«في اللحظة التي تطأ فيها قدمي أرض مدينة دهب، أشعر بأنني ألقيت وراء ظهري مسؤولياتي ومتاعبي»، تقول منى الشاعر، التي تعمل بمجال البرمجيات، بسعادة كبيرة، وتروى لـ«الشرق الأوسط» أنها منذ 5 سنوات كانت زيارتها الأولى لمدينة دهب، بمحافظة جنوب سيناء، وتضيف: «منذ ذلك الوقت، وقعت في غرامها، وأصبحت مكاني المفضل للاسترخاء وقضاء وقت لا ينسى، يكفي أن أجلس أمام البحر بسحره ومياهه الفيروزية الجميلة، ومن خلفي الجبال الشاهقة».
يشيع في أوساط سكانها أنها سميت دهب لأن لون مياهها يصبح ذهبياً عند غروب الشمس، فيما يعتقد آخرون أن الأمر يعود إلى رمالها الصفراء التي تشبه لون الذهب.
وهي تقع على خليج العقبة، شمال البحر الأحمر، وجنوب شرقي شبه جزيرة سيناء، وتبعد نحو 100 كم شمال مدينة شرم الشيخ. وقد كانت في البداية قرية صغيرة لصيادي السمك، إلى أن انتبهت إليها الحكومة المصرية لأهميتها السياحية منذ نحو 30 عاماً، فشيدت فنادق وقرى سياحية.
وسواء أكنت عاشقاً للهدوء والاسترخاء أو من محبي المغامرات، مثل القيام برحلات السفاري داخل الجبال، أو ممارسة الغطس والرياضات المائية، مثل ركوب الأمواج والمراكب الشرعية، فإن دهب ستكون الاختيار الأفضل لك.
وعلى الرغم من سحر هذه المدينة، فإنها لم تكن تتمتع بالشهرة السياحية نفسها مقارنة بغيرها. وقد يكون بُعدها نسبياً سبباً في ذلك، بالإضافة لعدم وجود اهتمام إعلامي بها. وكانت معظم الرحلات إليها قاصرة على السائحين الموجودين بمدينة شرم الشيخ، بحُكم أن المسافة بين المدينتين لا تتعدى ساعة واحدة بالسيارة. ولكن تغير الأمر في السنوات الأخيرة، وأصبحت حاضرة بقوة على الخريطة السياحية، المحلية والعالمية على حد سواء. فكثير من شركات السياحة المصرية تحرص حالياً على تنظيم رحلات إليها، وتجذب فئات كثيرة من المصريين، خصوصاً أنها تعتبر الأرخص سعراً مقارنة ببعض المدن السياحية الأخرى داخل مصر.
يقول محمد صدقي، مؤسس إحدى الشركات المتخصصة في تنظيم الرحلات السياحية داخل مصر: «منذ البدء في نشاطنا بتنظيم الرحلات السياحية، كانت دهب وجهة أساسية لنا، نظراً لاحتضانها أماكن ساحرة. ولكن الميزة الأهم - برأيي - أنها مدينة بسيطة، سواء في أسلوب الحياة أو دفء أهلها، وهو ما يجعلها مختلفة عن باقي المدن السياحية المجاورة، مثل شرم الشيخ أو الغردقة أو مرسى علم»، ويضيف أن «الله حبا دهب بطبيعة ساحرة لا تحتاج لأي تدخل أو تجميل، وكل ما ينقصها هو تطوير البنية التحتية، فهي لا تزال تعاني مثلاً من ملوحة المياه، وتحتاج إلى تدخل الدولة لمعالجة هذه المشكلة».
طرق الوصول
للوصول إلى مدينة دهب، هناك عدة خيارات: إذا أردت السفر بالطريق البري من القاهرة، يمكنك أن تستقل إحدى الحافلات، على شرط أن تكون مستعداً لطريق طويل يتجاوز 700 كم. فالحافلة تمر عبر مدن: السويس - رأس سدر - الطور - شرم الشيخ، مروراً بنفق الشهيد أحمد حمدي، أسفل قناة السويس. وتستغرق الرحلة في المعدلات الطبيعية نحو 8 ساعات، ولكن نظراً للظروف الأمنية التي تمر بها سيناء حالياً، يزداد عدد ساعات السفر. ويمكنك أيضاً السفر بالطائرة إلى مدينة شرم الشيخ، ومنها إلى دهب، إذ إن الطريق بين المدينتين لا يتجاوز ساعة واحدة فقط.
أهم مناطق الجذب
«لا يمكن لأحد أن يأتي لدهب دون زيارة البلو هول»، تقول «هالة محمد» التي تعمل مدرسة لغة عربية، وتعد هذه زيارتها الثانية لدهب، وتضيف: «إنها أحد أجمل وأفضل أماكن الغطس في العالم، حيث يمكن مشاهدة مجموعة نادرة من الأسماك مختلفة الأنواع والأشكال، بالإضافة للشعاب المرجانية الفريدة».
وتمتلئ منطقة البلو هول بالسائحين من جنسيات كثيرة، خصوصاً من روسيا والصين، بالإضافة للمصريين، ولكن لا بد من توخي الحرص عند ممارسة رياضة الغطس، إذا لم تكن محترفاً. ففي هذه الحالة، يجب الاكتفاء بمشاهدة الشعاب المرجانية، دون محاولة الوصول لأعماق بعيدة، خصوصاً أن كثيراً من هواة المغامرة، والذين حاولوا تحطيم الأرقام القياسية في الغوص، تعرضوا للوفاة. ولتخليد ذكرى هؤلاء المغامرين، ستجد على الجبل الموازي للبلو هول اسم كل مغامر توفي فيها، وتاريخ مغامرته.
وليس البلو هول فقط المكان المناسب لمحبي الغطس، فهناك أيضاً الثري بولز، وهى من المحميات الطبيعية، وتحتضن 3 حمامات سباحة طبيعية وسط المياه، كونتها الصخور والشعب المرجانية. وتعد من أفضل أماكن الغطس للمبتدئين. وإذا كنت ترغب في رحلات السفاري، فيمكنك استخدام البيتش باجي، والذهاب لأحد الوديان القريبة من المحمية. ويُفضل أن تكون رحلات السفاري عند شروق أو غروب الشمس، حيث تنتشر أشعة الشمس على الرمال، فتكسوها بألوان رائعة. ويمكن أيضاً القيام برحلة سفاري عن طريق ركوب الجمال والخيول، والتقاط صور رائعة في هذا المكان الساحر.
وتتميز دهب كذلك بكثير من الجلسات البدوية المحيطة بالمكان، حيث يمكنك تناول الشاي البدوي، بالإضافة لأنواع متعددة من المأكولات والمشروبات المحلية.
أما إذا أردت الابتعاد بشكل كامل عن حياة المدينة الصاخبة، فلا بد من زيارة محمية رأس أبو جالوم، فهي تمنح تجربة فريدة، من حيث طبيعتها الخلابة وحياتها البدوية. فلا يوجد بها شبكة إنترنت أو اتصالات، بالإضافة لعدم وجود خدمة الكهرباء، إلا من مولد كهربائي يعمل لساعات قليلة، وهذا يعني أن المنطقة تجتذب من يريد العودة إلى الحياة البسيطة، مع القيام بنشاطات رياضية مثل الغطس وتسلق الصخور. والوصول إليها أيضاً مغامرة تتم إما بالجمال أو سيراً على الأقدام، مع تسلق الجبال في طريق يبلغ طوله 8 كيلومترات. وكل هذا يحتاج إلى لياقة بدنية عالية.
وتعتمد الإقامة في أبو جالوم على التخييم، فليس بها فنادق أو شاليهات أو ما شابه. ولأن دهب غنية بالأماكن السياحية التي تستحق الزيارة، تحتاج إلى أكثر من يوم واحد. وإذا توفر الوقت، يمكن زيارة «وادي جني»، وهو عبارة عن واحة صغيرة في حضن الجبل، للاستمتاع بتجربة رياضة تسلق الصخور. ومنطقة لاجونا، في المقابل، تضم عدداً من الفنادق ومراكز الغوص، إضافة إلى الشاطئ الرملي الوحيد بالمدينة. وهناك أيضاً «لايت هاوس»، التي تتمتع بمجموعة من أجمل الشعاب المرجانية، بالإضافة إلى الكائنات البحرية المختلفة الأشكال والألوان.
أما إذا كنت من عاشقي رياضة ركوب الأمواج والمراكب الشرعية، فأمامك فرصة كبيرة لممارسة رياضتك المفضلة في دهب، حيث إن قوة وسرعة الرياح التي تهب فيها، مع وجود الجبال التي تحيط بها من جهات كثيرة، تجعلها من أفضل الأماكن لركوب الأمواج على الألواح والمراكب الشراعية. ولا تقتصر الأنشطة التي يمكن القيام بها في دهب على الرياضات المائية أو مغامرات تسلق الجبال وغيرها، فمحبو التسوق والجلوس في المقاهي وحضور الحفلات، أمامهم الكثير من الخيارات. في قلب المدينة، يوجد الممشى السياحي، الذي يضم عشرات المقاهي التي تغلب عليها الديكورات الخشبية والألوان المبهجة وتطل على البحر مباشرة.
ويوجد بالممشى أيضاً كثير من البازارات التي تُوفر كل ما يحتاجه السائح، بدءاً من الملابس البدوية والحقائب إلى الهدايا والأنتيكات والمشغولات الفنية والتحف، مروراً بالأعشاب والتوابل والبهارات.
الفنادق والشاليهات
تتمتع ذهب بوجود عشرات الفنادق التي تناسب جميع المستويات. وأغلبها يتميز بمواقعه الاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر وجبال سيناء، وبعضها على خليج العقبة. وإذا قمت بجولة بين مواقع حجز الفنادق على الإنترنت، فستجد أن معظم تعليقات الزائرين إيجابية، تشيد بالفنادق والخدمات المقدمة، بالإضافة للأسعار الجيدة التي تناسب أصحاب الميزانيات المنخفضة.