الجديد في سيرة محمد أسد

محمد أسد
محمد أسد
TT

الجديد في سيرة محمد أسد

محمد أسد
محمد أسد

طاف المستشرق النمساوي ليوبولد فايس المعروف باسم محمد أسد بلدان الشرق الأدنى صحافياً سائحاً، وبعد إسلامه وعمره ستة وعشرون عاماً، قصد أداء الحجّ واستهوته الإقامة في المدينة المنوّرة ست سنوات، ضيفاً وصديقاً للملك عبد العزيز، وجال في قلب الجزيرة العربيّة قبل توحيدها، وقد أتقن العربية، وتزوّج من إحدى أسر حائل المقيمة في المدينة المنورة فتاةً أصبحت أم ولده الوحيد (طلال) الذي يعيش في أميركا حالياً، وألّف محمد أسد أجمل ما كتبه غربي عن الإسلام، ودفن عام 1992م في مقابر المسلمين في جنوب إسبانيا.
كانت ولادته مطلع القرن الماضي (1900م) في مدينة ليمبورغ (ليفو بالألمانية) من مقاطعة غاليسيا، في الإمبراطوريّة النمساويّة الهنغاريّة (المنهارة) والمدينة الآن جزء من أوكرانيا، حيث ولد واسمه الأساس ليوبولد فايس، وسط بيئة برغوازيّة ليبراليّة ميسورة، ذات جذور يهوديّة مهاجرة، وحاولت والدته أن تُعِدّه ليكون حاخاماً كبعض أصوله.
ومع بلوغه سن العشرين، قرّر فجأة أن يغادر فيينا مع أنه تأهّل للجنسيّة النمساويّة، وكانت عينه على برلين، فوجد المجتمع الألماني، في أعقاب الخروج من الحرب العالميّة الأولى، يعجّ بالتحوّلات الاقتصاديّة، وبالتجديدات السياسيّة والاجتماعيّة والإبداعيّة، وبالحياة البوهيميّة التي كانت تغمر حياة بعض أهل الفن والأدب من الشباب.
اكتشف في برلين، على مفارقاتها تلك، عالماً يناسب نفسيّته، مع الشعور بالاستقلاليّة الفرديّة، لكن ضيق الحال أدخله مؤقّتاً في عالم السينما، ثم في عالم الصحافة بوظيفة بسيطة خدمه الحظّ عبرها لأن يحرز سبقاً صحافياً، أهّله للتجوال أعواماً أربعة في بلدان الشرق الأدنى، بما فيها القدس التي كانت نقطة تحوّل في حياته، صقلت تجربته وصاغت مؤثرات تحوّلاته الفكريّة، فأعد تقارير صحافية عن الحياة فيها، وعن مجتمعات المدن الإسلاميّة، كالقاهرة وبغداد وحلب وإسطنبول وبلاد فارس وأفغانستان وغيرها، لصالح صحف نمساويّة وألمانية وسويسريّة وهولنديّة مشهورة، وخَصّ الجوانب السياسيّة والاجتماعيّة والدينية في تقاريره بكثير من الوصف والتحليل، حتى صارت عقيدته الجديدة، تسيطر على كل منافذ أفكاره بحلول عام 1926م الذي اعتنق فيه الإسلام واختار اسمه الجديد (محمد أسد) وصارت نوافذ ماضيه الأوروبي تنغلق تدريجيّاً.
أوقدت رحلاته المتعدّدة إلى بلاد الشرق الأدنى، التي فصّلها في كتابه البديع «الطريق إلى مكة» الصادر عام 1954م، جذوة البحث في خاطره عن منطلقات فكريَّة جديدة خارج الإطار الأوروبي، فتولّدت عنده فكرة التحوّل عن معتقده الأساس، واكتشاف فضائل الدين الإسلامي في البلدان التي زارها، والإفصاح عن مناهضة الحركة الصهيونيّة، والتعبير عن انتقاده لتجريد الفلسطينيّين العرب من حقوقهم الوطنيّة المشروعة.
خلال عام من اعتناقه الإسلام، أدّى مناسك الحج سنة 1927 بعد عامين من دخول الحجاز في الحكم السعودي، وقد قدّمه الأمير فيصل إلى الملك عبد العزيز، فحظي بثقته، وببناء صداقة وثيقة معه، وبلقائه يوميّاً، وقام بإعداد تقارير صحافية عن أوضاع البلاد.
وكانت زوجته الألمانية الأولى، إلسا تشايمان، التي سمّت نفسها لاحقاً عزيزة، وهي رسّامة تكبره باثنين وعشرين عاماً وتشاركه الأفكار نحو الشرق، توفيت في مكة المكرمة بمرض الملاريا، بعد أيام من أدائها وابنها من زواج سابق (هاينرش، ولاحقاً أحمد) موسم الحج مع محمد أسد، ثم ارتبط عام 1930 في المدينة المنوّرة بـ«منيرة بنت حسين الشمّري» التي أنجبت ابنهما الوحيد «طلال» وقد استمرّ زواجهما أكثر من عشرين عاماً، ثم انفصلا واستقرّت الأم في المدينة المنوّرة، حيث كان لها ثلاث أخوات من الأم، منهن مزنة والدة الاقتصادي المعروف د. عبد العزيز الدخيّل، وثلاثة إخوة من الأم أيضاً من أسرة السويدا المعروفة في حائل.
أما طلال محمد أسد المولود في المدينة المنوّرة عام 1932م فاكتسب الجنسيّة البريطانيّة (وفي رواية والباكستانيّة والأميركية)، وحصل من جامعة أكسفورد على الدكتوراه في علم الإنسان وأنثروبولوجيا الدين والثقافة، وكان خلال مرض والدته الأخير في الرياض عام 1398ه / 1978م ألقى محاضرات في جامعة الملك سعود، وعمل أستاذاً في جامعة هَل (في بريطانيا) وجامعتي نيويورك وجون هوبكنز، ويعيش حاليّاً في أميركا، وله إسهامات فكريّة في الدراسات المتعلقة بالإسلام والمسيحيّة، وجهود نشطة في دراسة العلمانية من خلال علم الإنسان، ومن مؤلّفاته «جينالوجيا الدين، وإنثروبولوجيا الإسلام، وتشكيلات العلمانيّة».
روى محمد أسد في كتابه «الطريق إلى مكة» تجربته في زيجاته، وتوسّع في وصف الرحلات والمخاطر التي واجهها في الصحاري والمناخات القاسية، واختياره دليلاً من حائل اسمه «زيد بن غانم الشمّري» كان التقاه، كما روى، في بادية الشام عام 1924م واستمرّ معه طيلة ترحاله، وقد ألف الأديب المعروف سعد بن خلف العفنان (المتوفّى في حائل عام 1433ه / 2012م) عن محمد أسد ودليله رواية واقعية بعنوان «اتفاق الأرواح» صدرت عام 1994م.
وعلى الرغم من صداقة محمد أسد مع الملك عبد العزيز وتقديم المشورة في القضايا الصحافية والسياسيّة، فإنه لم يكن يُعَدّ من المستشارين الرسميّين للملك، شأنه في ذلك شأن عبد الله فيلبي وأمين الريحاني والزركلي، والكتاب يحوي تفاصيل واسعة عن لقاءاته المتعدّدة بالملك في الرياض، والمهمات التي قام بها أثناء استقراره في المدينة المنورة، ومنها رحلة استطلاعيّة إلى نواحي الكويت كلّفه بها الملك لاستكشاف مصادر سلاح المتمرّدين عليه من الإخوان من البادية، ورحلة سياسيّة للقاء عمر المختار في ليبيا، كلّفه بها الزعيم الليبي أحمد السنوسي، المقيم آنذاك في المدينة المنوّرة.
وفي عام 1932م، رغب محمد أسد مواصلة رحلاته، ولا يُدرى ما إذا كان هذا هو السبب الحقيقي، أم كان هناك سبب آخر، فغادر وزوجته منيرة وابنهما طلال نحو القارة الهنديّة تلبيةً لدعوة من بعض مفكّريها، وقد اعتقلته السلطات البريطانيّة إبّان الحرب العالميّة الثانية لأنه كان يحمل جوازاً نمساويّاً، وكانت تلك السنوات فترة مجهولة من حياته.
وعقِب الإفراج عنه بعد ست سنوات من الاحتجاز، شهد ميلاد دولة باكستان، وأسهم فيه مع الشاعر والفيلسوف مؤسس فكرة باكستان محمد إقبال، ونال جنسيّتها وحمل جواز سفرها، وأصبح مندوبها في الأمم المتّحدة، وكان أنشأ في لاهور دار عرفات للنشر، أصدرت في عامي 1946 و1947م صحيفة «عرفات» وهي مجلة شهريّة نقديّة متخصّصة في الفكر الإسلامي، ضمّنها الكثير من أفكاره حول المبادئ الدستوريّة، كما نشرت كتابه الشهير «الإسلام في مفترق الطرق 1934م» لكن أحداً لم يقم بدراسة وافية عن المجلة.
وقد كرّر محمد أسد بعد ذلك زياراته للمملكة، والتقى الملك عبد العزيز ووزير الخارجيّة الأمير فيصل عام 1952م موفداً من الحكومة الباكستانيّة، وسبقت زيارتهُ الأخيرة وفاتَه ببضع سنوات، والتقى به في الطائف عدد من المثقفين، في ضيافة أحمد زكي يماني، على ما أظن.
ثم واصل محمد أسد في النصف الثاني من عمره، التنقّل بين أميركا والمغرب ولبنان وسويسرا وجبل طارق والبرتغال، واستقر في السنوات الخمس الأخيرة من حياته في بلدة ميخاس بجنوب إسبانيا، وبقي أهل هذه البلاد ورموزها وقادتها يُكنّون له المودّة، ومنهم الملك سلمان وعبد الله بلخير وصالح الحصيّن وعبد العزيز الرفاعي وأحمد زكي يماني، وغيرهم.
ويضمّ كتاب د.فندهاغر الأول الذي تُرجم عام 2011م وعنوانه: «محمد أسد ورحلاته إلى العالم العربي» رصداً وافياً لحياته وإنتاجه الفكري، وقد وصفه بأنه رجل مُجدّد شارك في تكوين فكر أمة الإسلام التي اختارها، بكثير من الكتب حول المجتمع والثقافة والدولة، وأظهر إمكانيّة تحقيق مجتمع متكامل يقوم على المبادئ الإنسانيّة.
وذكر د.فندهاغر أن زوجته الأميركيّة الأخيرة، بولا حميدة، التي كان قد تزوّجها عام 1952م بعد انفصاله من زوجته السعوديّة «أم طلال» بعد عِشْرة اثنين وعشرين عاماً، عملت بعد وفاته على كتابة القسم الثاني من سيرته عن الأربعين عاماً التي أمضياها معاً من 1952 إلى عام وفاته 1992م وعنوانها: «استراحة القلب» تضمّنت مجموعة من مقالاته بعنوان: «التفكّر»، لكنني لم أطّلع عليها.
ومن أبرز ما تضمّنه كتاب فندهاغر هذا، تتبّع المقالات التي كان محمد أسد ينشرها في الصحف الأوروبية في أثناء رحلاته المبكّرة في الشرق الأدنى، وتلك التي نشرها عقب اعتناقه الإسلام، وبخاصة في أثناء إقامته التي دامت ست سنوات في البلاد السعودية منذ عبوره وزوجته الأولى وابنها أحمد، البحر الأحمر قادمين من مصر بنيّة الحج، ووصلوا ميناء جدة في 29 مايو (أيار) 1927م فانبهر بأبنيتها ذات التصاميم الفريدة بمشربيّاتها الخشبيّة، ثم انتقل لوصف مظاهر حياة الرعاة البدويّة، من قبائل حرب وجهينة وعتيبة وبِلي، التي كانت تعيش في بوادي الحجاز وتُؤجّر ما تمتلكه من الجِمال لنقل الحجاج، وكان سعيداً بكل ما يُنسيه مظاهر الحياة الغربيّة ويفصله عنها.
* مقتطفات من محاضرة ألقاها الباحث السعودي يوم أمس في جامعة حائل



كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

كمال داود
كمال داود
TT

كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

كمال داود
كمال داود

تتويج كمال داود بجائزة «الغونكور»، وهي أبرز تكريم أدبي فرانكفوني على الإطلاق، لم يكن مفاجأة، فمنذ أشهر توقّعت عدة تقارير فوز الكاتب الجزائري بالجائزة المرموقة التي كان قد اقترب منها بشكل كبير بعد صدور روايته «مرسو التحقيق المضاد»، العمل الذي وضعه في دائرة الضوء في 2014 بعد أن نال استحسان النخب المثقفة حتى وُصف أسلوبه بـ«البارع والمميز» من قِبل منابر إعلامية مرموقة مثل «النيويورك تايمز».

في روايته الجديدة يُطلّ علينا الكاتب الجزائري بأسلوب أدبي مختلف بعيداً عن السرد الخيالي والأحاديث العفوية التي لمسناها في «مرسو»، فنصّ «الحوريات» مستوحى من الواقع وهو واقع مرّ كئيب، حيث اختار كمال داود تقليب المواجع والنبش في تاريخ الذكريات الدامية التي عاشها وطنه في حقبة التسعينات إبان ما سُمي بـ«العشرية السوداء»، فجاءت اللوحة سوداوية وكأن الجزائر أغنية حزينة وألم مزمن يسكن أعماق الكاتب.

كمال داود

الرواية تبدأ بمونولوج مطوّل لـ«فجر»، وهي فتاة في عقدها العشرين بقيت حبيسة ماضيها وحبالها الصوتية التي فقدتها بعد تعرضها لمحاولة ذبح. المونولوج يمر عبر مناجاة داخلية للجنين الذي تحمله، تخبره فيه عن معاناتها وذكرياتها وعن كفاحها من أجل التحرّر من سلطة الرجال. في الفقرة الثانية تقرر «فجر» العودة إلى مسقط رأسها بحثاً عن أشباحها وعن مبرر تنهي به حياة طفلتها حتى لا تولد في مجتمع ظالم، لتلتقي بعيسى بائع الكتب المتجوّل الذي يحمل جسده آثار الإرهاب وهوساً جنونياً بتوثيق مجازر العشرية السوداء بتواريخها وأماكن وقوعها وعدد ضحاياها. في رحلة العودة تغوص الرواية في جحيم الحرب الأهلية وذكريات الجرائم المروّعة، واضعة تحت أنظارنا مشاهد قاسية صعبة الاحتمال، كالمقطع الذي تستحضر فيه «فجر» ليلة الذبح الذي تعرضت له عائلتها، أو الفقرات التي تروي فيها شخصية «حمراء» ليلة اختطافها لتزوج قسراً وهي لا تزال طفلة. وهي نصوص لها وقعها النفسي إذا ما علمنا بأن الكاتب استوحى كتاباته من الأحداث الواقعية التي عاشها أثناء تغطيته مجازر تلك الحقبة الدامية في تاريخ الجزائر، بينما كان يعمل صحافياً في يومية «لوكوتديان دو أورون» أو أسبوعية وهران.

وأشاد كثير من الأوساط بالقيمة الأدبية للرواية. صحيفة لوموند وصفتها بـ«القوة المذهلة» و«الشاعرية الغامضة». وأشادت صحيفة «لوفيغارو» بالسرد القوي المشحون بالصور الشعرية الصادمة والعواطف الجيّاشة التي تعبّر عن حجم المعاناة. صحيفة «ليبيراسيون» كتبت أنها رواية «أساسية، ومفيدة وشجاعة، وإذا وضعنا جانباً كونها مثقلة بالرموز فإن طاقتها المذهلة تُغلف القراءة». وبالنسبة لصحيفة «سود ويست»، تصرّح بأن «الحوريات» «كتاب رائع وجميل وطموح وإنساني وسياسي للغاية» قبل أن تضيف أن «نفوذ (غاليمار) - دار النشر التي ينتمي إليها كمال داود - ودورها في وصول الرواية إلى التتويج ليس بالهيّن. على أن النقد لم يكن دائماً إيجابياً؛ حيث جاءت وجهات النظر متباينةً بخصوص القيمة الأدبية لرواية كمال داود، ففي قراءات نقدية سابقة لم تلقَ الدرجة نفسها من الاستحسان، فمنهم من عاب على الرواية اللجوء المفرط للرموز بدءاً بالأسماء: «حورية»، «فجر»، «شهرزاد»؛ إلى رمزية الأماكن كالقرية التي شهدت ذبح عائلتها والتي وصلت إليها «فجر» صبيحة عيد الأضحى بينما كان الأهالي يذبحون الأضاحي، حتى كتب أحد النقّاد أن ثقل الرموز سحق القصّة، كما أن تشبث الكاتب بسرد الأحداث الواقعية بتواريخها وأماكنها وعدد ضحاياها جعل القارئ يفقد الصلة بالأسلوب الروائي.

الكاتب استوحى روايته من الأحداث الواقعية التي عاشها أثناء تغطيته الصحافية لمجازر تلك الحقبة الدامية في تاريخ الجزائر

الصحافية والناقدة الأدبية نيلي كابريان من مجلة «لي زان كوريبتبل» وإن كانت قد رحّبت بوجود هذه الرواية وأهميتها، واجهت، كما تقول، مشكلة في «طريقة كتابتها غير المثيرة للاهتمام»: «لقد شعرت بالملل قليلاً بعد فترة من القراءة بسبب الكتابة التي طغى عليها الأسلوب الأكاديمي الفضفاض، فالروايات التي تبدأ بعنوان لا تنجح دائماً، وهو كتاب يهتم فعلاً بمعاناة النساء اللائي ليس لهن صوت، لكن من منظور أدبي، يبقى الأسلوب أكاديمياً منمّقاً، وهو ما جعلني لا أتحمس للاستمرار في القراءة». وبالنسبة للوران شالومو الكاتب والناقد الأدبي المستقل فإن رواية «الحوريات» نصّ شجاع ومُحرج في الوقت نفسه، شجاع لأنه يتعرض لموضوع سياسي حسّاس قد يعرّض صاحبه لمضايقات كبيرة، ولكن وبالرغم من نواياه الحسنة، فإن الكتاب يفتقر للدقة. ويضيف الكاتب: «لم أتعرف على كمال داود في هذا العمل، هو يدّعي أنه شخص آخر وهو ما أصابني بالحساسية، حتى نكاد نراه وهو يحاول تمرير قباقيبه الكبيرة لتبدو كنعال حمراء اللون. الكاتب ركّز في نقده على «السرد المظلم بشكل متصنّع وإرادي لإنتاج إحساس بالعمق، إضافة للجُمل الملتوية المُثقلة بلا داعٍ».

وفي موضوع نقدي آخر مخصّص لرواية «الحوريات» أشاد أرنو فيفيانت الإعلامي والناقد الأدبي بصحيفة «ليبيراسيون» بها واصفاً الرواية بأنها «كتاب (عظيم جداً). على الرغم من طوله (400 صفحة) وكثرة الرموز، فإن الأسلوب الاستعاري يجعل القراءة مذهلة، وهو وإن اقترب من (الغونكور) عام 2014 حين تصور كتابة أخرى لرواية ألبير كامو (الغريب)، فهو، وبعد عشر سنوات، يعود بهذه الرواية الجديدة محاولاً هذه المرة إعادة كتابة (الطاعون) الرواية الأخرى لكامو. ليس فقط لأن الأحداث تدور في مدينة وهران في كلتا الروايتين، ولكن أيضاً بسبب التغيير الذي حدث في أسلوب الكتابة والذي كان قد ميّز رواية (الطاعون) أيضاً».

إليزابيث فيليب الكاتبة الصحافية من مجلة «نوفيل أبسورفاتور» وصفت الرواية بالأساسية والشجاعة لأنها «تتعرض للظلم الذي تواجهه بعض النساء في المجتمعات المحافظة، وهي أساسية من حيث إنها تعطي صوتاً لمن حرم منه». لكنها تصف الرواية في الوقت نفسه بـ«المملّة». وهي تقول بأن تحفُّظها لا يخصّ الأسلوب المنمّق الذي تميزت به الرواية، بل البناء السردي، فـ«الكاتب يدرج القصص الواحدة تلو الأخرى في نوع من التشويش الزمني، محاولاً تبرير ذلك بالسرد الشعري، لكن النتيجة لا تسهّل عملية القراءة التي تصبح أشبه بالتمرين الشاق».