جوانب غامضة في البرنامج النووي الإيراني تحير المفاوضين الغربيين

أهم العلماء الذي يعرف الخبايا لا يزال في الظل ولا تسمح طهران بمقابلات معه

جوانب غامضة في البرنامج النووي الإيراني تحير المفاوضين الغربيين
TT

جوانب غامضة في البرنامج النووي الإيراني تحير المفاوضين الغربيين

جوانب غامضة في البرنامج النووي الإيراني تحير المفاوضين الغربيين

بينما تجنب فريق من المفاوضين الإيرانيين الدخول مع الغرب الأسبوع الماضي في محادثات ساخنة بشأن تفكيك البلاد للكثير من منشآتها النووية، كانت شخصية غامضة غائبة عن المشهد على نحو واضح.
ينظر مسؤولو أجهزة الاستخبارات بالغرب إلى محسن فخري زاده باعتباره من أهم العلماء في إيران، فهو يجب أن يحظى بمكانة جيه روبرت أوبنهايمر، الذي قاد مشروع مانهاتن لتطوير أول سلاح نووي في العالم. ولأكثر من عقد من الزمان، عُرف عنه أنه شخصية دؤوبة تعمل بلا هوادة، فهو بمثابة القوة المحركة وراء البرامج التي لم تنجز بشكل كامل، والتي تهدف إلى صناعة رأس حربي نووي تكون الصواريخ بعيدة المدى قادرة على حمله. وتجدر الإشارة إلى أن تلك الصواريخ تمثل مجموعة معقدة من التكنولوجيات التي تشكل عاملا حاسما في ما يتعلق بالوقت الذي تستغرقه إيران لإنتاج سلاح نووي. وباعتباره الشخص الذي يعرف الخبايا النووية الأكبر، فقد كان يخيم على أجواء المحادثات التي لم يحضرها على الإطلاق.
وذكر أحد الأعضاء بالفريق النووي الإيراني أنه «يتجنب محاولات اغتياله»، مشيرا إلى هجمات «العبوات اللاصقة»، والتي يُعتقد إلى حد كبير أنها من صنع إسرائيل.. تلك الهجمات التي أسفرت عن مقتل أعضاء مهمين من فريق العمل التابع لفخري زاده، بينما كانوا في طريقهم إلى مقر عملهم.. «أليس كذلك؟».
عدم ظهور فخري زاده في العلن وبقاؤه في الظل يؤكد على حقيقة أساسية تتعلق بالمفاوضات المتوترة على نحو متزايد بشأن البرنامج الإيراني، مفادها الآتي: إذا أسفرت هذه المفاوضات عن التوصل إلى اتفاق بحلول 20 يوليو (تموز) (الموعد النهائي المزعوم)، فهذا يعني أنه سيجري التوصل إلى اتفاق من دون أي فهم حقيقي لمدى تنفيذ إيران لتقنيات تفكيك بناء رأس حربي نووي.
وعلى مدى سنوات، كان فريق التفتيش النووي الدولي يبلغ من جانب إيران بأنه ليس من الممكن الحديث مع فخري زاده، وأن إمبراطورية المختبرات الخاصة به وأسباب اختبار التقنيات خط أحمر، والآن يتصدع باب الإمبراطورية قليلا، لكن المحققين يقولون إن هذا الأمر سوف يستغرق شهورا أو سنوات للحصول على أي إجابات حول هذه التساؤلات المثارة.
وهذا يعني أن أي اتفاق بين الولايات المتحدة وشركاء التفاوض الخمسة - وهم بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والصين، وروسيا - يبرم في غضون الأسابيع القليلة المقبلة سوف يكتنفه الكثير من الشكوك حول معرفة الفترة التي سوف تستغرقها إيران من أجل صناعة السلاح النووي، إذا كانت بالفعل قد أنتجت أو ابتاعت الوقود المجهز لصنع القنابل.
ويبدو أن المفاوضين الأميركيين يتجهون بعيدا عن فرض المحاسبة التاريخية الشاملة على الإيرانيين قبل التوقيع على أي اتفاق، ويدفعون بأن البحث في ملفات الماضي ليس بقدر الأهمية من ضمان أن إيران لا تمتلك فعلا المواد الخام المطلوبة لصناعة السلاح. وصرح رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، في مقابلة معه الأسبوع الماضي، بأنه لا ينبغي لأحد أن يتوقع فرض المحاسبة التاريخية الشاملة.
وأضاف أمانو، وهو دبلوماسي ياباني سابق، والذي يحاول، كما حاول سلفه، العمل بطريقة منهجية من خلال قائمة من اثنتي عشرة منطقة يسميها «الأبعاد العسكرية المحتملة» للبرنامج الإيراني «ليس من الممكن معرفة كل شيء». وواصل «لقد اختفت بعض الوثائق، وقد توفي بعض الناس بالفعل. وفي بعض الحالات لا تسمح لنا إيران بالتفتيش».
وقال أمانو، عندما تحول الأمر إلى مقابلات شخصية مع فخري زاده نفسه، إن مفتشيه لم يتقدموا بطلب محدد بعد لمقابلته، لكنه أضاف «نود أن نتمكن من الدخول إلى المواقع، والوثائق، والمقابلة مع الناس - بمن فيهم فخري زاده».
بحلول ذلك الوقت، كان لدى وكالة الاستخبارات الأميركية فريق كبير من الخبراء لدراسة فخري زاده وشبكته من المنشآت الحكومية والمختبرات الجامعية. وتمكنوا في عام 2004، بمساعدة الحلفاء، من الحصول على حاسوب محمول، وسرعان ما منحوه اسما مستعارا ساخرا حيث أطلقوا عليه لقب «حاسوب الموت»، والذي كان يحتوي على وثائق سربت إلى خارج البلاد بواسطة فني إيراني وكانت تضم دليلا على أن إيران تحاول تصميم سلاح ما.
وعندما أحيطت الوكالة الدولية للطاقة الذرية علما بالبيانات، قال الإيرانيون إنها مملوءة بالافتراءات. وظلت العديد من تلك الوثائق قيد الفحص والبحث من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية لعقد مر من الزمان، وتجاهل أمانو المزاعم القائلة بوهمية الوثائق المذكورة. وقال «تلك المعلومات متضمنة»، واصفا الأدلة المتنازع عليها والمستمدة من القرص الصلب للحاسوب المحمول قبل سنوات عدة.. «لكننا أمضينا ساعات طويلة نراجع ونفحص الوثائق لتحديد مدى ما تتمتع به تلك المعلومات من مصداقية» نظرا لأنها كانت على نفس مستوى الاتساق مع بيانات أخرى لدينا، قد تم تجميعها بصورة مستقلة من قبل الوكالة نفسها. وأضاف «لا يمكننا الحكم بصحتها بنسبة 100 في المائة، لكنها ليست معلومات تافهة في الوقت ذاته».
وحتى الآن لم يتلق أمانو ردودا من إيران إلا عن واحدة فقط من عشرات التقنيات المدرجة على القائمة، وقد ولدت تلك الإجابات بدورها المزيد من التساؤلات. ولا يبدو عليه الانزعاج من فكرة أن تحقيقاته سوف تستمر لما هو أبعد من الموعد النهائي للاتفاقية النهائية مع إيران، وهي الاتفاقية التي سوف تبرم وسط حالة من الشكوك الكبيرة الثائرة حول مقدار العمل المطلوب إنجازه مع الدولة قبل أن تكون مستعدة لتحويل الوقود المجهز لصنع القنابل - إذا كان بحوزتها - إلى سلاح فعلي.

* خدمة «نيويورك تايمز»



إيران تلمح لإمكانية التخلي عن السلاح النووي بشروط

منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
TT

إيران تلمح لإمكانية التخلي عن السلاح النووي بشروط

منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

في حين كانت إيران تُصعد ضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ألمحت إلى إمكانية التفاوض بشروط مختلفة مع الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترمب.

وتبنّت الوكالة الدولية، الخميس الماضي، قراراً ينتقد طهران بسبب عدم تعاونها بما يكفي في إطار برنامجها النووي.

وقال علي لاريجاني، مستشار المرشد علي خامنئي: «إن إيران وأميركا دخلتا في وضع جديد فيما يتعلق بالملف النووي»، وأضاف في منشور على منصة «إكس»: «إن الإدارة الأميركية الجديدة إذا أرادت ألا تمتلك طهران سلاحاً نووياً فعليها قبول شروطنا، مثل تعويض الخسائر، ومنح امتيازات أخرى للوصول إلى اتفاق جديد».

وأوضح لاريجاني، أن «أميركا ألغت الاتفاق السابق وخرجت منه، وبهذا تسببت في خسائر لإيران». وأضاف أن «إيران بدأت تخصيب اليورانيوم، ورفعت درجة نقاوته إلى أكثر من 60 في المائة».

علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي (وسائل إعلام مقربة من «حزب الله»)

وتنص «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وهو الاسم الرسمي للاتفاق النووي، على تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على طهران مقابل ضمانات بعدم سعيها لتطوير أسلحة نووية، لكن الاتفاق تراجع تدريجياً بعد انسحاب الولايات المتحدة منه أحادياً عام 2018، في ظل رئاسة دونالد ترمب، الذي أعاد فرض عقوبات شديدة على طهران.

وردّاً على ذلك، زادت إيران مخزوناتها من اليورانيوم عالي التخصيب بشكل كبير، ورفعت عتبة التخصيب إلى 60 في المائة، لتقترب بذلك من نسبة الـ90 في المائة اللازمة لصنع قنبلة نووية. وقد حدّدت «خطة العمل الشاملة المشتركة» التي فشلت مفاوضات في إحيائها عام 2022، معدل التخصيب الأقصى عند 3.67 في المائة.

ومنذ عام 2021، قيَّدت إيران تعاونها مع الوكالة بشكل كبير، فقامت بفصل كاميرات مراقبة، وسحبت اعتماد مفتشين ذوي خبرة.

في الوقت نفسه، يواصل برنامجها النووي اكتساب الزخم، الأمر الذي يُثير قلق المجتمع الدولي، رغم إنكار طهران رغبتها في تطوير قنبلة نووية.

وأخيراً، صعَّدت إيران مواجهتَها ضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ أعلنت أنَّها ستضع في الخدمة مجموعة من أجهزة الطرد المركزي «الجديدة والمتطورة»، وذلك ردّاً على قرار الوكالة الدولية.

وتستخدم أجهزة الطرد المركزي في تخصيب اليورانيوم المحوّل إلى غاز، من خلال تدويره بسرعة كبيرة، ما يسمح بزيادة نسبة المادة الانشطارية «يو-235» لاستخدامات عدة.

ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)

أقوال غروسي... وأفعاله

وما إن صدر القرار، ظهرت تلميحات في طهران بشأن «دور مزدوج» لمدير الوكالة الدولية رافاييل غروسي، إذ قال رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، إبراهيم عزيزي: «إن ما قاله في طهران لا يتطابق مع أفعاله في فيينا».

ونقلت وكالة «مهر» الحكومية عن عزيزي: «على غروسي أن يضع جانباً التناقض في خطابه في طهران وفيينا، وأن تكون تصريحاته في طهران متسقة مع تصريحاته في فيينا، وهذه المعاملة المزدوجة غير مناسبة».

وأشار عزيزي إلى أن «الوكالة الدولية طلبت في قرارها الأخير الامتناع عن إنتاج الأسلحة النووية. ورداً على ذلك، ينبغي القول إن إيران أعلنت منذ سنوات أنها ليس لديها أي خطط لإنتاج أسلحة نووية».

وأضاف عزيزي: «رغم أننا نتحرك دائماً على أساس مصالح الأمن القومي، فإن الأمر الواضح هو أن إيران لم تسعَ مطلقاً إلى امتلاك الأسلحة النووية خلال هذه السنوات، وهو ما يُظهر في حد ذاته عبثية هذا القرار».

وجاء قرار الوكالة الأخير في سياق خاص، مع وجود فجوة بين الموقف الغربي وموقف رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي.

وخلال زيارته إلى إيران، حصل غروسي من طهران على موافقة لبدء الاستعدادات لوقف توسيع مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب.

صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها رافاييل غروسي في مستهل اجتماعها الفصلي في فيينا

اليورانيوم عالي التخصيب

وخلافاً لما يقوله عزيزي، الذي نفى خطط إنتاج السلاح النووي، فإن طهران لم تكن ترغب أساساً في تجميد تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة.

وتُقدِّر الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إنتاج سلاح نووي واحد يتطلب نحو 42 كيلوغراماً من اليورانيوم المُخصّب بنسبة نقاء 60 في المائة، إذا جرى تخصيبه لاحقاً إلى درجة نقاء 90 في المائة.

وقال المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمال وندي: «إنه كان من المقرر أن يأتي المفتشون فور انتهاء اجتماع مجلس المحافظين لتقييم قدراتنا، مع بقاء تلك القدرات لمدة شهر دون أي توقف في التخصيب بنسبة نقاء 60 في المائة».

ونقلت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن كمال وندي أن «الضغوط الناجمة عن قرار الوكالة الدولية تأتي بنتائج عكسية، أي أنها تزيد من قدرتنا على التخصيب».

وأضاف كمال وندي: «حالياً، ليس فقط أننا لم نوقف التخصيب، بل لدينا أوامر بزيادة السرعة، والعمل جارٍ على ذلك تدريجياً».