تحية مغربية لـ«سقطة» الفرنسي ألبير كامو في بيروت

الثنائي صوفيا هادي ونبيل لحلو في «مسرح المدينة» لليلتين فقط

صوفيا هادي أثناء تأديتها دور القاضي جان باتيست
صوفيا هادي أثناء تأديتها دور القاضي جان باتيست
TT

تحية مغربية لـ«سقطة» الفرنسي ألبير كامو في بيروت

صوفيا هادي أثناء تأديتها دور القاضي جان باتيست
صوفيا هادي أثناء تأديتها دور القاضي جان باتيست

لمدة ما يقارب الساعتين من دون استراحة، وقفت الممثلة المغربية القديرة صوفيا هادي وحدها أمام جمهور فضولي في بيروت على خشبة «مسرح المدينة» لتقدم دورها في مسرحية «السقوط» أو «السقطة» كما ترجمها البعض، في نص مأخوذ عن الرواية الشهيرة التي تحمل نفس الاسم لألبير كامو، صدرت عام 1956. وتعتبر من أكثر نصوصه نضجاً. لليلتين متتاليتين الخميس والجمعة، أدت هادي دور القاضي جان باتيست كليمنس وهو يروي قصته بعد انتقاله من باريس إلى أمستردام مدينة تبدو له فيها الحياة أكثر عريّاً وأقل نفاقاً من مدينته الأم.
من حانة «مكسيكو سيتي» في العاصمة الهولندية يبدأ العرض. طاولة مستديرة صغيرة كالتي نراها في البارات، مشجب للملابس والممثلة تتقمص دور رجل ببدلتها وربطة العنق والحكايات التي ترويها عن حياة مضت في محاولة لاستقراء عمر بعضه جميل وأغلبه يثير تساؤلات وجودية.
وفضّل المخرج المغربي النخبوي نبيل لحلو أن يبقي على روح النص كما هو، وأن لا يحمله شيئا من مستجدات حياتنا الآنية، تاركاً إياه ليطلع من تلك الفترة الزمنية الحرجة في أوروبا، بعد الخروج من الحرب العالمية الثانية، وبدء المراجعات الذاتية من فردية وجماعية. القاضي جان باتيست كان رجلاً يساعد المحتاج يحنو على الضرير ومعظم قضاياه تدور حول الأرامل والأيتام، لا يترك فرصة ليبدو إنسانياً حدّ الدّهشة، لكنّه يعلم في قرارة نفسه أنّ هذه الصورة ليست شيئا إلّا لتسويق صورة تجعله محترماً في عيون الناس.
قسمت الخشبة إلى جزء أمامي عليه الطاولة إلى اليسار ومقعد طويل يظهر لفترة قصيرة يمين الخشبة وستارة من النايلون الشفاف ترتفع وراءهما لتفصل الجزء الخلفي عن الأمامي، وتجعلنا نشعر أنّ ثمة عالماً آخر في الوراء، حيث نرى القاضي وهو يخبرنا بحكاياته ينتقل إلى الخلف وكأنّه يسير في شوارع طويلة وهو يكمل قصة حياته. خيار نبيل لحلو بأن يبقى أميناً لكامو، نصاً وروحاً وقصصاً، أبقى العمل المسرحي بارداً. حتى حركة الممثلة بقيت تلاوينها محدودة جداً، كأن تدخل على دراجة تسير بها قليلاً ثم تتوقف، أو تجلس على كرسي صغير وسط المسرح، لم يتخلّل الكلام طرفة تغير الأجواء السردية المتهادية، لم تلجأ الممثلة إلى طبقات عالية وأخرى خفيضة أثناء القص. بقي مستوى الكلام في إيقاع واحد متدفق برصانة. بالتأكيد العمل نخبوي ويليق بمن يحبون أن يستمعوا إلى كلمات كامو، ويعشقون أسلوبه، ويسعدهم أن يروا الأدب يتحرك على خشبة، خاصة بأداء متزن ومحنك كالذي قدمته صوفيا هادي. لكنّ هذا ليس مزاجاً لكثيرين، في زمن صار الصبر مطلباً عصياً، والإصغاء من دون إغراءات بصرية أمراً لا يستهوي سوى قلة.
تترك لنفسك العنان، مع الحكواتية التي لا بدّ أن تتساءل وأنت تتابعها كيف غيبت هذا النص الأدبي الجميل والطويل، وتمكنت من أن تؤدي مسترسلة الدور وحيدة من دون أن تلتقط أنفاسها، إلّا للحظات حين تصدح الموسيقى قليلاً في الأرجاء، أو عندما ترتشف قليلاً من الماء من كوبها.
مع الثنائي نبيل لحلو وصوفيا هادي اللذين قرّرا أن يخوضا غمار تجربة صعبة وليس لها جمهور عريض، استمتع الجمهور اللبناني المحتفي بالضيفين المغربيين، بنص مركب، هو بالتأكيد من أكثر نصوص كامو التباساً، وانتقل مع الحكواتية المتقمصة القاضي إلى أمستردام حيث يعيش بعد اعتزاله العمل، ليتعرّف معه ليس فقط على ماضيه بل على ما يواجهه هناك ويعيده دائماً إلى صورته الذاتية في المرآة كحكاية المرأة التي رآها متّشحة بالسّواد على جسر «بونت رويال» ذات ليل وما أن تجاوزها حتى ألقت بنفسها في النهر وانتحرت، وأكمل طريقه وهو يعرف أنّه ربما كان يمكنه بقليل من التضحية إنقاذها. تلك الضحكة التي يسمعها تلعلع خلفه وهو جالس في الحانة تعيده إلى فتاة النهر ولا يعرف إن كان هذا الصّوت البهيج يخرج من أعماقه أم ممن سقطت في النهر ذات ليلة. هناك أيضاً فترينات فتيات الليل في أمستردام التي تذكره أنّ الحياة هنا أكثر وضوحاً في فسادها منها في باريس. حكاية الشاب على الدراجة الذي يقف في طريقه، وحين يطالبه بأن يفتح الطريق يسدّد له صفعة على الوجه. الغوص ثم الغوص في الذات، بحثاً عن أن تبقى هلامية وضبابية حتى للشخص نفسه، هي رحلة يذهب إليها متفرج مسرحية «السقطة» حتى يجد نفسه مستسلماً على مقعده غائصاً في وجه الممثلة منتظراً ما ستؤول إليه النهاية. وعلى أي حال فإنّ طبيعة النّص المركّب من مونولوجات درامية، يحيل أحدها إلى الآخر بشكل مبطن أو أكثر مباشرة، ساعدت على وضعه على الخشبة بصيغة لا تغري كثيراً بخيانة كامو، هذا البديع الذي بقيت روحه ترفرف فوق الحاضرين وهو يبحث عن سلام النفس الذي يرتجى ولا يقطف أبدا.



رجل إطفاء يتحوَّل «بابا نويل» لإسعاد الأطفال المرضى

بعضُ السحر يستحقّ أن يُصدَّق (مواقع التواصل)
بعضُ السحر يستحقّ أن يُصدَّق (مواقع التواصل)
TT

رجل إطفاء يتحوَّل «بابا نويل» لإسعاد الأطفال المرضى

بعضُ السحر يستحقّ أن يُصدَّق (مواقع التواصل)
بعضُ السحر يستحقّ أن يُصدَّق (مواقع التواصل)

زَرَع رجل إطفاء البهجة في نفوس عدد لا يُحصى من الأطفال خلال عطلة عيد الميلاد على مرّ السنوات، لكنَّ ديفيد سوندرز (50 عاماً)، يقول إنّ القيام بدور «بابا نويل» يُرخي أثراً سحرياً عليه أيضاً. بالنسبة إلى سوندرز المقيم في مقاطعة فيرفاكس بولاية فرجينيا، فإنّ أداء دور «بابا نويل» يتجاوز التقاليد: «إنه مَهمَّة شخصية عميقة مستوحاة من العائلة وتغذّيها الرغبة في نشر الفرح». بدأ سوندرز، وهو والد لـ5 أطفال، ذلك العمل الموسميّ منذ 16 عاماً. في ذلك الوقت، كان ابنه البالغ 6 سنوات يعاني مرضاً تسبَّب بتنقّله بين المستشفيات. نقلت عنه «فوكس نيوز» قوله لشبكة «إس دبليو إن إس»: «في كل مرّة كنّا نقصد المستشفى، كان يرى جميع الأطفال المرضى. وخلال المغادرة راح يقول لي: (أتمنّى لو نستطيع فعل شيء لطيف لهم). كنتُ أجيبه: (اكتشف ما تريد فعله، وسنحاول)».

مَهمَّة شخصية عميقة مستوحاة من العائلة (مواقع التواصل)

تحوَّلت هذه الرغبة دعوةً غير متوقَّعة للأب والابن، اللذين بدآ في ارتداء زيّ «بابا نويل» وجنّيته المساعدة لإسعاد المرضى الصغار. حالياً، يُنجز سوندرز بين 100 إلى 150 زيارة منزلية كل عام؛ مُرفقةً ببعض الإعلانات التجارية وفيلمين لعيد الميلاد. قال: «أحبُّ إسعاد الناس. أستمتعُ برسم البسمة على وجوههم». وكلّ عام، كان يرى أطفالاً اعتاد رؤيتهم منذ أن كانوا رضَّعاً: «استمتعتُ بمراقبتهم وهم يكبرون. تحملهم بكونهم أطفالاً، ثم تشاهدهم يكبرون. أحياناً تعتقد أنهم لن يرغبوا في عودتك هذا العام، لكنَّ أمهاتهم أو آباءهم يتّصلون دائماً ويقولون: (إنهم لا يريدون أن يمرَّ عيد الميلاد من دونك)». ورغم أنّ دور «بابا نويل» مبهج عموماً، فإنَّ سوندرز أقرّ بمواجهة تحدّيات: «أرى بعض الأطفال المرضى أو الذين ليس لديهم الكثير. أحياناً يكون الأمر مُرهقاً عقلياً».

بدأ سوندرز عمله الموسميّ منذ 16 عاماً (مواقع التواصل)

وبعد 30 عاماً من كونه رجل إطفاء، يتطلَّع الآن إلى تحويل عمله الجانبي وظيفةً بدوام كامل. تابع: «عملي رجل إطفاء وظيفة رائعة. إنه أيضاً أحد تلك الأشياء المُرهِقة عقلياً وجسدياً، لكنْ كانت لديَّ مهنة جيّدة. جسدي يؤلمني، وأنا أكبُر في السنّ؛ لذلك حان الوقت للمضيّ قدماً. آمل أن تنمو هذه التجارة أكثر». سحرُ عيد الميلاد هو ما يستمرّ في إلهام سوندرز لإسعاد الأطفال والكبار على السواء: «أعتقد أنّ جميع الأطفال، وحتى البالغين، يريدون شيئاً يصدّقونه، خصوصاً في هذا العيد».