ملف الكهرباء يصدّع تفاهم معراب

اشتباك «الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» بسبب حقيبة وزارة الطاقة

TT

ملف الكهرباء يصدّع تفاهم معراب

انفجر الخلاف على نطاق واسع بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية»، وبات ينذر بنسف ما تبقى من تفاهم معراب، الذي أرسى اتفاقاً سياسياً طوى مرحلة الصراع دامت لعقدين ونيّف بين المكونين المسيحيين الأقوى على الساحة اللبنانية، وذلك على خلفية ملف الكهرباء وصراع الطرفين على حقيبة وزارة الطاقة في حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، غداة إعلان رئيس «القوات» سمير جعجع، عن رغبته في أن تؤول حقيبة الطاقة إلى حزبه لإصلاح وضع الكهرباء المتردّي منذ عقود، فيما انتقد رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل سلوك «القوات»، وأبدى أسفه لأن «خطابهم قائم على مواجهتنا».
كلام جعجع الذي فسّرته أوساط «الوطني الحر» على أنه مصادرة مسبقة لحقيبة الطاقة التي يحتفظ بها منذ العام 2008، لم يستفزّ جبران باسيل، فحسب، إذ سارع وزير الطاقة سيزار أبي خليل، إلى القول إنه «من المستحيلات أن تُناط وزارة الطاقة بالقوات اللبنانية في أي وقت»، مشيراً إلى أن «الأداء الوزاري للقوات عموماً وأداءها التعطيلي والتدميري في قطاع الكهرباء خصوصاً، لا يؤهلها لتولّي هذه الحقيبة»، معتبراً أن القوات «لم تحقق أي إنجاز في وزاراتها يسمح لها بالحصول على وزارة الطاقة».
هذا الموقف التصعيدي، ردّ عليه عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف لم يروا في مواقفنا في ملف الكهرباء إلا عرقلة لخططهم، ولم يجدوا إيجابية في اقتراحاتنا الهادفة للعمل ضمن القانون وبما يخدم مصلحة المواطن وخزينة الدولة، لأنها تفشل صفقاتهم». ورأى أن وزراء التيار الحرّ «يعتبرون اللعبة كيدية، فتأتي ردة فعلهم خارج إطار المألوف».
وتوقّف زهرا عند وصف وزير الطاقة السلوك القواتي بـ«التدميري»، فرأى أن «الحماوة الانتخابية تجعل كلام أبي خليل خارج آداب السياسة وأصول التخاطب». وتابع بأن «دفاعهم المستميت عن بقاء وزارة الطاقة ضمن حصتهم، يؤكد شكوكنا بعدم وجود إدارة حكيمة لحلّ ملف الكهرباء، والاحتفاظ بمصالحهم الشخصية، من هنا ندعو الناس إلى الحكم على هذه الممارسة».
وكان التيار الحرّ والقوات اللبنانية وقعّا تفاهم معراب في يناير (كانون الثاني) 2016، الذي توّج بتأييد سمير جعجع ترشيحه العماد عون لرئاسة الجمهورية، وتخلله اتفاقات جانبية أسست لتحالفات انتخابية قبل أن يأتي القانون الانتخابي النسبي ويطيح بالتحالف الانتخابي بين الطرفين.
وعمّا إذا كان التأزّم المتدحرج، ينذر بنسف تفاهم معراب، اكتفى النائب أنطوان زهرا بالتأكيد على أن الخلاف «لن يصل إلى مستوى نسف التفاهم مع الرئيس ميشال عون، الذي يهمّنا أن تبقى العلاقة راسخة معه»، رافضاً الردّ على مستقبل العلاقة مع التيار الحرّ، لكنه اكتفى بالقول: «لا أعرف إذا كان هذا التيار لا يزال مؤمناً بفكر العماد عون أم أنه أصبح في مكان آخر؟».
وأمام ارتفاع وتيرة الخطاب الخارج عن روح ورقة معراب، أكد عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب آلان عون لـ«الشرق الأوسط»، أن «التصعيد القواتي ضدّ التيار ينطلق من خلفية انتخابية». وقال: «تدرك القوات اللبنانية، أن منافسها القوي انتخابياً في معظم المناطق، هو التيار الحرّ وليس الآخرين، لذلك هم يغامرون بالمصالحة من أجل مكاسب انتخابية ظرفية، بدل الحفاظ على الحدّ الأدنى من مكاسب المصالحة»، مشدداً على أن «قيادة التيار الحرّ وجمهوره أوعى من العودة إلى الوراء».
من جهته، علّق عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب فادي كرم، على تصريح أبي خليل وتهجمه على «القوات»، ورأى في تغريدة له عبر مواقع «تويتر»، أن «الوقاحة وصلت مع وزير الطاقة سيزار أبي خليل الفاشل، ليس حدّ التهرّب من مسؤوليّاته، بل رميها على وزراء «القوات اللبنانية»، لأنّه مطمئن بأنّ لا محاسبة له». وقال: «في الدول المتطوّرة إدارياً يحال هكذا وزراء إلى القضاء، وبالتالي صار بدّا شعب يحاسب».
ويشكّل وزراء «القوات اللبنانية» رأس حربة المعارضين في مواجهة ملف الكهرباء الذي قدّمه وزير الطاقة إلى مجلس الوزراء، والقائم على حلّ مؤقت يقضي باستئجار بواخر من تركيا لتعويض النقص في الطاقة الكهربائية، واعتراضهم على تمرير المشروع من دون عرضه على إدارة المناقصات للتدقيق فيه، والتثبت من عدم وجود هدر للمال العام، وأشار وزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي (وزير قواتي)، إلى أن وزراء القوات «سيعطون رأيهم في ملف الكهرباء، بالاستناد للتوضيحات التي قدمها وزير الطاقة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم