رغم ارتياحهم حاليا لوجود البيشمركة.. سكان كركوك يتسلحون

(«الشرق الأوسط») تستطلع أجواء المدينة التي تضم نسيجا عرقيا ودينيا ومذهبيا غنيا

اللواء في الجيش العراقي السابق «أبو يوسف» يقضي وقتا هادئا مع عائلته  وسط أنقاض قلعة كركوك («الشرق الأوسط»)
اللواء في الجيش العراقي السابق «أبو يوسف» يقضي وقتا هادئا مع عائلته وسط أنقاض قلعة كركوك («الشرق الأوسط»)
TT

رغم ارتياحهم حاليا لوجود البيشمركة.. سكان كركوك يتسلحون

اللواء في الجيش العراقي السابق «أبو يوسف» يقضي وقتا هادئا مع عائلته  وسط أنقاض قلعة كركوك («الشرق الأوسط»)
اللواء في الجيش العراقي السابق «أبو يوسف» يقضي وقتا هادئا مع عائلته وسط أنقاض قلعة كركوك («الشرق الأوسط»)

وسط حالة الخراب المتداعية وبقايا مدينة الأشباح للمجتمعات التي هجرها سكانها منذ وقت طويل، تقف قلعة كركوك القديمة لتتلو علينا ما يمكن أن يجري في مستقبل العراق القريب بنفس الإتقان الذي تشرح به ماضي المدينة العريق.
عبرنا نقطة التفتيش عند مدخل القلعة قبل غروب الشمس بساعة، وتمهلنا المسير وسط الحشائش النامية وبقايا الأسلاك الشائكة المتناثرة. لقد كانت هذه الأطلال الخاوية مجتمعا عامرا، كان نموذجا مصغرا لمدينة كركوك الكبيرة حيث تجمع الناس من كل الأديان وعاشوا وعملوا معا، حيث يمكنك العثور على قبور أنبياء اليهود تحت قباب المسجد الخضراء.
أجلى صدام حسين السكان من منازلهم وحول القلعة إلى قاعدة عسكرية. وعقب سقوطه في عام 2003، احتشد الناس عائدين إليها للتنزه والاستلقاء تحت أشعة شمس الربيع المهيبة، غير أن حالة الإنعاش تلك كانت وجيزة، وسرعان ما اختبأت خلف حاجز النسيان. بوقوع العراق فريسة لكوابيس الطائفية، صار المشي في شوارع كركوك أشبه ما يكون بلعبة الموت الروسية الشهيرة. لم يبق إلا مقيم واحد فقط في تلك القلعة العريقة - وهو رجل عنيد يبلغ من العمر أرذله يرفض المغادرة على الرغم من انهيار منزله أمام عينيه.
كركوك هي مدينة يجتمع فيها نسيج غني من الأديان والأعراق العراقية. ولا تشكل مجموعة واحدة الأغلبية في هذه المدينة - فهناك المسيحيون والأكراد، والسنة والشيعة، والتركمان والعرب، يعيشون كلهم معا في مكان واحد. وتعتبر كركوك كذلك مركزا لصناعة النفط في البلاد. وقد جعل هذان العنصران من كركوك نقطة الخلاف الرئيسة ضمن المفاوضات بين حكومة إقليم كردستان وبغداد. إذ يزعم الأكراد أن كركوك هي مركزهم التاريخي في العراق ويرغبون في ضمها إلى إقليمهم. بينما ظلت بغداد ترفض التنازل عنها إليهم.
لكن ما يدعو للاستغراب والسخرية أن الهجوم الذي يقوده مسلحو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وكذلك البعثيون السابقون، قد وهبت أحداثه كركوك إلى الأكراد. فعندما وصلت أنباء سقوط الموصل إلى آذان القوات العراقية الرابضة في المدينة، تخلوا عن أسلحتهم وفروا هاربين. ودخلت قوات البيشمركة - وهي الميليشيات الكردية الأصلية التابعة لحكومة إقليم كردستان - لتحل محلهم وتملأ الفراغ الذي خلفوه.
«إقليم داعش» يبدأ على مسافة 30 ميلا إلى الجنوب من كركوك على الطريق الواصل إلى تكريت. وتبلور خط المواجهة بين مسلحي التنظيم والبيشمركة إلى كيلومتر واحد خلال أقل من أسبوعين على الحدود بين الدولتين الجديدتين الفعليتين. ويقول جنود البيشمركة، المرابطون في قاعدة خانقين بالقرب من خط المواجهة في جلولاء عند الجنوب الشرقي من إقليم كردستان، إنهم يدافعون عن أراضيهم بمنتهى الفخر والإصرار. ويقول دابان، وهو مقاتل بعينين زرقاوين ثاقبتين ويتمتع بسمعة طيبة بين أقرانه لمهارته في استخدام سلاح الدوشكا «إنني سعيد من أجل القتال لأنها المرة الأولى التي تكون لنا فيها حدود ندافع عنها في تاريخنا».
إن من العسير اعتبار «داعش» جارا صديقا للأكراد، وخلال الأسبوعين الماضيين وقعت اشتباكات مستمرة بين الجانبين على طول الحدود الجديدة. ورغم ذلك، يقول الكثير من الناس إنهم يشعرون بقدر من الأمان الآن أكثر مما كان عليه الأمر قبل الأزمة. ويقول فرحات، وهو أحد سكان كركوك «قبل أن تسيطر قوات البيشمركة على كركوك كانت هناك حادثتان أو ثلاث حوادث إرهابية في كل أسبوع. كانت الانفجارات وعمليات الخطف، وكان الوضع غير آمن. لكن لم يحدث شيء مطلقا منذ أن سيطرت البيشمركة على المدينة. إن كركوك آمنة للغاية الآن».
لكن هناك دلائل على وجود توترات متفرقة. ففي ظهيرة يوم الجمعة وعقب فترة ليست بالطويلة من الصلاة، أشعل مجموعة من الرجال الغاضبين النار في صناديق القمامة على منتصف الطريق المؤدي إلى تكريت احتجاجا على أزمة الوقود المتزايدة في المدينة. وسمع إطلاق الأعيرة النارية. وفي قاعدة كركوك الجوية، وهي عبارة عن مجمع عسكري مهجور من قبل الجيش العراقي، قال لنا جنود البيشمركة الذين يحرسون المدخل إن كميات ضخمة من الأسلحة قد سرقت قبل وصولهم لتأمينها. وقد جرت استعادة بعض من هذه الأسلحة، وليس غالبيتها. وقد أخبرنا السكان المحليون في سوق السلاح شبه القانونية إن مدنيين يسلحون أنفسهم، تحسبا للأوضاع. وأخبرنا ضابط من جهاز الأمن الكردي (آسايش) اسمه هونر «إننا على يقين من أنهم يسلحون أنفسهم».
ويشعر سكان كركوك بالفخر جراء التنوع الذي يتميزون به، غير أنهم قلقون كذلك من الأخطار التي قد يجلبها مثل ذلك التنوع على العراق. وقد بدأت بعض الجماعات في المدينة بتسليح أنفسها ببطء ولكن بكل تأكيد. فقد أعلنت الجبهة التركمانية العراقية الأسبوع الماضي عن تشكيل ميليشيا جديدة في كركوك، وقالت إنهم سيقاتلون إذا ما رفضت قوات البيشمركة تسليم المدينة إلى الحكومة المركزية في بغداد. وعقب بضعة أيام نظم الصدريون مسيرة لهم في شوارع المدينة.
واجتمعت مجموعة من السكان التركمان في مقر الحزب الشيوعي التركماني بالمدينة لمناقشة المأزق الحرج الذي يمرون به. وقال حسن توران، نائب قائد الجبهة التركمانية العراقية «نعم إننا نثق بالبيشمركة، لكننا نريد قوات مشتركة لحماية المدينة. لقد استخدم الأكراد تنظيم (داعش) ذريعة للسيطرة على السلطة في كركوك».
لكن علي شكر عمر بياتلي، وهو رجل كبير في السن وذو قبعة أنيقة، كان أقل دبلوماسية حيث قال «دعوني أوضح لكم الأمر بطريقتي. كان هتلر السبب وراء قيام إسرائيل، فقد أباد اليهود، ثم جاءوا ليحكموا. وقد أباد العراق الأكراد، وقد جاءوا الآن ليحكمونا». ثم تدخل رجل ضخم يجلس على مقربة في الحوار قائلا «لا ينبغي علينا الخوض في التاريخ كثيرا»، قال ذلك مشيرا بإصبعه الذي تلتف حوله مسبحة خشبية طويلة، ثم أضاف «لكل منا تاريخه، لكن يجب علينا العيش معا في هذه المدينة».
كان التركمان في كركوك - وهو مجتمع يضم كلا من السنة والشيعة - يعيشون في حالة من السلام النسبي في تلك المدينة خلال السنوات الأخيرة. لكن الحظ لم يحالف بعض الجماعات الأخرى.
في منطقة أخرى بالمدينة، ارتدى الأب توما رداءه وسار عبر بوابة مدخل المدينة، ولوح بيديه في تحية ودية لاثنين من الحراس المسلحين الرابضين هناك، ثم قام بفتح باب كنيسته. وفي الوقت الذي أزاح فيه الستائر المخملية الثقيلة كشف عن محراب مزين بنصوص آرامية ومذبح ملون يقع في وسط المحراب. وتعتبر كنيسة القديس يوحنا المعمدان إحدى الكنائس الآشورية في كركوك. قال الأب توما «إن الكنيسة قد تعرضت للتهديد عدة مرات منذ سقوط صدام، وقد انفجرت عبوة ناسفة العام الماضي في كنيسة العائلة المقدسة. وإننا في انتظار ما سيحدث بعد ذلك». ويقول الأب توما إنه غير خائف من تحركات البيشمركة في المدينة - ربما بسبب أنه كان يعيش وسط انعدام الأمن والخوف لسنوات عديدة. وقال «شخصيا، أعتقد أن البيشمركة طيبون لأنهم سيدافعون عن المسيحيين. إنني خائف من تعرض الكنيسة للهجوم من قبل قوات (داعش)». لم يكن المسيحيون والمسلمون يخافون بعضهم بعضا في كركوك. فهناك في القلعة القديمة تقف آثار كنيسة آشورية قديمة بجانب مسجد النبي دانيال. وهما على مقربة بحيث يكادان يتلامسان.
«أبو يوسف» يمشي تحت أشعة الشمس الغاربة، وهو من العرب السنة في كركوك، في ساحة القلعة المهجورة مع زوجتيه وأطفالهم. اعتاد «أبو يوسف» المكوث هنا حينما كان ضابطا برتبة لواء في جيش صدام حسين. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يعود فيها منذ خمسة عشر عاما.
وبينما كان أبناؤه يركضون بين أنقاض القلعة، نظر حوله ولخص المعضلة العراقية في كلمات قليلة قائلا «إنني أفضل حكومة تمثل العراق ككل، ولكن لا وجود للأمن منذ عام 2003. لم تتفهم الولايات المتحدة ولا بريطانيا الوضع الحقيقي حين قامتا بالغزو. والدليل على ذلك هو ما تشاهدونه الآن في البلاد».



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».