المغرب: حملة مقاطعة منتجات تثير ردود فعل متباينة

تباينت مواقف المغاربة حيال الحملة، التي أطلقها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، الداعية إلى مقاطعة ثلاثة منتجات استهلاكية لمدة شهر كامل بسبب ارتفاع ثمنها. فبينما تحمس كثيرون للحملة، وقالوا إنها «جدية هذه المرة»، رفض آخرون المشاركة فيها بحجة أنها ستضر بالاقتصاد والعمال الصغار، في حين رأت فئة ثالثة أن دوافعها سياسية وليست اجتماعية. وتستهدف الحملة، التي وصفت بأنها «ناجحة»، مقاطعة ثلاث مواد تنتجها ثلاث شركات محددة هي «مركز الحليب» التي توزع «حليب سنترال»، وشركة «أولماس» الموزعة لقنينات المياه المعدنية «سيدي علي»، وشركة «أفريقيا غاز» لتوزيع الوقود.
ونشر النشطاء صور العلامات التجارية للمواد المذكورة مرفقة بوسم «مقاطعون»، الذي وصفوه بأنه الشعار الرسمي لحملتهم، بينما وزعت صور أخرى بجانب تلك العلامات التجارية لكل من عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري ورجل الأعمال المشهور مالك شركة توزيع الوقود، ومريم بن صالح رئيسة اتحاد رجال الأعمال المغاربة، مالكة شركة توزيع قنينات المياه.
وبعد إطلاق الحملة بأيام قليلة وصف محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، دعاة المقاطعة بأنهم «مداويخ» (مصابون بالدوخة أو الدوار)، وقال خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان)، إنه «من الضروري تشجيع المقاولات الوطنية، وليس كبعض (المداويخ) الذين يدعون إلى مقاطعة منتجات وطنية».
وزاد مشدداً على أنه من «الضروري دعم وتشجيع المقاولات المهيكلة التي تدفع الضرائب وتشغل عدداً من العمال»، وذلك بهدف إقناع المقاطعين العدول عن مقاطعتهم لتلك المنتجات، إلا أن حديثه كانت له نتائج عكسية، حيث لم يتقبل النشطاء نعتهم بـ«المداويخ»، واعتبروا أن «المقاطعة ثقافة شعب»، وتحمسوا أكثر لإقناع أكبر عدد من المغاربة للانضمام إلى الحملة بغية «إسقاط شركات الاستغلال والاحتكار».
وفي هذا السياق كتب أحد النشطاء أن «ثمن قنينة الماء في المغرب يفوق مثيلتها في إيطاليا ثلاث مرات، مع العلم أن الدخل الشهري للعامل في إيطاليا هو نحو 1.5 ألف دولار، ودخل المغربي المسكين لا يتجاوز 250 دولاراً».
في المقابل، شكك الرافضون للمقاطعة في جدواها، واعتبرها البعض «ذات أبعاد سياسية وليست اجتماعية»، لأنها تستهدف وزير الفلاحة المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي أصبح الخصم السياسي الجديد لحزب العدالة والتنمية، رغم أنه عضو في التحالف الحكومي الذي يرأسه هذا الحزب ذو المرجعية الإسلامية، إذ سبق لحزب العدالة والتنمية أن انتقد ارتفاع ثمن الوقود، واتهم شركات التوزيع بجني أرباح طائلة، مستفيدة من تحرير القطاع.
وردّاً على الدعوة لمقاطعة الحليب، قال عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري، إن «المقاطعة ستضرُّ بالكثير من المواطنين الذين يعملون بشكل مباشر في هذه القطاعات»، وحذر من «اللعب في مثل هذه الأمور»، مشدداً على أن «كأس الحليب الذي يشربه ملايين الناس هو مصدر رزق كثير من الفلاحين المغاربة».
وفي معرض تعليقه على مقاطعة المنتجات الحليبية، وصف ديديي لومبلان، المدير العام لمجموعة «سنترال دانون»، ورئيس اتحاد منتجي الحليب بالمغرب، الحملة ضد شركته بـ«الإرهاب الإلكتروني»، مشيراً إلى أن الحملة موجودة فقط في العالم الافتراضي.
ودعا لومبلان المغاربة إلى عدم الاكتراث لمثل هذه الحملة، مبرزاً أن الذي سيتضرر منها هو الفلاح الصغير، الذي استثمر في بقرة حلوب من أجل دعم دخله اليومي، وتحسين مستوى عيش أسرته. كما ستتضرر منها التعاونيات والشركات المجمعة التي تسهر على تجميع الحليب الذي ينتجه صغار الفلاحين، ومعالجته وتلفيفه، وإيصاله في أحسن الظروف والجودة للمستهلك.
كما أعلن لومبلان عزم اتحاد منتجي الحليب بالمغرب إطلاق حملة وطنية للتعريف بمزايا الحليب، وتشجيع المغاربة على استهلاكه، موضحاً أن هذه الحملة التحسيسية ليست وليدة اللحظة، وليست لها أي علاقة بالدعوة لمقاطعة الحليب، كونها كانت مقررة في العقد البرنامج الذي وقعه الاتحاد مع الحكومة قبل عام. في غضون ذلك، عبر أخنوش الذي حضر انطلاق الحملة الوطنية للتشجيع على استهلاك الحليب، عن تضامن الحكومة مع شركة «سانترال دانون»، ومن خلالها مع قطاع إنتاج الحليب، في مواجهة الحملة التي تستهدفها. وقال موجهاً كلامه للمسؤولين في الشركة إن «الحكومة لا يمكنها إلا أن تكون بجانبكم، وأن تشجعكم وتدعمكم للدور الذي تقومون به في مجال تجميع وتسويق الحليب».
كما أوضح أخنوش أن قطاع إنتاج الحليب يكتسي أهمية اجتماعية عالية نظراً لكونه يضم نحو 400 ألف فلاح صغير، مشيراً إلى أن هؤلاء الفلاحين لن توقفهم دعوة طائشة على الإنترنت لأن وراءهم مسؤوليات اجتماعية.
كما أوضح أخنوش أن قطاع الحليب يلعب دوراً أساسياً في الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن وزنه الاقتصادي يناهز 6 في المائة من الإنتاج الخام الداخلي للقطاع الفلاحي، فيما يبلغ رقم معاملاته السنوي 10 مليارات درهم (1.1 مليار دولار)، ويوفر القطاع 94 في المائة من الاستهلاك الوطني من الحليب ومشتقاته.