ثقافات دول البلطيق ضيف الشرف في معرض لندن للكتاب

الفائزة بجائزة الملكة إليزابيث الشعرية تحدثت عن تأثرها باللغة العربية

جانب من مشاركة دول البلطيق
جانب من مشاركة دول البلطيق
TT

ثقافات دول البلطيق ضيف الشرف في معرض لندن للكتاب

جانب من مشاركة دول البلطيق
جانب من مشاركة دول البلطيق

حلّتْ دول البلطيق (إستونيا، ولاتفيا وليتوانيا) ومجموعة تتضمن اثنا عشر مؤلفاً وكاتباً من ألمع مؤلفيها المعاصرين، ضيوف شرف في معرض لندن الدولي للكتاب لسنة 2018 الذي نظم لمدة ثلاثة أيام في قاعة معارض أولمبيا الشهيرة غرب العاصمة البريطانية. وشهد المعرض فعاليات ثقافية كثيرة لمؤلفي دول البلطيق مثل الكاتبة والمؤرخة الفنية اللتوانية كرستينا سبيلوسكايت وهي الكاتبة المحتفى بها في اليوم الثاني من المعرض وقد عُدتْ روايتها التاريخية ذات الأربعة أجزاء (سيلفا ريوم/ غابة الأشياء) من أفضل الكتب في لتوانيا في العشر سنوات الأخيرة وأكثرها مبيعا، واستضافها نادي القلم الأدبي في حوار مباشر مع الجمهور. كما حلّتْ الكاتبة نورا أكستينا من لاتفيا مؤلفة رواية (الحليب السوفياتي) 2015 ضيفة عل المعرض في يومه الثاني أيضا مع الكاتب الإستوني ميخائيل ميوت وفي حوار مباشر مع الجمهور في مقر نادي القلم الأدبي أيضا.
الشاعرة البريطانية (امتياز داكار) التي فارت بجائزة الملكة إليزابيث الشعرية، سُميتْ بشاعرة المعرض لهذه الدورة تحدثت لجمهور ركن الشعر عن تأثرها بالمفردات العربية التي تعلمتها في طفولتها نتيجة حفظ القرآن وكيف ساهمت في خلق موسيقى قصائدها لاحقا. كما شهد مركز الترجمة فعاليات مختلفة منها (ما الذي ينقص من النص الأصلي أثناء عملية الترجمة وما الذي يُضاف إليه). كما احتفى المعرض في يومه الثالث والأخير بمؤلفة قصص الأطفال وكاتبة مسلسل الأطفال البريطاني الشهير (تريسي بيكر) جاكلين ولسن، التي تحدثت عن صعوبة فهم عالم المراهقين، ناهيك بالكتابة عنه. الروائية البريطانية جوانا ترولوب حلّتْ ضيفة على نادي القلم الأدبي في يوم المعرض الأول، مع الروائي الكوميدي البريطاني آدم كي وغيرهم من كتاب بريطانيا المعاصرين.
وشهدت منصات عرض الدول المشاركة فعاليات وندوات تعريفية بالكتاب والمؤلفين، كما في الجناح التركي والروماني والإيطالي، وشهدت منصة مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم فعاليات تعريفية بالأدب الإماراتي الشاب شارك بها كل من الكاتبة إيمان اليوسف التي تحدثت عن روايتها حارس الشمس الفائزة بجائزة المؤسسة عن فئة الرواية، والكاتبة مريم الزرعوني التي فازت روايتها (رسالة من هارفرد) بجائزة العويس الثقافية لفئة أدب اليافعين للعام الحالي والكاتب عمر البوسعيدي الذي تحدث عن كتابه في تطوير المهارة الذاتية (اقرأه فقط)، والكاتب هزاع المنصوري التي تحدث عن مجموعته القصصية «حقيبة السامسونايت». وقال جمال بن حويرب المدير المسؤول عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، إن المؤسسة ترعى ورشا احترافية للكتابة الإبداعية منذ عام 2014 بإشراف كتاب بارزين ومرموقين بالعالم العربي وبمختلف الحقول كالرواية والكتابة للأطفال والترجمة والكتابة النقدية، وتتولى المؤسسة مهمة طبع وتوزيع وترجمة الكتب التي تحرز المركز الأول في هذه الورش. وذكر بن حويرب أن هدف المؤسسة المقبل هو القضاء على أمية 30 مليون عربي حرموا من التعليم نتيجة الحروب والتهجير القسري في مناطق النزاعات في سوريا والعراق وفلسطين وليبيا، بحلول عام 2030 بالتعاون مع اليونيسكو وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وشاركت وزارة الثقافة اللبنانية ونقابة الناشرين بمنصة عرض غابت عنها دور النشر اللبنانية العريقة. وقال علي عاصي صاحب دار المؤلف التي تعرض إصداراتها المختلفة في حقل أدب الطفل ضمن جناح وزارة الثقافة اللبنانية، إن مشاركتهم هذا العام ناجحة جدا واستطاع أن يبيع حقوق بعض إصداراتهم العربية إلى دور نشر أجنبية كثيرة. كما أنهم بدورهم قد اشتروا حقوق نشر وترجمة بعض الكتب الأجنبية. أما منصة عرض هيئة الثقافة والسياحة في أبوظبي، فقد عرضت آخر الإصدارات المترجمة لمشروع كلمة. وقال السيد محمد الشحي مدير إدارة البحوث في معرض أبوظبي للكتاب، إن الدائرة حريصة على المشاركة بالمعارض العالمية للكتاب للترويج لصناعة الكتاب وللترويج لمعرض أبوظبي للكتاب واستقطاب دور النشر العالمية والاستفادة من خبراتها في مجال صناعة وتسويق الكتاب.. وهناك مشاركات عربية مهمة لهيئة الشارقة للكتاب وجمعية الناشرين الإماراتيين ومؤسسة بانيبال لترجمة الأدب العربي إلى الإنجليزية. بينما ظلت منصة المكتبة الوطنية العراقية ودار الوثائق والأرشيف شاغرة طوال أيام المعرض. ويعتبر معرض لندن للكتاب من أهم الأسواق العالمية للإصدارات والترويج والتفاوض على حقوق نشر وطباعة وتوزيع الكتب عبر عدة منافذ توصيل منها الطباعة الورقية والكتب المسموعة والبرامج التلفزيونية والأفلام والقنوات الرقمية. ويشارك في هذه السوق العالمية للمعرفة بصنوفها كافة أكثر من 25 ألف دار نشر محترفة. وتجتمع أفضل العقول في مجال صناعة الكتاب سنوياً في لندن لعرض وتعريف وتقديم نماذج من مطبوعاتهم، وكذلك مدّ صلات التعاون مع باقي دور النشر المشاركة، والترويج والتسويق لبضاعتهم المعرفية والتخطيط لزيادة إصداراتهم وتوسيع منافذ تسويقها للعام المقبل.
دور النشر البريطانية العريقة حاضرة وبقوة مثل دار نشر جامعة أُكسفورد العالمية المتخصصة بالكتب الأكاديمية والتعليمية ودار نشر جامعة كامبردج ودار نشر بلومزبري المتخصصة بالدراسات الإنسانية والأدب وأدب الطفل والتي تعد من أشهر وأفضل دور النشر البريطانية، سواءً على المستوى المحلي في المملكة المتحدة أو على مستوى دور النشر العالمية، وقد قامت بالتعاون مع عدة مؤسسات عربية لترجمة وإصدار الكثير من المطبوعات العربية الروائية والمختصة بالتاريخ ومختلف العلوم الأخرى.
دور النشر الأميركية حاضرة مثل دار نشر «بنغوين» وتعتبر أكبر دار نشر عالمية للكتاب الصادر باللغة الإنجليزية ودار نشر جامعة كولومبيا التي تأسست عام 1893 وتعتبر رابع أقدم دار نشر في الولايات المتحدة وتنشر سنويا ما يقارب 160 عنوانا في اختصاصات مختلفة مثل إدارة الأعمال والاقتصاد وعلوم البيئة والفلسفة والدراسات الآسيوية. وزعت جائزة (CAMEO) وهي جائزة الإبداع في حقول الإعلام والترفيه والرصانة، في حفل سبق يوم افتتاح المعرض، وقد فاز بها في حقل الكتاب المسموع «جريمة في قطار الشرق» للروائية آجاثا كريستي الذي تم اقتباسه من قبل استوديوهات الأمازون للكتاب المسموع وهي الراعي الرسمي هذه الجائزة.
جائزة الكتاب الذي تحول إلى لعبة تسلية وقد فاز بها (بروفسور استرو كاتس سولر سيستم) المقتبس عن كتاب «الكتب ذات العيون المحلقة» للكاتبين دومينيك ويليام وبن نيومن. الشركة المنتجة استوديو ميني لاب.
جائزة الكتاب الذي تحول إلى فلم، فاز بها فلم(ليون)، عنوان الكتاب الأصلي (طريق طويل إلى البيت) للكاتب سارو بريرلي عن دار نشر بنغوين. الشركة المنتجة (سي - سو) للأفلام.
جائزة الكتاب المستلهم في عرض مسرحي ذهبت إلى «حول العالم في ثمانين يوما» لمؤلفه جوول فيرن والشركة (ثمانون يوما للإنتاج).
جائزة الكتاب الذي تحول إلى دراما تلفزيونية ذهبت إلى مسلسل «المصغرات» والكتاب الأصلي للكاتبة جيسي بيرتون والشركة المنتجة هي فورج.


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.