ماكرون في «زيارة دولة» إلى واشنطن

كثيرة «لفتات» التكريم التي سيحظى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في زيارة الدولة من ثلاثة أيام التي يقوم بها إلى الولايات المتحدة الأميركية ابتداء من يوم الاثنين المقبل: إقامة في قصر الضيافة المخصص لكبار الزائرين المسمى «بلير هاوس». عشاء خاص يضم الرئيسين ترمب وماكرون وعقيلتيهما في «مونت فرنون»، المنزل الريفي للرئيس جورج واشنطن، بطل استقلال الولايات المتحدة الأميركية، وللمكان صلة بفرنسا، إذ إن المركيز لافاييت الذي ساعد الاستقلاليين الأميركيين زاره أكثر من مرة للقاء الرئيس جورج واشنطن. وفي اليوم التالي، سيكون ماكرون ووفده ضيوف الشرف في مأدبة العشاء الرسمية في البيت الأبيض بعد حفل تكريمي مماثل في مقر وزارة الخارجية بدعوة من نائب الرئيس مايك بنس.
وإضافة إلى المراسم العسكرية على شرف الرئيس الفرنسي، فإن الأخير سيكون له شرف إلقاء خطاب أمام الكونغرس الأميركي بمجلسيه (الشيوخ والنواب).
وحرصت أوساط الإليزيه في تقديمها للزيارة، أول من أمس، على الإشارة إلى أن الخطاب سيكون بالإنجليزية التي يجيدها ماكرون تماماً، وأنه سيدوم نحو نصف ساعة سيركز فيها الرئيس الفرنسي على العلاقات التاريخية بين البلدين اللذين لم يجدا نفسيهما قطّ في حالة حرب بعكس بريطانيا وألمانيا وإيطاليا.
وستكون للرئيس الفرنسي جلستا محادثات مع ترمب، وكذلك سيفعل الوزراء المرافقون (وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد). وكما في زياراته الرسمية، فقد نُظّمت للرئيس جلسة حوار مع طلاب من جامعة جورج واشنطن. كل هذا الاحتفاء بماكرون ليس إلا بمثابة «رد الجميل» للرئيس الفرنسي، الذي دعا نظيره الأميركي ليكون ضيف الشرف في يوليو (تموز) الماضي، بمناسبة احتفالات العيد الوطني والعرض العسكري التقليدي الذي يجري سنويّاً في جادة «الشانزلزيه».
ومنذ انتخابه، حرص ماكرون على أن يقيم «علاقة خاصة» مع ترمب. ورغم الخلافات بين البلدين حول كثير من الملفات الرئيسية (اتفاقية باريس للمناخ، سياسة ترمب الحمائية، النووي الإيراني، الحرب في سوريا، الملف الفلسطيني الإسرائيلي...)، فإن ماكرون حرص دوماً على الحفاظ على علاقة جيدة مع ترمب.
وجاءت العمليات العسكرية الثلاثية لتشد أواصر العلاقة بين الرجلين، ولتصور للرئيس الفرنسي أنه «قادر» على التأثير على نظيره الأميركي.
كثيرة الملفات التي سيبحثها الرئيسان ووزراؤهما. فمنها السياسي الأمني، كـ«الحرب على الإرهاب»، والمؤتمر الدولي الذي ستستضيفه باريس بدعوة من ماكرون، يومي الأربعاء والخميس المقبلين، والملف الإيراني والوضع في سوريا والعلاقات الغربية الروسية والأزمة في أوكرانيا ومستقبل الحلف الأطلسي. وهناك الملفات الاقتصادية التجارية، كالرسوم الإضافية التي قررت واشنطن فرضها أخيراً، وقمة الدول السبع الأكثر تصنيعاً في كندا الصيف المقبل، والعقوبات على روسيا، وغيرها من المسائل الخلافية بين باريس وواشنطن.
بيد أن الملفات السياسية ستكون الأبرز، خصوصاً أن وصول ماكرون إلى واشنطن يسبق بأيام قليلة قرارات أساسية سيتخذها ترمب، وعلى رأسها مستقبل الاتفاق النووي مع إيران. وينتظر أن يعلن ترمب في 12 مايو (أيار) المقبل ما إذا كانت واشنطن ستبقى داخل الاتفاق النووي أم ستنقضه. وكما جاء في عدد «الشرق الأوسط» ليوم أمس، فإن الجانب الفرنسي سيعيد التأكيد على تمسكه بالاتفاق المذكور مع التشديد على التقارب مع واشنطن في الملفين المتصلين، وهما البرامج الصاروخية الباليستية الإيرانية، وسياسة طهران الإقليمية حيث تلزم باريس موقفاً صارماً، ولا تتردد في الدعوة لفرض عقوبات على طهران بسببهما.
وأشارت مصادر رئاسية إلى اجتماعات بين فرق فنية أميركية أوروبية غرضها بلورة وثيقة تضم الضمانات التي تريد البلدان الأوروبية الثلاثة الموقِّعة على الاتفاق النووي (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) تقديمها للرئيس الأميركي إقناعه بالبقاء داخل الاتفاق.
ويريد الجانب الأوروبي أن تكون مقترحاته «جاهزة»، أواخر الشهر الحالي، ليتسنى للرئيس ترمب تفحصها والردّ عليها. ورغم أن باريس تبدو «متشائمة» بسبب المؤشرات المقلقة التي تصل إليها من الإدارة الأميركية ولا تتوقع إحداث «اختراق»، إلا أن مصادرها ترفض الخوض في «الخطة باء»، وكيفية التعاطي مع حالة الانسحاب الأميركي، خصوصاً أنه يتعين الأخذ بعين الاعتبار الموقف الإيراني وما ستفعله طهران.
وأفادت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» بأن طهران لن تعلن تخليها عن الاتفاق مباشرة في حال نقضته الإدارة الأميركية، بل إنها ستؤكد استمرار «التزامها» به، ما دامت الأطراف الأخرى الموقعة (الدول الأربع دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) تفعل الشيء نفسه وتعمل بمضمونه، بيد أن طهران تضيف شرطاً آخر هو أن يوفر هذا البقاء «المصلحة الوطنية» الإيرانية الذي يفتح الباب أمام تأويلات واسعة.
تريد باريس، بمعزل عن الخلافات مع واشنطن بشأن قضايا أساسية، «تعزيز» علاقاتها مع الجانب الأميركي، كما أنها تريد أن تبقى واشنطن «فاعلة» في الملفات الساخنة أكان ذلك في سوريا أم فلسطين أم الحرب على الإرهاب.
والقناعة الفرنسية على اعتبار أن «علاقات الثقة» مع واشنطن ستسهل على باريس التعاطي معها و«التأثير» عليها. ولا تخفي مصادر فرنسية أخرى أن باريس تريد أن تكون «الشريك والمحاور الأول» لواشنطن فيما الصديق التقليدي (بريطانيا) غارق في تتمات الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، كما أن القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا (ألمانيا) تعاني هي الأخرى من مشكلات داخلية فيما المستشارة ميركل خرجت «ضعيفة» من الانتخابات الأخيرة واستغرق تشكيل حكومتها ما يزيد على مائة يوم.