القلب وتناول الكافيين

أوضحت مراجعة علمية جديدة أن الأشخاص الذين يتناولون القهوة والشاي المحتويين على الكافيين، بكمية معتدلة قد يكونون أقل عرضة للإصابة باضطرابات انتظام إيقاع نبض القلب Arrhythmias. ووجدت الدراسة الجديدة أن تناول الكافيين من القهوة والشاي، وهما من المشروبات الأعلى شعبية، يرتبط بخفض معدلات الإصابة بحالة «عدم انتظام إيقاع نبض القلب»، ولكن الباحثين شددوا على أن تناول مشروبات الطاقة التي تحتوي على مستويات عالية من الكافيين غير ملائمة لأي شخص لديه إصابات بأحد أمراض القلب.
- الكافيين واضطرابات القلب
وتأتي نتائج هذه الدراسة الجديدة لتضع النقاط على الحروف حول توضيح حقيقة العلاقة بين تناول الكافيين من مصادره الطبيعة، كما في الشاي والقهوة، وبين احتمالات تسبب ذلك باضطرابات مرضية في انتظام إيقاع نبض القلب، وخاصة احتمالات تسبب ذلك بتفاقم حالة المرضى المُصابين أصلاً بأحد أنواع الاضطرابات المرضية في انتظام إيقاع نبض القلب.
كما أضافت الدراسة تأكيد حقيقة أخرى تتعلق بالفرق بين تناول المشروبات الطبيعية المحتوية على الكافيين، كالشاي والقهوة، وبين تناول مشروبات غير طبيعية تحتوي على الكافيين، مثل مشروبات الطاقة الضارة بانتظام إيقاع نبض القلب. والأمر الثالث الذي قدمته هذه الدراسة الجديدة هو إضافة مزيد من التوضيح لإزالة الانطباعات السلبية الشائعة سابقاً حول شرب القهوة بالذات واحتمالات تسببها بأضرار صحية على القلب والأوعية الدموية، وهي التي يتوالى تأكيد نتائج الدراسات الطبية الحديثة عدم صحة ذلك بل إن شرب القهوة باعتدال قد يكون له فوائد صحية للقلب والأوعية الدموية والكبد والوقاية من مرض السكري وغير ذلك من الفوائد الصحية التي لاحظتها نتائج عدة دراسات طبية حديثة.
ووصفت مجلة الكلية الأميركية لطب القلب ACC، التي نشرت هذه الدراسة ونتائجها ضمن عدد 16 أبريل (نيسان) من مجلة JACC: Clinical Electrophysiology، أن المراجعة العلمية للباحثين هي «State - Of - The - Art - Review»، أي أنها «دراسة مراجعة علمية لأحدث ما تم التوصل إليه حتى هذه اللحظة». وكان عنوان الدراسة: «الكافيين واضطرابات إيقاع نبض القلب: الوقت لطحن الأدلة».
وقال الباحثون في مقدمة الدراسة: «القهوة هي منبه، وتناولها هو الأكثر شيوعاً من قبل الناس لتحسين مستوى الإدراك المعرفي للدماغ لديهم. وبسبب تأثير الكافيين على تنشيط العقل وزيادة معدل ضربات القلب، فلقد تم افتراض أن شرب القهوة المحتوية على الكافيين، قد يسهم في التسبب بحصول اضطرابات وعدم انتظام في الإيقاع الطبيعي لنبض القلب.
وغالباً ما يعتمد هذا الافتراض السائد بين عموم الناس على القصص وليس على أدلة علمية، ومع ذلك، فإن هذا الافتراض انتشر في الوسط الطبي، ما جعل أكثر من 80 في المائة من الأطباء في الولايات المتحدة يُوصون بالامتناع عن أو الحد من تناول الكافيين للمرضى الذين يعانون من خفقان في القلب أو تم تشخيص إصابتهم بأحد أنواع أمراض اضطرابات إيقاع نبض القلب».
وتشير نتائج الأبحاث المكثفة على مدى العقد الماضي إلى أن الكثير من المعتقدات الشائعة على نطاق واسع بشأن الكافيين قد لا تكون قائمة على الأدلة. وأجرينا هذه الدراسة التي تقدم مراجعة تفصيلية للدراسات المنشورة لتحديد التفاعلات فيما بين القهوة والشاي واضطرابات إيقاع نبض القلب».
- الشاي والقهوة
وشرب الشاي والقهوة هما من السلوكيات الغذائية الشائعة جداً في العالم، ويُعتبران معاً ثاني مشروب يتناوله البشر بعد شرب الماء. وفقاً لنتائج دراسة أجريت عام 2016 في جامعة واشنطن، فإن أكثر من 85 في المائة من الأشخاص في الولايات المتحدة يتناولون في اليوم الواحد مشروباً واحداً على الأقل من المشروبات المحتوية على الكافيين، والأعلى من بين تلك المشروبات هي القهوة ثم الشاي، إضافة إلى مشروبات الطاقة.
وركّز الباحثون في دراستهم على مراجعة الأدلة العلمية المتوفرة حتى الآن على علاقة تناول الكافيين من المشروبات الطبيعية والصناعية في إيقاع نبض القلب، وخاصة تأثيرات تناول المشروبات المحتوية على الكافيين في حالات الإصابة بنوعين مهمين من أنواع أمراض اضطرابات عدم انتظام نبض القلب. والنوع الأول هو «الاضطرابات الأذينية المصدر» Atrial Arrhythmias، وتحديداً مرض «الارتجاف الأذيني» Atrial Fibrillation الذي هو من الأنواع الشائعة لاضطرابات إيقاع نبض القلب. والنوع الثاني هو «الاضطرابات البطينية المصدر» لإيقاع نبض القلب Ventricular Arrhythmias، التي هي أحد أهم أنواع اضطرابات إيقاع نبض القلب في تأثيراتها الصحية لدى مرضى القلب. وتُعتبر حجرة الأذين القلبية وحجرة البطين القلبية، المصدرين الرئيسيين للأنواع الأعلى شيوعاً من بين أنواع اضطرابات إيقاع نبض القلب.
وفي جانب عدم انتظام ضربات القلب البطينية المصدر، استعرض الباحثون 11 دراسة دولية رئيسية شملت أكثر من 360 ألف شخص، ووجدوا أن تناول الكافيين المعتدل لما يصل إلى 300 ملغم في اليوم (أي نحو ثلاثة أكواب من القهوة) قد يكون آمنا لمرضى هذا النوع من اضطراب نبض القلب. ولاحظ الباحثون في نتائجهم أن تناول الكافيين من القهوة أو الشاي، لا يبدو أنه يزيد من احتمال نشوء الإصابة بأمراض عدم انتظام ضربات القلب البطينية المصدر. وقال الباحثون: «من نتائج الكثير من الدراسات، فإن المرضى الذين يستهلكون القهوة والشاي بانتظام وبكميات يومية معتدلة، لديهم انخفاض طوال حياتهم من خطورة الإصابة باضطرابات إيقاع نبض القلب، بل ربما أيضاً تتحسن فرص بقائهم على قيد الحياة نتيجة لذلك».
ومرض الارتجاف الأذيني، هو أحد الأمراض الشائعة لاضطراب إيقاع نبض القلب، ويُصيب نحو 9 في المائة من الذين أعمارهم فوق 65 سنة في الولايات المتحدة وفق ما تذكره المراكز الأميركية لمراقبة الأمراض والوقاية منها CDC، وفي هذه الحالات المرضية لا ينقبض الأذينان لضخ الدم إلى البطينين بل يرجفان، وترتفع نتيجة لذلك احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية. وفي هذا الجانب وجد الباحثون أن جميع دراسات الارتجاف الأذيني تظهر باستمرار انخفاضا في الإصابة بالارتجاف الأذيني مع زيادة في تناول الكافيين من مصادره الطبيعية. وأفاد الباحثون بأن المراجعة الشاملة للدراسات التي شملت أكثر من 230 ألف شخص تظهر أن احتمالات الإصابة بالارتجاف الأذيني تنخفض بنسبة 6 في المائة لدى شاربي القهوة من الناس الطبيعيين، وأن التحليل الإضافي لنحو 116 ألف شخص من المرضى يُظهر أن شرب القهوة يُقلل من خطورة الإصابة بالارتجاف الأذيني بنسبة تصل إلى 13 في المائة.
وعلاوة على ما تقدم، وجدت الدراسة أن تناول كمية معتدلة من الكافيين، أي نحو 300 ملغم في اليوم الواحد، من قبل المرضى الذين أصيبوا بنوبات الجلطة القلبية، قد أدى لديهم إلى تحسن معدل ضربات القلب وإلى عدم وجود اضطرابات حادة في نظم إيقاع نبض القلب.
- تجنب مشروبات الطاقة
> وفقا لنتائج هذه الدراسة الحديثة، أفاد الباحثون بأنه ينبغي تجنب تناول مشروبات الطاقة، المحتوية على الكافيين، من قبل المرضى الذين يعانون من أمراض في القلب، وأضافوا أن ثلاثة أرباع المرضى الذين يعانون من حالات قلبية سابقة والذين تناولوا مشروبين للطاقة أو أكثر في اليوم، قد أبلغوا عن شعورهم بالخفقان في غضون 24 ساعة من ذلك.
وخلص الباحثون إلى أن «المشروبات التي تحتوي على الكافيين مثل القهوة والشاي قد تحتوي على خصائص مضادة لاضطراب إيقاع نظم القلب وذات مفعول طويل الأمد، وذلك بواسطة تأثيرات عدد من المواد الطبيعية الموجودة في القهوة، مثل المواد المضادة للأكسدة وعناصر أخرى تتعلق بمستقبلات الأدينوسين في الخلايا القلبية Adenosine Antagonism».
وأضافوا قائلين إن «الدراسات الواسعة النطاق تفيد بأن شرب القهوة والشاي شيء آمن ويمكن أن يُقلل حتى من حالات عدم انتظام ضربات القلب. وعلى الرغم من عدم وجود عتبة محددة بوضوح لضرر الكافيين، فإن تناول ما يصل إلى 300 ملغم في اليوم وبشكل منتظم يبدو آمناً وربما يكون وقائياً ضد اضطرابات نبض القلب. ومع هذا يستمر الكثير من الأطباء في تقديم المشورة إلى المرضى الذين يعانون من الارتجاف الأذيني أو اضطرابات إيقاع نبض القلب البطينية المصدر، بتجنب جميع المشروبات التي تحتوي على الكافيين، وخاصة القهوة، على الرغم من عدم وجود أدلة لدعم هذا النهج». ولكن الباحثين استدركوا بالقول: «وإذا كانت هناك حالات فردية لبعض المرضى تم فيها ملاحظة وجود ارتباط واضح بين حصول اضطرابات نبض القلب وبين تناول الكافيين، فإن من المنطقي نصحهم بتجنب تناولهم تلك المشروبات المحتوية على الكافين».