دعا جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، خلال زيارته إلى أربيل أمس، مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، إلى لعب دوره في تشكيل حكومة شراكة وطنية في العراق، مؤكدا على ضرورة إحداث تغييرات في الساحة السياسية العراقية، فيما أكد بارزاني أن الأكراد لن يشاركوا في عملية سياسية لا يعرفون شركاءهم فيها وما برنامجهم.
وقال كيري خلال لقاء جمعه مع بارزاني إن بلاده تراقب بشكل مفصل الأحداث الراهنة في العراق، معبرا عن استياء واشنطن من الوضع الراهن الذي يمر به هذا البلد. وعبر كيري عن استعداد الولايات المتحدة لدعم العملية السياسية في العراق وتشكيل حكومة شراكة وطنية تساهم فيها كل مكونات الشعب العراقي، داعيا إلى العمل من أجل خروج العراق وبأسرع وقت ممكن من هذه الأزمة.
بدوره، قال بارزاني لكيري إن الهجوم الواسع الذي يشنه مسلحو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)» في شمال وغرب وشرق العراق خلق «واقعا جديدا وعراقا جديدا»، في ما بدا تذكيرا للولايات المتحدة بما تواجهه من صعوبات في مساعيها لجمع الأطراف العراقية المتناحرة. وحسب مصدر كردي مضطلع تحدث لـ «الشرق الأوسط» فإن بارزاني أبلغ كيري في اجتماع مغلق بينهما بأن من حق الأكراد «تقرير مستقبلهم في ظل هذا الواقع». وأضاف أن الشعب الكردي «كان مستعدا خلال السنوات العشر الماضية لحل المشكلات مع بغداد وأظهر مرونة في ذلك، لكن دون جدوى، فالمشكلات كانت تتعمق يوما بعد يوم»، متهما الشركاء في بغداد بأنهم «كانوا يتراجعون عن تطبيق الدستور والاتفاقيات».
وشدد بارزاني على أن «الالتزام بالدستور هو الضمان الوحيد لبقاء العراق موحدا». وأضاف بارزاني: «نعتقد بأن بغداد تنوي إعادة السيطرة على كردستان كالسابق، وأن تجعل من كردستان ملحقا لها، لكن الشعب الكردي الذي قدم الكثير من التضحيات من أجل الحرية لن يقبل بهذا أبدا» وشدد بارزاني على أن «الكرد ضد الإرهاب بكل أنواعه وأشكاله، أما الآن، فإن حرب الإرهاب أصبحت ستارا للصراع الطائفي في العراق، ونحن لن نكون جزءا من الصراع الطائفي». وتابع بارزاني أن «أي حل للأزمة الحالية يجب أن يكون في ضوء التغييرات السياسية والأمنية الجديدة في العراق».
من جهته، كشف فلاح مصطفى مسؤول دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان لـ«الشرق الأوسط» أن وزير الخارجية الأميركي «طلب من رئيس الإقليم والكرد المشاركة الجدية والفعالة في العملية السياسية والعمل على عقد جلسة للبرلمان»، مبينا أن الجانبين أكدا على «ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة في العراق، ويجب أن يكون هناك تفهم لدى الجميع أنهم شركاء حقيقيون في العملية السياسية». وأضاف مصطفى أن رئيس الإقليم أبلغ كيري بأن «الكرد لن يكونوا جزءا من العملية السياسية إذا لم يعرفوا من هم شركاؤهم فيها وما هو البرنامج».
وكان كيري قد أجرى محادثات في بغداد أول من أمس مع المسؤولين العراقيين بينهم رئيس الوزراء نوري المالكي. وتعهد كيري بأن تقدم بلاده دعما «مكثفا ومستمرا» للعراق في مواجهة «التهديد لوجوده» الذي يمثله هذا الهجوم، داعيا قادة البلاد إلى الوحدة حتى يصبح هذا الدعم «فعالا». وقال بعد اللقاءات إن جميع القادة اتفقوا على العمل من أجل التئام البرلمان الجديد بحلول 1 يوليو (تموز) المقبل للتمهيد للخطوات الدستورية اللاحقة المتمثلة في اختيار رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء.
ومنذ بدء الهجوم، تولت قوات البيشمركة الكردية مسؤوليات أمنية إضافية في ظل انسحاب الجيش العراقي من عدة مواقع في شمال العراق وشرقه، حيث بسطت سيطرتها، خصوصا، على مناطق متنازع عليها مع الحكومة المركزية، على رأسها مدينة كركوك (240 كلم شمال بغداد) الغنية بالنفط.
وكان بارزاني قال في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» مساء أول من أمس، عشية لقائه كيري: «قمنا بكل ما نستطيع القيام به على مدى الأعوام العشرة الماضية لبناء عراق ديمقراطي، إلا أن هذه التجربة وللأسف لم تنجح». وأضاف ردا على سؤال حول إمكانية أن يحاول الأكراد إعلان استقلالهم في ظل هذا الوضع، أن على «شعب كردستان أن يحدد مستقبله، ونحن سنلتزم بقراره». وتابع: «العراق يتهاوى على كل حال، ومن الواضح أن الحكومة الفيدرالية أو المركزية فقدت السيطرة على كل شيء».
بدوره، قال كفاح سنجاري المراقب السياسي المقرب من مركز القرار في الإقليم لـ«الشرق الأوسط»، إن تصريحات رئيس إقليم كردستان عكست حقيقة ما يحدث في العراق، وإن «العملية السياسية العراقية قد انتهت بشكلها الحالي، لأنها فشلت في السنوات الماضية تحت إدارة رئيس الوزراء نوري المالكي في أن تقنع العراقيين بصلاحيتها». وأضاف سنجاري أن بارزاني ركز على ضرورة إحداث تغيير في العملية السياسية وتصحيح مسارها «بما يلبي رغبات المكون السني العربي والمكون الكردستاني، ورسالة قيادة الإقليم إلى الإدارة الأميركية هي البحث عن شخصية أكثر جدية لإدارة البلاد في هذه المرحلة».
ويعتقد المسؤولون الأميركيون بأن إقناع الأكراد بالتمسك بالعملية السياسية في بغداد أمر حيوي للحفاظ على العراق من مخاطر التقسيم. وأشار مسؤول كبير بالخارجية الأميركية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن مخاطر انسحاب الأكراد من عملية سياسية شاملة تضم كل الأطياف والتيارات العراقية ستؤدي إلى نتائج سلبية شديدة، مؤكدا أن وزير الخارجية الأميركي أوضح للقيادات الكردية أن إجراء تسوية سياسية هو الإجراء الذي يحفظ للعراق وحدته التي تتعرض للخطر في الوقت الحالي. وقال المسؤول الذي رفض نشر اسمه: «إذا كانت أمامنا فرصة لاستخدام عملية تشكيل الحكومة الجديدة لإعادة وضع أساس سياسي للعراق، فسيكون الأكراد جزءا مهما من تلك العملية».