انتخاب ديوكانوفيتش حليف الغرب رئيساً لمونتينيغرو

خفّف من حدة خطبه المعادية للكرملين

ديوكانوفيتش
ديوكانوفيتش
TT

انتخاب ديوكانوفيتش حليف الغرب رئيساً لمونتينيغرو

ديوكانوفيتش
ديوكانوفيتش

انتخب الزعيم الموالي للغرب، ميلو ديوكانوفيتش، رئيساً لمونتينيغرو من الدورة الأولى في انتخابات رئاسية جرت أول من أمس، بعد سنتين على إعلان انسحابه من السلطة في هذا البلد الصغير الواقع في البلقان والمرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وقاد الخبير الاقتصادي ديوكانوفيتش مونتينيغرو، التي تعرف كذلك بـ«الجبل الأسود»، إلى الاستقلال عن صربيا في 2006، ثم إلى الانضمام لحلف شمال الأطلسي الذي دخل حيز التنفيذ العام الماضي على الرغم من استياء موسكو، ومعها جزء من السكان ومعظمهم من السلاف والأرثوذكس.
واليوم ينوي ديوكانوفيتش (56 عاما)، الذي حكم البلاد لنحو ربع قرن حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2016، قيادة بلاد ذات غالبية أرثوذكسية متعاطفة مع روسيا إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي. وعدّ ديوكانوفيتش بعد إعلان النتائج الأولية أن هذا يُعدّ «انتصارا للمستقبل الأوروبي لمونتينيغرو»، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وأعلن حزبه «الديمقراطي الاشتراكي» فوزه بالانتخابات من الجولة الأولى، في حين اعترف منافسه الرئيسي بالهزيمة. وقال زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي، ميلوس نيكوليتش، أمام الصحافيين في مقر الحزب إن ميلو «ديوكانوفيتش هو الرئيس الجديد لمونتينيغرو... ولن تجرى دورة ثانية».
وذكر مركز المراقبة المستقل أن ديوكانوفيتش حصد نحو 54 في المائة من الأصوات بعد فرز ثلثي الأصوات.
ومنذ 1991 شغل ديوكانوفيتش منصب رئيس الحكومة 6 مرات وكان رئيسا لمرة واحدة من 1998 إلى 2003.
وقال المركز نفسه في وقت سابق إنّ منافسه رجل الأعمال، ملادن بويانيتش، حاز 34.1 في المائة من الأصوات. وأقر بويانيتش بهزيمته سريعا، مؤكدا أن «مونتينيغرو اختارت ما اختارته». ومن المتوقع أن يُحوّل هذا الخبير الاقتصادي الذي يبلغ طوله نحو المترين، منصب الرئيس الفخري حاليا، إلى موقع سلطة حقيقية في البلد البالغ عدد سكانه 620 ألف نسمة. ويشغل المنصب حاليا فيليب فويانوفيتش، القريب من ديوكانوفيتش والعضو في حزبه. وفي بودغوريتسا، حيث يعيش ثلث سكان البلاد، طغت لوحات إعلانية عملاقة لديوكانوفيتش «الزعيم ورئيس الدولة ورئيس كل المواطنين»، على صور المرشحين الستة الآخرين. ويبدو أن ديوكانوفيتش كان واثقا من فوزه بالانتخابات، فقد قال بعد إدلائه بصوته: «سأفوز اليوم».
وكانت السلطات القضائية في مونتينيغرو اتّهمت مؤسسات روسية بالوقوف وراء محاولة انقلاب وخطة لاغتيال ميلو ديوكانوفيتش، أحبطتها في أكتوبر (تشرين الأول) 2016. لكنّ موسكو تنفي ذلك.
إلا أن ديوكانوفيتش قال إن «المعارضة تعرض علينا أن نُصبح مقاطعة روسية»، وتدافع عن «سياسة تراجع عن أسلوب الحياة متعدد الإثنيات في مونتينيغرو». ويبدو أن ديوكانوفيتش اعتمد على دعم كبير من الأقليات الكرواتية والألبانية والبوسنية، التي تشكل في مجموعها 15 في المائة من الناخبين. ورغم تبنيه خطابا مواليا للغرب، فإنه يبدو أنه ديوكانوفيتش خفّف من حدة خطبه المعادية للكرملين، وقال إنه يريد «إقامة علاقات طبيعية مع روسيا، إذا كانت مستعدة لذلك».
ومن المتوقع أن تنضم صربيا ومونتينيغرو إلى الاتحاد الأوروبي، في بداية 2025 على الأرجح.
أما المعارضة، فقد ركّزت في هجماتها على حجم الجريمة المنظمة في المجتمع في البلاد على خلفيات عمليات تسوية حسابات بين مهربين، وهي تتهم ديوكانوفيتش منذ فترة طويلة بإقامة علاقات مع الأوساط الإجرامية.
واتّهم المرشح الرئيسي رجل الأعمال، ملادن بويانيتش، ديوكانوفيتش بأنه «صانع عدم الاستقرار والفوضى التي نشهدها في شوارع مونتينيغرو». وتابع: «أتفق مع ديوكانوفيتش في أن الدولة أقوى مع المافيا. لكن الأزمة أنني لا أعرف أي صف يقف فيه».
وخلال حملته الانتخابية، قال ديوكانوفيتش: «بصفتي رئيسا، سأبذل كل ما في سلطتي (...) لمنح الشرطة السلطة التي تسمح لها بحماية المواطنين من أولئك الذين يعرضون حياة المواطنين للخطر». وفي تقرير الاتحاد الأوروبي عن الدول المرشحة لعضويته، في عام 2016، أبلغت بروكسل مونتينيغرو بأن عليها مواصلة جهودها للحد من الجريمة المنظمة، خصوصا في مجال الاتجار بالبشر وتبييض الأموال، كما أشارت إلى أزمة تهريب السجائر عبر ميناء بار.
ومرّ اقتراع أول من أمس بشكل سلمي وسط مخاوف من حدوث اضطرابات، بعد اعتقال 20 شخصا اتهموا بمحاولة تنظيم انقلاب خلال الانتخابات التشريعية في عام 2016. وفي بلد تتجاوز فيه نسبة البطالة 20 في المائة، تعهد ديوكانوفيتش برفع معدل الأجور الذي يبلغ حاليا 500 يورو، بمقدار الضعف خلال سنوات. وأكد أنه وعد لا يمكن أن يتحقق إذا لم تسلك مونتينيغرو طريق الاتحاد الأوروبي.
وبالنسبة إلى ديوكانوفيتش، فإنّ الخيار بين بروكسل وموسكو مهم للغاية لتطوير مونتينيغرو. وقالت بيلجانا بوبوفيتش، من «مركز الانتقال الديمقراطي»، من منظمات المجتمع المدني التي تراقب الانتخابات، إنه كانت هناك «مخالفات قليلة لن تؤثر على الأرجح في الانتخابات»، من دون أن تقدم مزيدا من التفاصيل.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».