السعودية تشهد تغيرات كثيرة ومسؤوليتنا أن نتعامل معها بذكاء وتروٍّ

دردشة مع الأميرة نورة بنت فيصل آل سعود

السعودية تشهد تغيرات كثيرة ومسؤوليتنا أن نتعامل معها بذكاء وتروٍّ
TT

السعودية تشهد تغيرات كثيرة ومسؤوليتنا أن نتعامل معها بذكاء وتروٍّ

السعودية تشهد تغيرات كثيرة ومسؤوليتنا أن نتعامل معها بذكاء وتروٍّ

على هامش الأسبوع، كانت لـ«الشرق الأوسط» جلسة مصارحة مع الأميرة نورة بنت فيصل آل سعود، الرئيس الفخري لمجلس الموضة العربي تحدثت فيها عن التحديات والآمال المعقودة على الأسبوع وكانت هذه الحصيلة:
> كانت هناك انتقادات كثيرة من بعض وسائل الإعلام الأجنبية التي جاءت أصلا بأفكار مسبقة، هل تعتقدين أنه كان من الأفضل عدم استضافتها في أول محاولة لا تُعرف نتائجها؟
- لا أبدا، بالنسبة لي هذه لحظة تاريخية، أردنا أن يحضر الكل لمتابعتها وتلمسها عن قُرب. ثم إنه رغم بعض المشاكل مثل التأخير وغيرها، فإن كل شيء بعد ذلك مر بسلام وأنا متأكدة أن التجربة ككل كانت ناجحة ورائعة. ثم أنا أؤمن بأن البدايات تواجهها بعض المطبات أحيانا، المهم تجاوزها وتصحيح أي أخطاء. فكرة أن نخفي أخطاءنا عن العالم ونلمع أنفسنا قبل أن نستقبلهم لم تعد «موضة» إن صح القول. نحن في عصر الشفافية، وهذه لحظة لا يمكن وصفها سوى بالتاريخية. علينا أن نكون أهلا للتحدي لا سيما أننا مدعومون من قبل هيئة الترفيه السعودية، وهذا وحده يكفي لكي يعطينا قوة ورغبة في المثابرة... كل البلد يريد أن يتحقق هذا الأمر وأن ينجح.
> كيف تم اختيار المصممين المشاركين؟
- عرضت أربع مصممات سعوديات في هذا الأسبوع إضافة إلى مصممين أجانب وعرب، من لبنان ومصر ودبي والبرازيل وكازاخستان وباريس. لكن مجلس الموضة العربي يُعنى بـ22 بلدا عربيا وأنا كرئيسة فخرية للمجلس أمثل كل هذه الدول لهذا ننوي أن يشمل الأسبوع مبدعين منها في المستقبل. الفكرة ليست استقبال جنسيات عربية وحسب بل انتقاء الأفضل حتى نرتقي بمستوى الأسبوع ونجعله ينافس فعلا العواصم العالمية.
> الملاحظ خلال الأسبوع أن هناك حالة من الاعتزاز بالهوية السعودية فيما يخص المصممات السعوديات. هل هذا انطباع خاص أم حقيقة؟
- لا هو حقيقة، وهو ما لمسته في تشكيلة أروى البنوي مثلا كما في تشكيلة مشاعل الراجحي وغيرهما. الكل يشعر بأن الوقت حان لتعريف العالم بهويتنا من منظورنا ولغتنا. هذا الاعتزاز زاد أكثر بعد رؤية 2030 التي فتحت الأبواب للمبدعين والمواهب. ولا بد من التنويه هنا أن هذه الرؤية لم تفتح باب الموضة وحدها بل أبواب مجالات أخرى مثل الفنون والسياحة. القدرة على الإبداع كانت دائما موجودة ما جد الآن أنه أصبح بإمكاننا أن نُعلن هذا للعالم ونُثبته. تمكين المرأة أيضا مهم، لأن المرأة السعودية ذكية وواثقة وقوية وتعرف ما تريد، ومن هنا يُفترض دعمها وخلق آلية لتمكينها أكثر. فهذه هي الوسيلة التي ستساعدنا على التقدم. أكرر أنه لا بد من أن نعمل مع بعض لنصنع المستقبل لأنه ببساطة لم تعد لدينا أي أعذار.
> تم إطلاق الأسبوع وحقق المراد منه لكن ماذا بعد؟
- مجلس الموضة العربي ليس عن تنظيم فعالية وتقديم أزياء تحت مسمى أسبوع موضة فحسب، فما هو سوى الخطوة الأولى لمشاريع واستراتيجيات متنوعة ننوي القيام بها، ويصب معظمها في تأسيس بنية تحتية تضمن الاستمرارية. نهدف مثلا أن يكون لنا معهد لتصميم الأزياء هنا في المملكة يدرس فيه كل من يرى بداخله قدرة على العطاء والإبداع عوض التوجه إلى الخارج للدراسة، بل وحتى استقبال طلبة من العالم، لأننا نريده بمعايير عالمية. كما نفكر في تأسيس مراكز إنتاج وغيرها يمكن أن تدفع بهذا القطاع إلى الأمام... كل ما أعرفه نحن في أول الطريق.
> ألا تعتقدين أن هذه طموحات كبيرة؟
- ربما لكننا لا نؤمن بالمستحيل إذا اشتغلنا بطريقة صحيحة وبشغف. فالموضة فن وصناعة من شأنها أن تخلق فرص عمل جديدة، وتفتح الأبواب أمام المستثمرين والمصممين الأجانب على حد سواء.
وطبعا أملي أن تشارك الحكومة في تحقيق هذه المشاريع لأنها ليست مجهودا فرديا.
> ماذا تعلمت من تجربة تنظيم أول أسبوع موضة بالرياض، أو على الأصح ما هي الأخطاء التي كنت تتمنين لو لم تحصل؟
- سأعترف لك بشيء: لا أعرف كيف أنا الآن أتحدث معك وأنا هادئة، لأني كنت تحت ضغوط شديدة من قبل وكانت تنتابني عدة مخاوف. ليس لأن فكرة أسبوع بهذا الحجم صعبة أو مستحيلة بل لأنه مرت علي لحظات شعرت فيها بالخوف بأن لا أكون أهلا للقيام بهذه المهمة رغم أني في العادة واثقة من نفسي وتجاوزت عدة تحديات مماثلة. فقد ذهبت إلى اليابان، مثلا، ولم أكن أتقن ولو جملة واحدة من اليابانية، ومع ذلك تأقلمت ونجحت لأن بداخلي كان يصرخ صوت بضرورة المثابرة والصبر. طبعا لا يمكن المقارنة بين التجربتين لأن ما ما مررت به هذا الشهر كان تحديا أكبر بكثير لأنه على مستوى عالمي من جهة ولأنه لا يخصني لوحدي. كنت أعرف أنه لا يجب أن أخذل نفسي ولا غيري، فعلى عاتقي مسؤولية كبيرة وآمال الكثير من صناع الموضة كانت معقودة على الأسبوع هذا فضلا عن أن أنظار العالم كلها كانت عليه. كان من الضروري أن لا أفكر في السلبيات وأذكر نفسي بأن كل الصعوبات تذوب إذا كان هناك وضوح وشفافية ورغبة في النجاح.
> لكن أليست هناك لحظة شعرت فيها بالأسف على شيء معين كان يمكن أن يُغير الكثير من الأشياء؟
- تمنيت لو كان لدي وقت أطول. تم الإعلان عن الأسبوع بعد حصولنا على موافقة هيئة الترفيه مباشرة، وكان ذلك خلال أسبوع لندن للموضة في شهر فبراير (شباط) الماضي، لنبدأ العمل عليه مباشرة. رغم أني سعيدة بالنتيجة النهائية، فإني كنت أحتاج وقتا أطول، وأنا متأكدة أن في أكتوبر (تشرين الأول) سيكون الأسبوع بأفضل صورة.
> ما سبب هذا التسرع، فشهرين غير كافيين لتنظيم أسبوع عالمي بهذا الحجم، هل لم يكن بالإمكان إطلاقه في شهر أكتوبر مثلا؟
- بصراحة لا. كنا متحمسين للغاية، وبمجرد ما حصلنا على الموافقة أردنا تحقيق هذا الحلم الذي راودنا طويلا. لم نفكر بأي شيء سوى أن نحمل المشعل ونركض بكل قوانا لتحقيقه. كان لا بد من أخذ هذه الخطوة بغض النظر عن التفاصيل لإرساء قواعد الأسبوع وجعله واقعا ملموسا.
> من الأشياء التي أثارت الكثير من الجدل، وربما بعض الاستغراب، عدم السماح بالتقاط الصور واستعمال وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتمد عليها أسابيع الموضة العالمية لخلق ضجة إعلامية تحتاجها؟
- أوافقك الرأي، لكننا نخوض التجربة لأول مرة، وبالتالي علينا أن نتوخى الحذر وأن نحترم البيئة التي نعيش فيها. المدعوات اللواتي حضرن العروض كن مطمئنات أنهن سيستمتعن بالتجربة بحرية. ربما سيقول البعض بأنه كان بإمكاننا تسليط الضوء على المنصة فقط ونضرب عصفورين بحجر، لكن لم يكن هذا كافيا لراحة المدعوات. علينا أن نحترم ثقافتنا. نعم السعودية تشهد تغيرات كثيرة لكن يجب أن نتعامل معها بالتدريج، بذكاء وتروٍّ.



الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
TT

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

تحظى سراويل الجينز اليابانية المصبوغة يدوياً بلون نيلي طبيعي، والمنسوجة على أنوال قديمة، باهتمام عدد متزايد من عشاق الموضة، الذين لا يترددون في الاستثمار في قطع راقية بغض النظر عن سعرها ما دامت مصنوعةً باليد. وعلى هذا الأساس يتعامل كثير من صُنَّاع الموضة العالمية مع ورشات يابانية متخصصة في هذا المجال؛ فهم لا يزالون يحافظون على كثير من التقاليد اليدوية في صبغ قطنه وتصنيعه من الألف إلى الياء.

يوضع القطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن لا يلوّنها وحدها بل أيضاً أيدي العاملين (أ.ف.ب)

داخل مصنع «موموتارو جينز» الصغير في جنوب غربي اليابان، يغمس يوشيهارو أوكاموتو خيوط قطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن يلوّن يديه وأظافره في كل مرّة يكرر فيها العملية. يتم استيراد هذا القطن من زيمبابوي، لكنّ الصبغة النيلية الطبيعية المستخدَمة مُستخرجةٌ في اليابان، ويؤكد أوكاموتو أنّ لونها غني أكثر من الصبغات الاصطناعية. وكانت هذه الطريقة التي يشير إلى أنها «مكلفة» و«تستغرق وقتاً طويلاً»، شائعةً لصبغ الكيمونو في حقبة إيدو، من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر.

العمل في هذه المصانع صارم فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع من صبغة إلى خياطة (أ.ف.ب)

وتشكِّل «موموتارو جينز» التي أسستها عام 2006 «جابان بلو»، إحدى عشرات الشركات المنتِجة لسراويل الجينز، ويقع مقرها في كوجيما، وهي منطقة ساحلية تشتهر بجودة سلعها الحرفية، بعيداً عن سراويل الجينز الأميركية المُنتَجة على نطاق صناعي واسع. ويقول رئيس «جابان بلو»، ماساتاكا سوزوكي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن صارمون جداً فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع». ويشمل ذلك «جودة الخياطة والصبغة»، ما يجعل الاعتماد على مهارات التصنيع التقليدية للحرفيين المحليين، مسألة ضرورية.

بيد أن كل ما هو منسوج يدويا ومصنوع بهذا الكم من الحرفية له تكلفته، إذ يبلغ سعر النموذج الرئيسي من الجينز الذي تنتجه «موموتارو» نحو 193 دولاراً. أما النموذج الأغلى والمنسوج يدوياً على آلة خشبية محوّلة من آلة نسج كيمونو فاخرة، فيتخطى سعره 1250 دولاراً.

يعمل أحد الحرفيين على تنفيذ بنطلون جينز باليد بصبر رغم ما يستغرقه من وقت (أ.ف.ب)

ومع ذلك، ازداد الاهتمام بما تنتجه «جابان بلو» على أساس أنها إحدى ماركات الجينز الراقية على غرار «إيفيسو»، و«شوغر كين». وتمثل الصادرات حالياً 40 في المائة من مبيعات التجزئة، كما افتتحت الشركة أخيراً متجرها السادس في كيوتو، ويستهدف السياح الأثرياء بشكل خاص. يشار إلى أن صناعة الجينز ازدهرت في كوجيما بدءاً من ستينات القرن العشرين لما تتمتع به المنطقة من باع طويل في زراعة القطن وصناعة المنسوجات. وخلال حقبة إيدو، أنتجت المدينة حبالاً منسوجة للساموراي لربط مقابض السيوف. ثم تحوّلت بعد ذلك إلى صناعة «تابي»، وهي جوارب يابانية تعزل إصبع القدم الكبير عن الأصابع الأخرى، وانتقلت فيما بعد إلى إنتاج الأزياء المدرسية.

تعدّ سراويل الجينز الياباني من بين أغلى الماركات كونها مصنوعة ومصبوغة باليد (أ.ف.ب)

ويقول مايكل بندلبيري، وهو خيّاط يدير مشغل «ذي دينيم دكتور» لتصليح الملابس في بريطانيا، إنّ سوق سراويل الجينز اليابانية «نمت خلال السنوات الـ10 إلى الـ15 الماضية». ومع أنّ محبي الجينز في الدول الغربية يبدون اهتماماً كبيراً بهذه السراويل، «لا يمكن للكثيرين تحمل تكاليفها»، بحسب بندلبيري. ويتابع قائلاً: «إن ماركات الجينز ذات الإنتاج الضخم مثل (ليفايس) و(ديزل) و(رانغلر) لا تزال الأكثر شعبية، لكن في رأيي تبقى الجودة الأفضل يابانية». ويرى في ضعف الين وازدهار السياحة فرصةً إضافيةً لانتعاش سوق هذه السراويل.

رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها فإن الأنوال القديمة لا تزال هي المستعملة احتراماً للتقاليد (أ.ف.ب)

يعزز استخدام آلات النسيج القديمة رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها، وبالتالي لا تملك سوى رُبع قدرة أنوال المصانع الحديثة، من سمعة «موموتارو جينز» التي تعود تسميتها إلى اسم بطل شعبي محلي. وغالباً ما تتعطَّل هذه الأنوال المصنوعة في الثمانينات، في حين أنّ الأشخاص الوحيدين الذين يعرفون كيفية تصليحها تزيد أعمارهم على 70 عاماً، بحسب شيغيرو أوشيدا، وهو حائك حرفي في موموتارو.

يقول أوشيدا (78 عاماً)، وهو يمشي بين الآلات لرصد أي صوت يشير إلى خلل ما: «لم يبقَ منها سوى قليل في اليابان» لأنها لم تعد تُصنَّع. وعلى الرغم من تعقيد هذه الآلات، فإنه يؤكد أنّ نسيجها يستحق العناء، فـ«ملمس القماش ناعم جداً... وبمجرّد تحويله إلى سروال جينز، يدوم طويلاً».