«الخماسي» يقتنص الضربة العسكرية لإطلاق المسار السياسي المعطل

أخيرا التأم اجتماع «المجموعة الضيقة» الخاصة بسوريا والتي تضم الدول الغربية الرئيسية الثلاث «الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا» ودولتين عربيتين هما المملكة السعودية والأردن، مساء أمس، في مقر وزارة الخارجية الفرنسية للبحث في «توحيد الرؤية» بالنسبة للملف السوري والنظر في المحطات اللاحقة. وكانت باريس تريده مباشرة بعد الضربات العسكرية التي استهدفت ثلاثة مواقع كيماوية في سوريا. إلا أن تضارب الأجندات ومنها قمة الكومنولث في لندن الأسبوع الماضي وزيارة الدولة للرئيس ماكرون الأخيرة إلى واشنطن، أجبرت الدبلوماسية الفرنسية على تأخير الموعد الذي حان في نهاية المطاف مع انعقاد المؤتمر الدولي الخاص بمحاربة تمويل الإرهاب ليومين في العاصمة الفرنسية.
تقول مصادر دبلوماسية فرنسية إن الضربات العسكرية «وجهت أكثر من رسالة» باتجاه النظام ولكن خصوصا باتجاه حليفيه الرئيسيين، وهما روسيا وإيران. ولكنها تضيف أن هذه العمليات «ليس لها معنى إن لم تكن في إطار استراتيجية دبلوماسية» بحيث تكون مختلفة عما قامت به الولايات المتحدة الأميركية في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي عندما أرسلت صواريخها على قاعدة الشعيرات ردا على استخدام النظام للسلاح الكيماوي قبل ذلك بقليل في خان شيخون. ووفق التصور الفرنسي الذي شدد عليه كبار المسؤولين وخصوصا الرئيس ماكرون والوزير جان إيف لو دريان، فإنه يتعين على المجتمعين في باريس «اقتناص الفرصة الجديدة» بعد «الرسالة المشددة» التي أرسلها الغرب إلى موسكو وحثها على دفع النظام إلى «الدخول أخيرا في عملية سياسية جدية» تقودها الأمم المتحدة عبر المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. ولخص الوزير لو دريان المساعي الجديدة المبذولة بقوله إنه يأمل أن روسيا التي بانت عزلتها في مجلس الأمن الدولي عقب الضربات العسكرية، قد «استوعبت» الحاجة لأن تضم جهودها إلى جانب جهود الآخرين للعمل من أجل «حل سياسي» في سوريا يسمح بطي صفحة الحرب. وذهب الرئيس ماكرون في الاتجاه نفسه، حيث أكد في حديث تلفزيوني مؤخرا أن هذا الهدف «يمكن أن يكون محل توافق» مع موسكو.
حقيقة الأمر أن الغربيين يشعرون اليوم أنهم في «موقع أقوى»، وذلك لسببين وفق ما تشرحه مصادر واسعة الاطلاع في باريس: الأول، أهم أظهروا عضلاتهم في الضربات العسكرية وبينوا أنهم قادرون على اتخاذ قرارات وفرضوا احترام الخطوط الحمراء التي رسموها. والثاني، أن الولايات المتحدة التي كان رئيسها مستعجلا لسحب قواته من سوريا قد «عدل رأيه» بضغط من وزارة الدفاع والمخابرات الأميركية، ولكن أيضا بضغط من شركائه وحلفائه في الخليج وأوروبا. من هنا، ترى هذه المصادر أن روسيا ستفهم أنه «يتعين عليها التفاهم» مع المجموعة الخماسية وأن «ثلاثية أستانة» غير كافية لفرض الحل وفق التصور الروسي. ويريد الغربيون أولا «بناء موقف موحد» والسعي لإحياء الجهود الدبلوماسية والانطلاق بعدها لمحاورة مجموعة أستانة «روسيا وإيران وتركيا». وهكذا، فإن التصور هو أنه بعد اللجوء إلى الضربات العسكرية «حانت» الفرصة للعودة إلى العمل السياسي والدبلوماسي الذي تريد باريس أن تكون لولبه ليس فقط من خلال «المجموعة الضيقة» بالطبع ولكن أيضا في مجلس الأمن الدولي، حيث صاغت مع واشنطن ولندن مشروع قرار يعالج الجوانب الثلاثة للأزمة في سورية وهي الكيماوي والإنساني والسياسي.
ثمة «مؤشرات» ينظر إليها الغربيون على أنها «مشجعة» وعلى رأسها رغبة روسيا في عدم التصعيد والمواجهة. ودليلهم على ذلك، أنها التزمت موقفا «متراجعا» حينما تساقطت الصواريخ الغربية على المواقع الكيماوية الثلاثة وبدا سفيرها في الأمم المتحدة «أقل حدة» خلال الاجتماعات غير الرسمية التي استضافتها السويد نهاية الأسبوع الماضي. كذلك سعى ماكرون لإبقاء خيط التواصل قائما بينه وبين الرئيس بوتين الذي اتصل به قبل الضربة وبعدها مباشرة وهو يحضر، رغم التوتر الناتج عن العمليات العسكرية الأخيرة، للذهاب إلى موسكو. وتضيف مصادر أوروبية في باريس أن لروسيا «مصلحة اليوم في أن تتعاون معنا» بعد أن وضعها النظام في مواقف حرجة بلجوئه إلى استخدام السلاح الكيماوي وقبلها في رفض ما صدر عن مؤتمر سوتشي.
وما يصح على موسكو يصح أيضا على طهران التي تجد نفسها اليوم، وفق هذه المصادر، «في المرمى الأميركي». بيد أن المشكلة كما ينظر إليها من باريس تكمن في «الخلط والتداخل» بين الملفات المحلية السورية والإقليمية «إيران والنووي والباليستي وسياساتها الإقليمية»، والدولي «عودة أجواء الحرب الباردة إلى العلاقات الغربية - الروسية». ولذا، فإن الملف السوري إما قد يصبح نقطة التفجر بين سياسات وخطط متضاربة أو المكان الذي منه تنطلق المساعي للبدء بتسوية النزاعات والفصل بين الملفات التي توتر الأوضاع. وهدف المجتمعين أمس في باريس كان إعادة إطلاق «الماكينة الدبلوماسية» والدفع مجددا باتجاه التواصل مع «المعسكر الآخر».
هل ستجدي جهود الخمسة؟ السؤال مطروح والجواب قد يكون سلبيا أو إيجابيا. والتخوف الذي يتوقف عنده أكثر من مصدر يكمن في استحقاق الثاني عشر من الشهر القادم، حيث سيتخذ الرئيس الأميركي قرارا بشأن «وأد» الاتفاق النووي مع إيران المبرم صيف العام 2015، أو تأجيل القرار، وإعطاء مهلة إضافية للدول الأوروبية الثلاث «فرنسا وبريطانيا وألمانيا» وأيضا للكونغرس الأميركي، لعرض خطة جديدة تحمل «الضمانات» التي يحتاج إليها للوصول إلى اتفاق جديد. وحتى الآن، لم يكشف ترمب عما سيقرره لكن ما قاله ماكرون بعد انتهاء زيارته إلى واشنطن يدفع باتجاه توقع تخلص الرئيس الأميركي من الاتفاق، ما يفتح الباب في الشرق الأوسط على كل الاحتمالات، حيث يعاد خلط الأوراق، ومنها الأوراق في سوريا.