بلند الحيدري... «ريادة مفقودة» ونجاة من الإعدام قبل 5 دقائق

تهاني فجر تتتبع مسيرته في «ضلع المثلث»

بلند الحيدري... «ريادة مفقودة» ونجاة من الإعدام قبل 5 دقائق
TT

بلند الحيدري... «ريادة مفقودة» ونجاة من الإعدام قبل 5 دقائق

بلند الحيدري... «ريادة مفقودة» ونجاة من الإعدام قبل 5 دقائق

بعد نحو 22 عاماً من وفاته، يعود الشاعر بلند الحيدري إلى حلبة المواجهة الشعرية التي اعتراها كثير من الغبار والنسيان، فلطالما احتدم الجدل حول من له سبق الريادة في كتابة قصيدة الشعر الحر من بين شعراء الجيل الأول للحداثة العربية في كل من مصر والعراق ولبنان. وتبرز، في هذا الإطار، المواجهة «المقالية» بين الشاعرين بدر شاكر السياب، وصلاح عبد الصبور، حول من الأسبق في كتابة قصيدة التفعيلة.
وإن اتفق المتجادلون والمختلفون «حولَ الأسبقية» في شيء، فإنه سيكون بالتأكيد إغفال دور الشاعر العراقي الراحل بلند الحيدري، الذي أُهدر حقه في الاعتراف بسبقه وصدور ديوانه «التفعيلي» الأول «خفقة الطين» عام 1946، سابقاً بذلك نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وصلاح عبد الصبور وعبد المعطي حجازي وغيرهم.
عن هذه «الريادة المفقودة» لبلند الحيدري، وأسباب عدم الاعتراف بها، وعن الشاعر نفسه، بحثت الشاعرة والناقدة الكويتية تهاني فجر في كتابها «ضلع المثلث... بلند الحيدري والريادة المفقودة»، الصادر عن دار العين في القاهرة.
وكما اهتمت تهاني فجر بتحليل شاعرية بلند الحيدري وإبراز ريادته، تتبعت مسيرة حياته، مستعينةً بزوجته الفنانة التشكيلية الراحلة دلال المفتي قبل وفاتها، حيث زودتها الأخيرة بكثير من المعلومات حول الشاعر عن طريق المراسلات، وهو ما أكسب الكتاب النقدي والتأريخي روحاً جعلته يحلق إلى جوار الشاعر وقرب قصائده، غير مبتعدٍ عنها لأجواء المختبرات النقدية وقاعات البحث الضيقة.
صنفت المؤلفة كتابها في 15 عنواناً، يمكننا أن نقسمها إلى 3 أقسام؛ أولها استقصاء سيرة الشاعر بالاستعانة بزوجته دلال المفتي، وثانيها البحث عن أسباب «تجهيل الريادة»، والثالث تحليل شعره وتتبع دواوينه ومسيرته الشعرية.
وتصحب تهاني فجر، بلند الحيدري، من اللحظات الأولى لميلاده عام 1926 ببغداد، وانفصال والديه، ورحيل والدته، وخروجه على والده، إلى بداية تشرده وهو في السادسة عشرة من عمره، ونومه صحبة الشاعر حسين مردان على أرصفة بغداد وتحت جسورها، ثم تعرفه على الفنان جواد سليم، وتأسيسهما «جماعة الوقت الضائع»، وإصداره ديوانه الأول «خفقة الطين»، ثم تعرفه على رفيقة عمره دلال المفتي، وزواجه منها، وصولاً إلى ثالث أيام انقلاب 8 فبراير (شباط) 1963، حيث اقتحم زوار الفجر منزل بلند، واعتقلوه وعذبوه بتهمة الشيوعية. والطريف (كما تورد المؤلفة) أن الذي كان يطفئ أعقاب السجائر في جسد الشاعر، صديق له، وحين عاتبه بلند قال له: «هذه المرة سأطفئها في عينيك».
وبعد حبس الشاعر في زنزانة عبارة عن مرحاض، تأتي اللحظة الأصعب في حياته، إذ يبلغ بصدور حكم بالإعدام ضده، وقبل تنفيذه بـ5 دقائق ينجو منه، ويخرج بلند من السجن، ليقرر ورفيقته دلال مغادرة العراق إلى لبنان، لتبدأ رحلة المنفى الطويلة، من بيروت «الصبية المتسكعة بكل عريها... وقد أخذها الزهو بنفسها لحد العبادة...»، كما يصفها الشاعر.
ويقضي بلند أخصب عمره ببيروت، ويصدر أهم دواوينه: «خطوات في الغربة» و«جئتم مع الفجر» و«رحلة الحروف الصفر» و«أغاني الحارس المتعب» و«حوار عبر الأبعاد الثلاثة». ولبيروت حضور خاص لدى بلند، ويخصها بديوانه «إلى بيروت مع تحياتي»، فحيناً يناديها بعنيف القول: «هو الزمن الصعب بيروت/ شقي رداك/ وطوفي بعري صباك/ وقولي اشهدوا/ أهل بيتي/ اشهدوا/ فبيروت قد أكلت ثديها/ وبيروت مات بنوها على صدرها»، وحيناً آخر يناجيها ويطلب منه السماح: «غفرانك يا بيروت/ يا موتاً أكبر من تابوت/ أكبر من أن يدفن أو يعفن تحت صليب من خشب/ يا موتاً لا يعرف كيف يموت».
وتواصل تهاني فجر تتبع رحلة تيه الشاعر وغربته، الذي يغادر بيروت مع اندلاع الحرب إلى اليونان، ثم يعود رفقة زوجته إلى بيروت ثم إلى دمشق، ليعود إلى بغداد التي ظلت تطارده طوال عمره، ويقول عنها: «تطاردني بغداد/ تحاصرني في كل زوايا المرآة/ تصادرني نفياً متهماً بالجبن/ لأني خفت على وجهي/ من عيني/ فآليت على أن أفقأ عيني».
ويظل بلند بالعراق 3 أعوام لا غير، يعلن فيها اعتزاله الشعر «حفاظاً على كرامته»، كما يقول، ليسافر بعدها إلى لندن، ويظل في غربته حاملاً العراق في قلبه، مكتوياً بنار حبه، باحثاً عنه طوال الوقت، متمنياً العودة ليدفن في ترابه، وهو ما لا يتحقق، فيموت ويدفن في مقبرة «هاي جيت» في أغسطس (آب) 1996: «هاأنذا درب يتمرغ في عتمة أرقام/ بحثاً عن زمن كان لنا/ عن وطن كنا فيه/ عن وطن أعمى كالتيه/ أتمنى لو أدفن فيه».
وتذهب المؤلفة بعد تتبعها سيرة الشاعر، للقسم الثاني من الكتاب، وفي فصل بعنوان «مكانته الشعرية وتجهيل الريادة»، حاولت البحث عن أسباب مقنعة لسقوط ذكر بلند الحيدري بوصفه رائداً من رواد قصيدة التفعيلة، وتجاهل نازك الملائكة بشكل كامل له في كتابها «قضايا الشعر المعاصر»، رغم صدور ديوانه الأول «خفقة الطين» قبل قصيدتها الشهيرة «الكوليرا».
وفى مقابل نازك، اعترف بدر شاكر السياب بأسبقية بلند، ورغم ذلك أسقطه كثير من النقاد من جيل الرواد، وأدخلوه بالخطأ في الجيل الذي يليه. وتورد المؤلفة، نقلاً عن البعض، سبباً آخر لتجهيل دور بلند الريادي، وهو «كرديته التي وقفت حاجزاً يمنع الاعتراف بأسبقيته».
وفى القسم الثالث من الكتاب، تستحضر تهاني فجر العلامات الأساسية في شاعرية بلند الحيدري، ومنها انحيازه الوجودي الذي جعله ينعتق «من كل القيود الفكرية والاجتماعية... التي تحيط به... ثم التمرد عليها والتحرر منها». وتتعدد الرموز في شعر بلند، من بينها (كما تورد المؤلفة) رمز الصمت ورمز الغربة ورمز الزمن ورمز الموت، وللأخير حضور كبير، حيث التقاه الشاعر وجهاً لوجه 3 مرات، كما يروي، منها حين «كنت ذاهباً لتنفيذ حكم الإعدام ولم يكن بيني وبينه سوى 5 دقائق». ويصل الشاعر حد المصالحة مع الموت، فهو يراه أقل خوفاً من الحياة ذاتها: «لا تضحكي/ لا تبكي يا أماه/ فأمس قرب دارنا/ عرفت أن الموت لا يخيف كالحياة».
وتستهوي الأسطورة الشاعر أحياناً، فيستلهمها «وسيلة رفض للسلطة وآيديولوجيتها»، فاستخدم سميراميس وسيزيف وبرميثيوس. وتمثلَ أسطورة «أديب»، ليعبر من خلالها عن «الغربتين الروحية والمكانية» اللتين عاشهما، فيقول: «مهجوراً كالليل أنا/ كالصمت أنا مهجور/ وهنا/ قرب يدي/ ملء غدي/ دنياي دجى مقرر/ بيداء ربداء ونداء مبتور».



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.