الجزائر: الحكومة تحاول «تصحيح» أخطاء أويحيى بخصوص «تأثير الإرهاب على السياحة»

تسعى الحكومة الجزائرية إلى احتواء غضب عارم وسط سكان جنوب البلاد، تسبب فيه رئيس الوزراء أحمد أويحيى بحديثه عن «استحالة تطوير السياحة في الصحراء بسبب تهديدات الإرهاب»، حيث حاول وزير الداخلية نور الدين بدوي أمس استدراك «خطأ» أويحيى بالتأكيد على أن السياحة في الجنوب «يعوّل عليها في إطار خطة تنويع الاقتصاد».
وسارعت رئاسة الجمهورية أمس إلى إيفاد بدوي إلى تمنراست (1900 كلم جنوب)، التي تعد عاصمة ولايات الجنوب وبوابتها إلى بلدان جنوب الصحراء، بغرض تهدئة نفوس سكانها، وخاصة مئات العاملين والناشطين في مجال السياحة، التي تعد مصدر دخل أساسي لسكان المنطقة، وموردا مالياً مهماً لعشرات وكالات السياحة الجزائرية والأجنبية، فضلا عن تداعيات تضرر السياحة على التجارة والصناعة التقليدية المحلية ومختلف الأنشطة.
وبدأت تفاصيل هذا الخلاف والغضب الشعبي في 14 من الشهر الحالي، وذلك عندما سئل أويحيى خلال مؤتمر صحافي حول خطة الحكومة لإنعاش قطاع السياحة والخدمات بالجنوب، في إطار مسعى تنويع الاقتصاد، الذي يعاني من تبعية مفرطة لعائدات المحروقات، حيث قال إن «العمليات الإرهابية التي تقع بدول الساحل، والوضع الأمني المتردي بليبيا المجاورة، عوامل تترك تأثيرا مباشرا على السياحة في جنوبنا الكبير».
وتابع أويحيى موضحا «تصوروا لو خطف إرهابيون سياحا أجانب في صحرائنا؟ لو حدثت عملية كهذه فسوف يتم نسف جهود سنوات طويلة من محاربة الإرهاب، وإعادة الأمن والاستقرار إلى مناطق الجنوب».
وفهمت تصريحات أويحيى وقتها بأن الدولة لا تعول على «السياحة الصحراوية» في «استراتيجية تنويع الاقتصاد». كما فسر قطاع من المراقبين هذا الكلام بأن تهديدات الإرهاب في الجنوب حقيقية، وتشكل مصدر قلق للسلطات، وبالتالي فالخطاب الذي يردده المسؤولون الحكوميون بشأن «استئصال شأفة الإرهاب نهائيا»، لا يعدو أن يكون كلاما «للاستهلاك الإعلامي».
وقال بدوي أمس خلال لقاء كبير مع أعيان تمنراست، وجلهم من الطوارق الأمازيغ، إن تصريحات رئيس الوزراء «ربما لم تفهم بمعناها ومغزاها الصحيحين... وأؤكد لكم مرة أخرى أن قطاع السياحة في جنوبنا الكبير، وخاصة تمنراست، يعد أولوية الأولويات بالنسبة للحكومة، وهذا من منطلق تعليمات الرئيس بهذا الخصوص، وسوف نسعى في إطار العمل الحكومي إلى أن نقدم تسهيلات للعاملين في القطاع بغرض تطويره».
وتعهد الوزير بـ«اتخاذ كل الإجراءات الميدانية لإعادة الحياة للسياحة في تمنراست والجنوب، وأنا على استعداد مع زميلي وزير السياحة لبحث كل مقترحات الناشطين في السياحة». مشددا على أن الجزائر «محاطة بظروف غير عادية تجري في جوارنا (أحداث أمنية بليبيا ومالي)، وتركت آثارا سلبية للغاية على معيشة سكان الجانب واقتصاد المنطقة بشكل عام». وتابع الوزير موضحا أن الجيش المرابط على الحدود «يسهر على أمن المنطقة وسكانها، وعلى استعداد دائم للتصدي للتهديدات والمخاطر، أيا كان مصدرها»، في إشارة إلى نشاط جماعات متطرفة ومهربي السلاح، وتجار المخدرات ومهربي الوقود وشبكات الهجرة غير الشرعية.
وعرفت السياحة في الجنوب عملا إرهابيا تسبب في ركودها. ففي عام 2003 خطف القيادي الجزائري المتطرف عماري صايفي 32 سائحا أوروبيا بتمنراست، أفرج عنهم بعد 20 يوما من الاحتجاز، مقابل فدية دفعتها حكومات الرهائن، قدرت بـ5 ملايين يورو. وقتلت سائحة في فترة الاحتجاز متأثرة بضربة شمس.
وأطلق نواب يمثلون ولايات الجنوب «عريضة احتجاج»، سلموها إلى وسائل الإعلام، جاء فيها أن «موقفكم سيدي رئيس الوزراء بشأن تأثير الإرهاب على السياحة يتعارض مع الحقيقة. فأنتم تنسفون مجهودات أفراد الجيش ومختلف فصائل الأمن المرابطين في الحدود، دفاعا عن أمن البلاد ضد مخاطر الإرهاب»، في إشارة إلى تقارير يومية لوزارة الدفاع، تتناول «التصدي لمحاولات إرهابيين التسلل عبر حدودنا الجنوبية»، وأخبارا كثيرة عن قتل متطرفين، وآخرين سلموا أنفسهم للسلطات العسكرية. وفي الغالب تقع هذه الأحداث في الولايات التي انتخب بها هؤلاء البرلمانيون، وعددها خمسة، أكبرها وأهمها تمنراست.