الموضة جزء من ثقافة أي بلد. وكما هي فن هي أيضا صناعة حسب قول ناتالي كينهام، مديرة قسم المشتريات في موقع «ماتشزفاشن.كوم» MatchesFashion.com. وهي محقة في هذا الرأي. فرغم أن البعض لا يزال يراها مجرد ألوان وصيحات تعبر عن مواكبتهم للموضة وعلى مركزهم الاجتماعي، إلا أن الإقبال على دراستها والتخصص فيها زاد بشكل لافت في العقد الأخير. في العالم الغربي لا يقتصر الإقبال على دراسة التصميم فحسب بل على كل الجوانب التي تُكون هذه الصناعة، وعلى رأسها التخصص في الشراء. ما تم اكتشافه أنها مهنة لا تقل إبداعا وتأثيرا على أذواقنا وإن كان البعض يروونها أيضا مهنة تفتح لهم الأبواب على مصراعيها لحضور عروض الموضة العالمية ومقابلة المصممين في أي وقت. ناتالي كينهام تصحح هذا الاعتقاد بقولها أنها مهنة تحتاج إلى برودة أعصاب ونظرة ثاقبة كما إلى قراءة جيدة لأحوال السوق ومتطلبات الزبون مع ضرورة اتخاذ قرارات سريعة لا تتحمل الخطأ. فأي خطأ مهما كان صغيرا يمكن أن يُكلف الكثير حسبما تؤكده في هذا اللقاء:
- يعتقد البعض أن عمل مشترية في محل كبير أو موقع تسوق لا يقتضي سوى ارتداء أزياء أنيقة وإكسسوارات غالية فضلا عن لقاءات غذاء مع مصممين عالميين وما شابه من أمور، ويجهلون أن وراء هذا البريق عمل مُضن وضغوطات كثيرة. فخلف الكواليس، لا بد من القيام بأعمال إدارية بحتة ومعرفة العُملات في كل بلد، إضافة إلى دراية بالأرقام لأنك مطالب في آخر السنة بتحقيق الأرباح. صحيح أن الموضة فن وجمال لكنها أيضا صناعة قائمة على الأرقام. المشتري الناجح هو الذي يستطيع أن يفهم الجانبين الفني والتجاري وهذا يتطلب الثقة وقدرة إنصات لنبض الشارع وقراءة تغيراته. فبطريقة متواضعة جدا يمكنني تسليط الضوء على إبداعات مصممين غير معروفين وفتح الطريق أمامهم.
- يتركز عملي كمديرة مشتريات على متابعة كل ما يُطرح في الأسواق من منتجات عالمية ومعاصرة. فمهمتي، وفريقي، أن نختار الأجمل والأكثر أناقة في العالم على شرط أن يكون معقولا من الناحية التجارية بحيث يسهل بيعه لكل الأذواق. مهم جدا بالنسبة لنا كفريق أن نبحث عن آخر الصيحات لكن أيضا كيف ستلبي هذه الصيحات متطلبات الزبائن أو كيف سيتقبلها.
- أهم شيء علي أن أتذكره هو أن تكون اختياراتي مبنية على أساس صحيح وقراءة جيدة للسوق. لا بد من حضور كل عروض الأزياء وزيارة المعارض التي تقام على هامش أسابيع الموضة العالمية للتعرف على ماركات جديدة واكتشاف مصممين ليست لديهم الإمكانيات بعد لتقديم عروض ضخمة. أحرص أيضا على مقابلة المصممين وجها لوجه عندما يكون لدي الوقت الكافي. فهذا مهم لدراسة إمكانية التعاون بيننا، بطرح تشكيلات حصرية على الموقع. هذا الموسم مثلا لنا تعاونات مهمة مع كل من إميليا ويكستيد وإزابيل ماران ومارين سيري وغيرهن.
- النجاح ليس اختيار ما يروق لي شخصيا بل ما يناسب زبون الموقع. فكم من مرة اخترت قطعا رائعة على أساس أنها ستبيع لكنها لم تكن مناسبة لزبوننا. لهذا من الضروري بالنسبة لي أن أتعرف على ذوق زبائننا وبيئاتهم وثقافتهم حتى أنتقي ما سيروق لهم. عندما أتفحص أي تشكيلة جديدة، فأنا لا أنظر إلى الزي وحده بل الصورة ككل، كيف يمكن تنسيقها وتسويقها. وخلال متابعتي لعروض الأزياء، لا تفارقني صورة زبائننا، فهي نصب عيني وأنا أفحص وأُشرح كل قطعة تمر أمامي. زبائننا عصريون وأحيانا حداثيون في اختياراتهم. رغم أنهم يبحثون عن آخر الصيحات، إلا أنهم يقدرون كل ما هو فريد من نوعه وغير متوفر لدى آخرين. ومن هنا أحرص أن استبق هذا الزبون بتقديم جديد يُفاجئه ولم يكن يحلم به أو يتوقعه. لحسن حظي أنه ليس هناك قاعدة علي التقيد بها، فهناك دائما فسحة من الحرية تخول لنا اختيار أشياء جديدة وغير مسبوقة، وإن كان لا بد من القول: إن تعاوننا مع مصممين أو بيوت أزياء بطرح تشكيلات حصرية وعدد محدود هي الأكثر تلبية لهذا الجانب.
- عالم الموضة تغير بشكل كبير، وأعترف أني أحن لما كانت تتمتع به العروض القديمة من حميمية. لكني أعود وأذكر نفسي أن التغيير مطلوب للتطور. مواقع التسوق الإلكتروني مثلا غيرت وجه الموضة وفتحت أبواب النجاح أمام الكثير من الماركات والمصممين المبتدئين. وسائل التواصل الاجتماعي هي الأخرى لعبت دورا في تغيير هذا الوجه. في السابق كان أي مصمم يعرض تشكيلة لا يعرف عنها أغلب الناس شيئا إلا بعد أن تصل إلى المحلات أو تتصدر صفحات المجلات البراقة بعد أشهر. أما الآن فأصبح الكل متابعا لها وهو جالس في عقر بيته، سواء من خلال البث المباشر أو على الإنستغرام. لكني ورغم إيماني بضرورة التطور فإني في قرارة نفسي أفضل أسابيع الموضة التي لا يكون إيقاعها سريعا وبرنامجها مزدحما وأتمنى لو كانت العروض أقل عددا مع معارض جانبية صغيرة حتى يتاح لمتابعيها الوقت للتواصل مع المصممين وهضم ما يقدمونه بشكل جيد. فكلما كانت عروض الأزياء أكثر حميمية مثل أيام زمان، خف ضغطها على متابعي الموضة والعاملين فيها. لحد الآن نجحت كل من «ذي رو» و«بالنسياجا» من تحقيق هذا وربما يحتذي بهما آخرون.
- ما يشدني في عروض الأزياء عموما عندما يقدم أحدهم تصاميم جريئة من حيث التفاصيل. ماركة «تشارلز جيفري» مثلا من الماركات التي تُسعدني عروضها دائما وانتظرها بشوق. بدءا من الموسيقى الحية والأفكار المبتكرة فإن عرضها دائما يكون مُبهرا وهذه اللحظات تُذكرني دائما بالنعمة التي أنا فيها فأُقدر عملي أكثر. أعشق أيضا عنصر المفاجأة، مثلما حصل هذا الموسم عندما قدم المصمم الشاب ريتشارد كوين تشكيلته أمام ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية. أنتظر على أحر من الجمر تشكيلاته القادمة.
- أصعب فترة وأكثرها انشغالا هي تلك التي نقدم فيها اختياراتنا وطلبياتنا. السبب أنه ليس لدينا سوى وقت قصير جدا لاتخاذ قرارات سريعة لا تتحمل الفشل. ولا أنكر أن العملية أصبحت الآن أصعب من قبل بسبب وسائل التواصل الاجتماعي التي تجعل ما كان سرا وخاصا بالأمس مكشوفا ومعروفا للكل.
8:18 دقيقة
عملي يحتاج إلى برودة أعصاب وقراءة جيدة لنبض السوق
https://aawsat.com/home/article/1256686/%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A-%D9%8A%D8%AD%D8%AA%D8%A7%D8%AC-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A8%D8%B1%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D8%A3%D8%B9%D8%B5%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D8%AC%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%86%D8%A8%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%82
عملي يحتاج إلى برودة أعصاب وقراءة جيدة لنبض السوق
مع ناتالي كينهام... مديرة قسم المشتريات على موقع «ماتشزفاشن»
عملي يحتاج إلى برودة أعصاب وقراءة جيدة لنبض السوق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة