدي، شخصية فيلم لوراين السابق).

* عروض حالياً في مهرجان البحر الأحمر

TROIS AMIES ★⭐︎

حوارات ومشاهد تُراوح مكانها

لا يبتعد المخرج موريه في فيلمه «ثلاث صديقات» عن التيمة التي اختارها سابقاً لمعظم ما حقّقه من أفلام مثل «تغيير عنوان» (Changement d'adresse) 2007، و«هل نُقبّل» (Shall We Kiss) 2007، و«الأشياء التي نقولها، الأشياء التي نفعلها» (Les Choses qu'on dit, les Choses qu'on fait) 2020. التيمة المذكورة لا تخرج عن نطاق تداول وتناول العلاقات المتأرجحة ما بين الحب والجنس، أو الحب من دون جنس أو العكس.

«ثلاث صديقات» (موبي دَك فيلمز)

القصّة في عنوانها: 3 صديقات جوان (إنديا هير)، ريبيكا (سارا فورستييه) وأليس (كامل كوتان) والعديد من الحكايات السابقة (تشعر جوان إنها مسؤولة عن موت حبيبها السابق إريك لأنها تركته)، وفي الحكايات الحاضرة يتداولن التجارب التي مررن بها مع آخرين. لا الأحداث مهمّة ولا الحوار (يمتد بلا نهاية) يعني كثيراً. كل ذلك يَرِد مثل قراءة صفحة واحدة من مجلة إشاعات ومن دون لمسات فنية تذكر. بدورها كل لقطة تشبه، تأسيساً وإدارة. ما يسبقها وما يليها.

* عروض: حالياً في صالات فرنسية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز