جبران خليل جبران الأديب العربي الأشهر في الصين منذ 80 سنة

احتفت به في ذكرى وفاته

جبران خليل جبران
جبران خليل جبران
TT

جبران خليل جبران الأديب العربي الأشهر في الصين منذ 80 سنة

جبران خليل جبران
جبران خليل جبران

من المفارقات اللافتة أن الصينيين احتفوا هذه السنة - وفي الذكرى الـ87 لوفاته - بالأديب اللبناني جبران خليل جبران، وتبادلوا في بينهم عباراته، وتشاركوا على وسائل التواصل الاجتماعي أشهر مقولاته، فيما لم ينتبه اللبنانيون أنفسهم إلى التاريخ الذي صادف العاشر من الشهر الحالي.
وما لا يعرفه العرب أن للصينيين ولعاً بجبران وأدبه منذ ما يقارب 80 سنة. وهو الكاتب العربي الأشهر لديهم، ويحبون نفحته الإنسانية، ولا يعتبرونه شرقياً أو غريباً، وإنما هو أديب قادر على أن يخاطب الناس بصرف النظر عن انتماءاتهم وجنسياتهم، وهذا مصدر قوته لديهم.
وجبران هو الأديب العربي الحديث الأول الذي عرفه الصينيون بفضل الترجمة المبكرة والممتازة التي قام بها الأديب الكبير ماو دون، أول رئيس لاتحاد الكتاب ولاتحاد الأدباء والفنانين قبل تأسيس الصين الجديدة، حيث نقل خمسة مقاطع من كتاب «السابق» مباشرة بعد صدوره بالإنجليزية بثلاث سنوات فقط، أي عام 1923، ونشرت في مجلة «الأدب» الأسبوعية، ومن ثم صدرت في كتاب. ومن حينها قام أدباء ومستشرقون بترجمات لنصوص ومقاطع من كتب لجبران، كما ترجم كتابه «المجنون» كاملاً وصدر عام 1929. ويقال إن الصينيين لم يعرفوا قبل جبران من الأدب العربي سوى كتاب «ألف ليلة وليلة». واقتصرت علاقة الصينيين باللغة العربية على ترجمة معاني سور قصيرة مختارة من القرآن الكريم، التي ابتدأت منذ أواسط القرن الثامن عشر حتى عشرينات القرن العشرين، وأفضل تلك الترجمات التي قام بها محمد مكين (1906 - 1978) الأستاذ السابق بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة بكين، ونشرت ترجمته الكاملة للقرآن في بكين سنة 1981، كما نشرت هذه الترجمة مع النص العربي للقرآن الكريم سنة 1986 في المملكة العربية السعودية. وإضافة إلى القرآن الذي كان حاجة دينية لملايين المسلمين الصينيين، كانت ترجمة لقصيدة «البردة» التي قام بها شرف الدين البوصيري من أسبق الأعمال الأدبية العربية المترجمة إلى اللغة الصينية، ويرجع الفضل في ذلك إلى العلامة الصيني المسلم المشهور ما ده شين يوسف روح الدين، الذي أتمّ ترجمتها سنة 1867، ونشرت بعد وفاته، سنة 1890.
لكن في مجال الأدب البحت لم يصل إلى الصين غير جبران، ومما ساهم بشكل أساسي في هذه المعرفة المبكرة جداً به وقبل غيره من الأدباء العرب، إضافة إلى طبيعة نصوصه هو أنه كتب بالإنجليزية وقرأه أساتذة وأكاديميون صينيون عملوا في أميركا، ونقلوا أعماله إلى لغتهم. وفي كل الأحوال لم يذع صيت جبران بشكل واسع إلا بعد ترجمة كتابه «النبي» بمبادرة من الأديبة الصينية بينغ شين بعد أن قرأته وسحرتها «حكمته العجيبة التي تفوح بالنفحات الشرقية والأسلوب الشاعري الجذاب». ثم ترجمت «ملح وزبد» عام 1936، وأسدت بالفعل خدمة جليلة للعلاقات اللبنانية - الصينية، لا بل للعالم العربي أجمع وعلاقته بالصين.
وكتبت المستعربة ليلى، وهي نائبة رئيس جمعية البحوث في الأدب العربي بالصين تقول إن كلمة «لبنان» تجعل الصيني يتذكر «أحداث الانفجارات والاغتيالات التي يسمع عنها كثيراً في وسائل الإعلام المختلفة. ولكن المثقفين الصينيين، أو أكثرهم، يعرفون أيضاً أن هناك لبناناً آخر، غير لبنان السياسات والأحزاب والصراعات، هو لبنان الحضارة الباهرة، ولبنان الشعب القدير، ولبنان الطبيعة الجذابة، يعرفون ذلك عن طريق إنسان لبناني هو جبران خليل جبران». وتقديراً لدور مترجمة كتاب «النبي» إلى الصينية وما لعبته من دور، أصدر رئيس الجمهورية اللبنانية عام 1997 إلياس الهراوي مرسوماً رئاسياً برقم 6146 منحت بموجبه السيدة بينغ شين البالغة من العمر 97 سنة وسام الأرز الوطني برتبة فارس تقديراً لجهودها في تعريف جبران إلى القُرَّاء الصينيين.
وعلى ذمة لين فنغ مين نائب رئيس الجمعية الصينية لدراسات الأدب العربي، فإنه في أحد الأعوام، وصلت أعمال جبران خليل جبران لأن تصبح الأكثر مبيعاً على الإطلاق في المكتبات الصينية بين الكتب المترجمة عن لغات أجنبية. وحتى وإن لم يكن هذا القول دقيقاً أو أكيداً فهو مؤشر على مدى الشهرة التي حصدها جبران في بلاد التنانين، في الوقت ذلك الذي كانت لا تزال فيه العلاقة مع الأدب العربي ضئيلة جداً. وقد تفوق جبران من حيث الانتشار، ليس فقط على الأدباء العرب، وإنما أيضاً على كل الأدباء المترجمين إلى الصينية.
ومع طفرة الانفتاح في الثمانينات وفورة الترجمات التي اشتغلت عليها الصين، بدا أن أعمال جبران تكتسب وهجاً جديداً، وفي عام 1984 تمت إحياء الذكرى المئوية لكاتب «النبي»، وبالمناسبة صدر لجبران كتابان بالصينية، أحدهما ضم الترجمة الكاملة لكل من «دمعة وابتسامة» و«المواكب»، إضافة إلى بعض المقالات في «العواصف» و«البدائع والطرائف»، أما الكتاب الآخر فهو «الأجنحة المتكسرة: مختارات من أعمال جبران» الذي جمع معظم قصص جبران العربية وبعض أشعاره النثرية.
وفي ذكرى ميلاده المائة والثلاثين أقامت الصين، وتحديداً في جامعة بكين، مؤتمراً خصص لجبران وأدبه وعلاقة الصينيين بنصوصه ترجمة وقراءة واستلهاماً، بمشاركة أدباء وأكاديميين كبار ومستعربين أجلاء. وليس غريباً بعد كل ذلك أن نعرف أن جبران حظي بمكانة ليس فقط بين القراء، وإنما على المستوى الأكاديمي كذلك، حيث أوسع دراسة وتشريحاً، وأعدت حول أدبه ما يقارب السبعين أطروحة أكاديمية.
وربما من طريف الصدف أن تتحول مدرسة جبران الابتدائية التي كانت تحمل اسم «كوينزي» في بوسطن (أقام فيها بين عامي 1895 و1898) التي جلس على مقاعدها الدراسية، بمرور الوقت إلى «الجمعية الخيرية الصينية»، حيث احتلت المبنى، وحافظت على الكثير من تفاصيله بما في ذلك الألواح السوداء، في محاولة للحفاظ على آثار صرح أكاديمي بقي يستقبل خليطاً من الطلاب المهاجرين لمدة قرن ونصف القرن، إذ شيد المبنى عام 1847، ولم يكن جبران إلا أحد تلامذته الكثر. وأحيطت المدرسة في تلك الفترة من نهاية القرن التاسع عشر بأحياء يقطنها قادمون إلى أميركا من أصقاع مختلفة من العالم، فيما أصبحت اليوم حياً صينياً (تشاينا تاون)، كما هي الأحياء الصينية في المدن الغربية الكبرى. هكذا تبدو علاقة جبران الطويلة مع الصين، وكأنما تتوثق بفعل عبقريته الفذة تارة، وبفعل مصادفات ومفارقات خارجة عن إرادته تارة أخرى.


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).