روحاني يتعهد برد فعل «غير متوقع» إذا انسحب ترمب من الاتفاق النووي

الرئيس الإيراني يتهم جهات داخلية بالوقوف وراء تأزم أسواق العملة

الرئيس الإيراني حسن روحاني يلقي خطاباً خلال مؤتمر تنسيقي أمام كبار المسؤولين  الحكوميين في طهران أمس (موقع الرئاسة الإيرانية)
الرئيس الإيراني حسن روحاني يلقي خطاباً خلال مؤتمر تنسيقي أمام كبار المسؤولين الحكوميين في طهران أمس (موقع الرئاسة الإيرانية)
TT

روحاني يتعهد برد فعل «غير متوقع» إذا انسحب ترمب من الاتفاق النووي

الرئيس الإيراني حسن روحاني يلقي خطاباً خلال مؤتمر تنسيقي أمام كبار المسؤولين  الحكوميين في طهران أمس (موقع الرئاسة الإيرانية)
الرئيس الإيراني حسن روحاني يلقي خطاباً خلال مؤتمر تنسيقي أمام كبار المسؤولين الحكوميين في طهران أمس (موقع الرئاسة الإيرانية)

بينما تعرض الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى انتقادات غير مسبوقة خلال الأيام القليلة الماضية، حاول من أمس مرة أخرى نقل الكرة إلى ملعب خصومه والدفاع عن أداء حكومته. خارجياً وجه رسالة إلى الأطراف المعنية بالاتفاق النووي معلنا جاهزية حكومته للرد على أي خطوة أميركية تنتهي بالخروج من الاتفاق النووي... داخلياً وجه أصابع الاتهام إلى أطراف وراء أزمة الدولار ومضايقة الإيرانيين على صعيد الحريات الاجتماعية وشبكات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن تجاهل الاحتجاجات الشعبية في مختلف مناطق البلاد.
وقال روحاني أمام حشد من المسؤولين الإيرانيين إن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية مستعدة بردود فعل «متوقعة وغير متوقعة» إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي متعدد الأطراف وأفادت «رويترز» نقلا عن وكالات إيرانية: «منظمة الطاقة الذرية لدينا مستعدة تماما... بتصرفات يتوقعونها وأخرى لا يتوقعونها» دون مزيد من التوضيح وفي إشارة إلى قرار يحتمل أن يتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر المقبل بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.
ويضع الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى قيودا على برنامج إيران النووي في مقابل تخفيف العقوبات.
ويصف ترمب هذا الاتفاق بأنه أحد أسوأ الاتفاقات التي جرى التفاوض بشأنها على الإطلاق. وفي يناير (كانون الثاني) منح ترمب بريطانيا وفرنسا وألمانيا مهلة، قائلا إن عليها الموافقة على إصلاح ما تراه الولايات المتحدة عيوبا في الاتفاق، وإلا فإنه لن يوافق على تمديد ما يتضمنه من تخفيف للعقوبات الأميركية.
في غضون ذلك، وجه روحاني تهما إلى أطراف في الداخل الإيراني بالوقوف وراء تفاقم أزمة الدولار. معتبرا قرار الحكومة بتوحيد سعر صرف الدولار «ضرب وقائية ضد أي قرار أميركي» وقال: «كانت ضربة وقائية ضد أي قرار أميركي في 12 مايو (أيار). كان جل أملهم... إحداث فوضى في سوق (العملة الصعبة). أعد الشعب بإجهاض مؤامرة العدو وسواء ظل الاتفاق النووي ساريا، أو حتى من دونه، فلن تكون لدينا أي مشكلة».
داخليا، حاول روحاني اللجوء إلى الأسلوب الذي أثار الغضب ضده بين قادة الأجهزة العسكرية في الأيام القليلة الماضية وقال ردا على تركيزهم على كلمة «العدو» يجب أن تكون إصلاح شؤون البلاد أولوية النظام الإيراني مضيفا «يجب ألا نشغل أنفسنا بالأعداء».
ودافع روحاني عن قرار البنك المركزي بإعلان توحيد سعر الريال الإيراني مقابل الدولار، لافتا إلى أن القرار كان يهدف إلى الحماية من انعدام الاستقرار في سوق العملة الصعبة إذا قررت واشنطن الخروج من الاتفاق النووي. وأوضح أنه ليس مقتنعا بأوضاع سوق العملات لكنه في الوقت نفسه اعتبر إجراءاته تحول دون «التهريب العملات» إلى خارج البلاد.
وفي التاسع من أبريل (نيسان) وحدت إيران بين سعر الصرف الرسمي للعملة وسعرها في السوق المفتوحة مع هبوط الريال إلى أدنى مستوياته على الإطلاق بفعل مخاوف من عودة العقوبات. لكن خبراء الاقتصاد في إيران يعتبرون احتمال خروج أميركا من الاتفاق النووي واحدة من جملة أسباب وراء الارتفاع المفاجئ لسعر الدولار.
رغم ذلك، فإن الأوساط المؤيدة لسياسات روحاني وجهت أصابع الاتهام في أزمة الدولار واختفائه من الأسواق الإيرانية إلى خروج العملة التابعة لمؤسسات «الحرس الثوري» الاقتصادية من الأسواق.
في هذا الصدد قال روحاني: «لم نتعهد بأن نوفر المال لكي يذهب البعض ويشتري عقارات خارج البلاد. قرارنا ينفع 80 مليونا إيرانيا. ربما لا يناسب البعض ولكننا نفكر بالأغلبية».
وكان الدولار ارتفع في غضون شهر إلى 6 آلاف تومان بعدما أثار تخطيه حاجز 5 آلاف تومان جدلا واسعا في إيران في بداية مارس (آذار) الماضي.
في جزء آخر من خطابه، انتقد روحاني تدخل الأجهزة الرقابية في الشؤون التنفيذية، مشيراً إلى تنحي مسؤولين في الدوائر الحكومية من مناصبهم نتيجة تخويفهم من قبل بعض المؤسسات. وطالب روحاني المسؤولين التابعين لإدارة عدم الاهتمام برسائل التهديد التي توجه إليهم من الأجهزة الأخرى. وقال أيضاً: «لا تكترثوا لبعض الرسائل والتهديدات. إذا كنتم تخافون الرد عليها أرسلوها إلي».
وكان روحاني يشير ضمنا إلى الجهاز القضائي وجهاز مخابرات «الحرس الثوري» الذي لاحق عددا من المسؤولين مؤخرا.
في شأن متصل، قال روحاني: «لدينا أعداء وحاقدون في المنطقة والعالم وبين القوى الكبرى لكن يجب ألا نشغل أنفسنا بالأعداء».
كما انتقد روحاني آلية بحث أهلية المسؤولين والمتقدمين للوظائف في المؤسسات الحكومية والعامة، مطالبا بتأكيد من إمكانية المتقدمين للوظائف في تقديم الخدمات إلى الناس بدلا من الأسئلة الشرعية.
انتقادات روحاني استهدفت ما اعتبره عدم تحرك المسؤولين بشكل فاعل للرد على احتجاجات شعبية متزايدة، لأسباب منها تعرضهم للتهديد من جانب قوى لم يسمها وفق ما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.
وانتشرت في الأسابيع القليلة الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات وتقارير عن احتجاجات كان من الصعب التأكد منها نظرا لأن وسائل الإعلام المحلية بالكاد قامت بتغطيتها، فيما الوصول إلى مناطق الاحتجاجات غير مسموح للصحافيين الأجانب.
وشملت احتجاجات الأحوازيين العرب ضد التمييز، واحتجاجات على إصلاحات إدارية في مدينة كازرون بمحافظة فارس لصالح القومية اللرية ضد القومية القشقائية واحتجاجات المزارعين على نقص المياه في محافظتي أصفهان ويزد.
وتظهر تلك التسجيلات على ما يبدو احتجاجات محلية تتوسع وتطلق مثلا شعار «عدونا هنا، وخطأ القول إن أميركا هي عدونا».
وقال روحاني في خطاب نقله التلفزيون الحكومي إن المسؤولين لا يتحركون ويبدو أنهم «نذروا الصمت». وتابع: «بما أن الناس ليس لديهم معلومات كافية... وبما أن الناس لا يرون خططا للمستقبل، قد يشعرون بالاستياء والغضب وينزلون إلى الشارع ويصرخون».
وأضاف: «(لكننا) قلما نخاطب الشعب. المسؤولون في حكومتنا نذروا الصمت. لا أعلم من الذي طلب منهم ذلك. لا أعلم ما الذي يخافون منه».
ومع أن روحاني لم يسم تلك الجهات، فإن الرئيس طالما تواجه مع الحرس الثوري القوي والقضاء الذي يهيمن عليه المحافظون، لدورهما الكبير في السياسة والاقتصاد.
وانتقد روحاني بشكل ضمني تعرض امرأة للضرب على يد قوات الشرطة تحت ذريعة سوء الحجاب. وقال: «البعض يقولون إن الوسيلة لنشر الفضيلة ومنع الرذيلة... هي بالنزول إلى الشارع والإمساك بالناس من أعناقهم» لافتا إلى أن «إن نشر الفضيلة لن ينجح عن طريق العنف».



عودة ترمب للبيت الأبيض... فرصة للحوار أم تهديد لإيران؟

ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)
ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)
TT

عودة ترمب للبيت الأبيض... فرصة للحوار أم تهديد لإيران؟

ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)
ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)

منذ فوزه في الانتخابات الرئاسية، تباينت آراء الخبراء والسياسيين الإيرانيين حول عودة دونالد ترمب للمكتب البيضاوي، وتأثيرها على إيران. ويراها البعض فرصة للتفاوض بناءً على ميول ترمب للحوار، بينما يرى آخرون أن عودة سياسة «الضغط الأقصى» بما فيها العقوبات الاقتصادية والخيار العسكري، لا تزال احتمالاً قائماً.

ويعتقد مؤيدو التفاوض المباشر مع واشنطن أن غياب إيران عن أولويات ترمب الأولى يمثل فرصة لتخفيف الضغوط وفتح باب للحوار، خصوصاً في ظل فتوى تحظر الأسلحة النووية في إيران.

في المقابل، يحذِّر منتقدو الحوار من «تغلغل» أميركي واستغلال التفاوض لفرض تنازلات، ويشيرون إلى انعدام الثقة وتجارب الماضي، بما في ذلك انسحاب ترمب من الاتفاق النووي.

وأشارت صحيفة «شرق» الإيرانية إلى «قلق» بين غالبية الخبراء، وقالت إن احتمالية عودة سياسة «الضغط الأقصى»، مثل تقليص صادرات النفط الإيراني، وتحريك آلية «سناب باك»، وعودة القرارات الأممية، وحتى احتمال اللجوء إلى الخيار العسكري، لا تزال قائمة.

وفي المقابل، هناك فئة ترى أن عودة ترمب قد تخلق فرصاً أكبر لإيران للتفاوض والوصول إلى اتفاق، نظراً لميول ترمب للتفاوض. وقال علي مطهري، نائب رئيس البرلمان الإيراني السابق، إن عودة ترمب قد تمثل فرصة وليس تهديداً لإيران، خصوصاً إذا أظهر ترمب رغبة في التفاوض.

ودعا مطهري إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع الحكومة الأميركية بدلاً من الاعتماد على الوسطاء؛ لأن «التجربة السابقة أظهرت أن المفاوضات غير المباشرة لم تحقق النتائج المرجوة».

ورأى أن «تطوُّر الوضع في منطقة الشرق الأوسط، مثل الاتفاقات مع روسيا ووقف إطلاق النار في غزة، يجعل إيران في موقع قوي للتفاوض من موقف متساوٍ مع الولايات المتحدة»، وأضاف: «في ظل الأوضاع الحالية أفضل قرار هو بدء المفاوضات».

ومن جهتها، تحدثت صحيفة «اعتماد» الإصلاحية عن جدار مرتفع من انعدام الثقة بين إدارة ترمب وطهران. وقالت: «كثيرون في إيران يترقبون أي ترمب سيواجهون؟»، في إشارة إلى «التوقعات المتباينة» حول كيفية تعامل ترمب مع إيران.

وقال الناشط الإصلاحي، محمد هاشمي رفسنجاني للصحيفة إن «برنامج حكومة ترمب ليس خوض صراعات مع إيران في الشرق الأوسط، بل السعي لحل القضايا العالقة مع طهران بأسرع وقت ممكن». وقال: «ترمب أعلن أنه إذا لم تمتلك إيران أسلحة نووية، فبإمكان البلدين بناء علاقات بناءة في مجالات أخرى. كما أن بناء الأسلحة النووية محظور في إيران وفقاً لفتوى القيادة، وإيران ليس لديها برنامج لتنفيذه».

ونقلت الصحيفة عن الناشط الإصلاحي محمد صادق جواد حصار قوله إنه «في حال التزم ترمب بتعهدات لتهدئة التوترات في منطقة الشرق الأوسط وإقامة علاقات بناءة مع إيران فإن ذلك سيؤثر إيجاباً في الساحتين السياسية والاقتصادية في إيران».

أما الناشط المحافظ، حسين كنعاني مقدم فقد قال للصحيفة إن «ترمب يعمل على تمهيد الطريق للاستفادة من القوى العالمية مثل الصين وروسيا، وكذلك القوى الإقليمية مثل إيران التي لها تأثير في المعادلات السياسية والإقليمية. بالنظر إلى حقيقة أن حكومة بزشكيان هي حكومة وفاق وطني، يبدو أن هناك إشارات تُرسل إلى أميركا مفادها أن إيران مستعدة للعمل على حل القضايا الإقليمية».

ويعتقد النائب السابق حشمت الله فلاحت بيشه، أن غياب إيران عن أوامر ترمب التنفيذية الأولى وسعيه للابتعاد عن الأزمات الإقليمية «مؤشر» على تراجع نفوذ المتشددين في واشنطن وإمكانية فتح قنوات للتفاوض، رغم توقعات بضغط اقتصادي محدود.

وأكد فلاحت بيشه في افتتاحية صحيفة «آرمان ملي»، غياب اسم إيران من أول أوامر تنفيذية وقَّعها ترمب في يومه الأول، وهو «مؤشر إيجابي»، وذلك بعد توقعات بأن تتضمن أوامره الأولى عقوبات على طهران.

وقال فلاحت بيشه الذي كان رئيساً للجنة الأمن القومي، إن إيران «ليست ضمن أولويات إدارة ترمب العشرين الأولى؛ إذ تتركز أغلب أولوياته على إدارة الشؤون الداخلية، وتحقيق وعوده الانتخابية».

وكتب: «عدم وجود إيران ضمن أولويات ترمب لا يُعد عاملاً سلبياً، بل قد يُشكل فرصة إيجابية، لو كانت إيران من أولوياته لكان من المحتمل أن تتحول إلى هدف تجريبي للرئيس الأميركي الجديد». وأضاف: «سعي ترمب للابتعاد عن الأزمات الإقليمية وعدم فرض ضغوط قصوى على إيران في أول يوم عمل له يُظهر تراجع نفوذ المتشددين، واحتمالية تقديم مقترح للتفاوض من قِبَل الولايات المتحدة، على الرغم من إمكانية بدء ضغوط اقتصادية محدودة».

من جهة أخرى، واصلت صحيفة «كيهان» الرسمية انتقاداتها لمسؤولين في حكومة مسعود بزشكيان بسبب تأييدهم التفاوض مع الولايات المتحدة. وقالت إن تصريحات الرئيس التي تحدث فيها بحذر عن المفاوضات مع أميركا «تتناقض مع أقوال نوابه ومستشاريه التي يترتب عليها عواقب للبلاد».

وكان مستشار الرئيس الإيراني علي عبد العلي زاده، قد قال نهاية الشهر الماضي، إن «مجموعة الحكم وصلت إلى قناعة بضرورة التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة».

وحذرت «كيهان» من «التسلل»، وقالت: «كثير من القلاع صمدت أمام الضربات القوية، لكن أبوابها فُتحت بيد عناصر خائنة ومتسللة». وهاجمت وسائل إعلام مؤيدة لمسعود بزشكيان قائلة إنها «تعد التفاوض مع أميركا الحل الوحيد لإنقاذ الاقتصاد».

وقالت: «إثبات ما إذا كانت أميركا مستعدة للالتزام بالتوافق أو لا، هل يكون بناءً على (التجربة الماضية) أو بناءً على وعد آخر من أميركا أو توقيع آخر مثل توقيع جون كيري على الاتفاق النووي؟! إذا كانت أميركا قد أثبتت استعدادها لعبد العلي زاده، فمن الأفضل أن يعرف الناس طريقة هذا الإثبات». وأشارت أيضاً إلى الشكوك التي أبداها مستشار بزشكيان في التوصل لاتفاق خلال شهرين إلى ثلاثة من المفاوضات، وحذر من «مراوغة» ترمب لإجبار طهران لتقدم التنازلات، ودفع «لتغيير القواعد تحت الطاولة»، وسخِرت صحيفة «كيهان» من ذلك قائلة: «من أين جاءك هذا الاعتقاد بشأن تحت الطاولة من أمريكا، أيها المستشار؟! لماذا تشك في أميركا وتزرع اليأس في نفوس الناس من الآن؟!».