لوائح انتخابية تُموّل بالتبرعات وأخرى تستقطب أثرياء الاغتراب

باسيل فرض ما بين 5 و10 ملايين دولار لقاء انضمام المقتدرين إلى لوائحه

لافتات المرشحين والقوائم في بيروت قبل أسبوعين على الانتخابات (إ.ب.أ)
لافتات المرشحين والقوائم في بيروت قبل أسبوعين على الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

لوائح انتخابية تُموّل بالتبرعات وأخرى تستقطب أثرياء الاغتراب

لافتات المرشحين والقوائم في بيروت قبل أسبوعين على الانتخابات (إ.ب.أ)
لافتات المرشحين والقوائم في بيروت قبل أسبوعين على الانتخابات (إ.ب.أ)

لم تعد المعضلة الانتخابية بالنسبة للأحزاب والتيارات السياسية اللبنانية، مقتصرة على اختيار المرشحين من محازبين وحلفاء، بقدر ما باتت تكمن في تأمين التمويل المالي للوائح الانتخابية، في ظلّ عاملين أساسيين، الأول هو السقف المالي المرتفع الذي فرضه القانون الجديد، والثاني غياب التمويل الخارجي لمعظم الأحزاب كما كان يحصل في السابق، باستثناء «حزب الله» الذي يعترف بتدفّق أمواله من إيران بشكلٍ دائم ومستمرّ.
هذا الواقع الجديد أتاح لرجال الأعمال والأثرياء الدخول إلى جنّة اللوائح الرئيسية، أو ما يعرف بـ«لوائح السلطة»، التي تتوق لاستقطاب هؤلاء المتولين طمعاً بمساهمتهم في تمويل مصاريفها الانتخابية، في حين أن اللوائح التي لا تتمتّع بثقل سياسي لا تستهوي الأثرياء، لأنها لا تؤمن حاصلاً انتخابياً لهم، يمنحهم فرصة الوصول إلى الندوة البرلمانية، وتتقاطع مع قدرتهم على شراء بضع آلاف الأصوات التفضيلية بمبالغ مرتفعة، طالما أن القانون وفّر لهم تغطية إنفاق عالٍ لا ينعم به مرشحو اللوائح الأخرى.
وإذا كان لدى بعض المرشحين أو رؤساء اللوائح اكتفاء ذاتي لدعم حملاتهم بقدرات ذاتية، مثل رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي في طرابلس، ورجل الأعمال فؤاد مخزومي في بيروت الثانية، فإن الأحزاب الكبرى تعاني معضلة حقيقية، مثل التيار الوطني الحرّ الذي يخوض معركته بلوائح في كلّ لبنان، ويعتبر أن «المعركة موجعة على الصعيد المالي بسبب أكلافها العالية». ويؤكد الوزير الأسبق ماريو عون المرشّح على لائحة التيار في دائرة الشوف -عاليه، أن الحملات الانتخابية «تصرف من اللحم الحيّ، ومن جيوب المرشحين أنفسهم»، نافياً «أي تمويل خارجي للتيار في هذا الاستحقاق».
وأشار عون إلى أن تياره «جمع بعض الأموال قبل الانتخابات، من خلال العشاء السنوي الذي يقيمه، والمناسبات والندوات التي تحصل فيها تبرعات يوظّف التيار إيراداتها في الانتخابات». وقال القيادي في «الوطني الحرّ»، إن التيار «طلب من كلّ مرشّح تأمين مبلغ معين، يصرف المرشّح نصفه على حملته الخاصة، مثل فتح المكاتب الانتخابية وتعيين مندوبين وتأمين سيارات لنقل الناخبين إلى صناديق الاقتراع، والنصف الآخر يذهب للماكينة الانتخابية في التيار، التي تتولى طبع الصور والترويج للمرشحين عبر دعايات انتخابية، في الإعلام وعبر اللوحات الإعلانية في الطرقات»، مشيراً إلى أن بعض المرشحين لديهم أصدقاء ومعارف شخصيون، وربما تأتيهم تبرعات خاصّة».
هذه المعلومات ناقضتها مصادر معارضة للتيار، حيث كشفت لـ«الشرق الأوسط»، أن رئيس التيار الوزير جبران باسيل «فرض مبالغ عالية تتراوح بين 5 و10 ملايين دولار، سددها المرشحون الأثرياء لقاء انضمامهم إلى لوائحه». وأعطت المصادر مثالاً على ذلك مرشحين في الشوف، وفي زحلة، وفي المتن، وفي كسروان، وفي البقاع الغربي وغيرها.
بدوره اعترف ماريو عون بـ«وجود مرشحين متمولين في بعض لوائح التيار»، لكن لفت إلى أن هؤلاء «يمولون حملاتهم الشخصية، وبالتأكيد لديهم القدرة على صرف مبالغ أكبر بكثير مما يصرفها زملاؤهم في نفس اللائحة»، مؤكداً أن «لا صحة لما يروّح عن تقاضي التيار خمسة ملايين دولار أو أكثر من كلّ متموّل، نظير قبول ترشيحه على لوائح التيار».
أما حزب «القوات اللبنانية» فيدير حملاته الانتخابية بمصادر تمويل خاصّة، ويؤكد رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية» شارل جبور لـ«الشرق الأوسط»، أن حزبه «بدأ التحضير لهذه الانتخابات، منذ أبرمت التسوية السياسية وجرى انتخاب رئيس للجمهورية، والتأكد من أن الانتخابات باتت حتمية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا قطاع اغترابي نشيط جداً، وهو يشكّل المتنفس المالي، وهذا القطاع ينظر إلى الانتخابات كمسألة حيوية تستدعي تمويلاً كبيراً، وقد بدأ هذا القطاع مساهماته واستنفار كل طاقاته لدعم الحزب مادياً ومعنوياً ولوجيستياً لإنجاح هذا الاستحقاق».
وسبق لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أن قام بجولة خارجية على عدد من الدول الخليجية والغربية، والتقى بالجاليات الموالية للحزب وحثّهم على المشاركة بفاعلية في الانتخابات. وأضاف شارل جبور: «لدينا جسم اغترابي فاعل جداً، وتمكنّا خلال سنتين أن نؤمن سقفاً مالياً مقبولاً يتناسب مع حملتنا الانتخابية التي تقتصر على محطة تلفزيونية واحدة (MTV)، وصور ولوحات إعلانية محددة، ونحن نتحرّك ضمن هذا السقف المضبوط إلى أقصى الحدود»، معتبراً أن «المغتربين المساهمين بتمويل حملة القوات هم محازبون ومناضلون يؤمنون بقضيتنا ومشروعنا السياسي، وهم العمود الفقري للقوات اللبنانية، ويعتبرون تبرّعهم واجبا نضاليا».
ويبدو أن وضع «القوات» يتطابق مع وضع حركة «أمل» التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، إذ شدد قيادي في «أمل» على أن «مصادر تمويل الحركة يأتي عبر تبرّعات داخلية وخارجية». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «كلفة الانتخابات محدودة وشبه ثابتة، وليس لدينا برنامج إعلانات مكثّف كباقي الأحزاب، وهذا ما يخفف عن كاهل القائمة جزءاً كبيراً من الأكلاف»، مشيراً إلى وجود «عدد كبير من المرشحين على لوائح (أمل) ليسوا محازبين إنما حلفاء وأصدقاء، مثل النائب ياسين جابر في النبطية، وأنور الخليل في حاصبيا - مرجعيون، والنواب قاسم هاشم وأسعد حردان وميشال موسى، وكلّ عضو في لوائح (أمل) ساهم بجزء كبير من مصاريف الحملة، وقدّم مبلغاً مقطوعاً إلى الماكينة الانتخابية». وأكد القيادي الذي رفض ذكر اسمه، على وجود «مئات الأصدقاء في الداخل والخارج من المؤيدين سياسيا لـ(أمل)، وأصدقاء للرئيس نبيه بري، خصوصاً من أبناء الجالية اللبنانية في أفريقيا»، نافياً «تلقي الحركة مال سياسي من أي دول خارجية».
ويعتمد تيّار «المستقبل» على تمويل حملات لوائحه بقدراته الذاتية، ومن إيرادات المؤسسات التابعة للتيار، ومن رئيس الحكومة سعد الحريري شخصياً، وفق ما أكد مسؤول في ماكينة «المستقبل» الانتخابية لـ«الشرق الأوسط»، الذي أشار إلى أن التيار «قلّص نفقاته الانتخابية إلى حدّ كبير مقارنة مع الدورات الماضية»، مشيراً إلى أن «كلّ المرشحين يساهمون بمصاريف حملاتهم الانتخابية، مثل الدعاية الانتخابية والمكاتب وأجور المندوبين»، معترفاً بأن «مساهمات المرشحين الأثرياء على لوائح التيار، لا تتعدى سقف الإنفاق المعقول، بمعنى أن لا أحد يدفع الأموال لشراء الأصوات، لأن المؤمن بتيار (المستقبل) سينتخب مرشحيه».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.