ديونتاي وايلدر الرجل الذي يرغب أنتوني جوشوا في خوض المواجهة القادمة أمامه - ومع هذا، فإنه إذا ما استعاد تايسون فيوري لياقته من جديد، فإنه ربما يشكل اختباراً أصعب أمام جوشوا. في لحظة معينة بالتأكيد سيصبح القول الفصل للمال. ومن المنتظر أن تنتهي المفاوضات الجارية بين جوشوا ووايلدر، والتي أصبحت تحمل على نحو متزايد أجواء مشاحنة داخل ملعب مدرسة ثانوية، بوقوف نجمي الوزن الثقيل في مواجهة بعضهما البعض ووضعهما الحزامين اللذين يتقلداهما على المحك في خضم مواجهة ملحمية.
ومع ذلك، ثمة احتمال أن ينجح جوشوا في صنع التاريخ - الأمر الذي أتوقعه - وأضاف إلى سجل بطولاته حزام المجلس العالمي للملاكمة (دبليو بي سي) الذي يتقلده وايلدر حالياً ليضمه إلى بطولات رابطة الملاكمة العالمية (دبليو بي إيه) والاتحاد الدولي للملاكمة (آي بي إف) ومنظمة الملاكمة العالمية (دبليو بي أو)، وبذلك يصبح جوشوا أول ملاكم في الوزن الثقيل يتقلد الأحزمة الأربعة الكبرى جميعاً في ذات الوقت. ومع هذا، يبقى هناك ملاكم بارز يشكل الاختبار الأصعب أمام جوشوا: تايسون فيوري.
وليس المقصود هنا فيوري الذي شاهدناه على امتداد جزء كبير من العامين الماضيين: بجسده الممتلئ على نحو جعله أشبه بديك رومي يجري تسمينه من أجل التهامه خلال أعياد الميلاد، في الوقت الذي يناضل في مواجهة حظر عقوبة حظر فرضت ضده بسبب ظهور نتائج إيجابية لعينة تخصه فيما يتعلق بمادة الناندرولون، وأطلق آراءً سخيفة جعلته أشبه بالسكير في «سبيكرز كورنر». وإنما المقصود هنا فيوري المتوهج الذي رأيناه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، والذي بدا أشبه بلغز أمام فلاديمير كليتشكو لم يتمكن الأخير من العثور على إجابته قط.
كان الكثيرون قد فقدوا الأمل في أن يعود هذا الوجه لفيوري مرة أخرى. ومع ذلك، أطلق صديقه ريكي هيتون «تغريدة» عبر موقع «تويتر» قال فيها: «يبدو في كامل لياقته وواثق من نفسه. لقد عاد المتبختر!» ومع هذا، تبقى مسألة ما إذا كان بمقدور الملاكم الذي أطلق عليه البعض «ملك الغجر» خوض 12 جولة في أي وقت قريب، أمرا مختلفا تماماً. وقد أعرب أحد ملاكمي الوزن الثقيل الذين تحدثت إليهم العام الماضي، والذي سبق له مواجهة جوشوا وفيوري، عن اعتقاده بأن هذه العودة وشيكة للغاية. وشدد متحدثاً بنبرة تقدير وإجلال على أن مواجهة فيوري «كانت أشبه بمقاتلة أخطبوط»، مع تمتعه بوزن مثالي وتوجيه ضرباته لمدى واسع وإبدائه قدرة لافتة على تجنب اللكمات.
أما التحدي القائم أمام وايلدر فيتسم بطابع مباشر أكثر، فعلى الرغم من أن الملاكم الأميركي يوجه لكمات قوية على نحو يليق بشخص يستعين بتيتانيوم في مفاصله، فإنه يلعب على نحو يجعله يبدو كملاكم يفتقر إلى الخبرة. وإذا نجح جوشوا في توجيه لكماته بذكاء، والبقاء بعيداً عن القنابل التي يطلقها خصمه من زوايا قاتلة، فإنه بالتأكيد سيتمكن من الاستفادة من تهور وايلدر وتوازنه الرديء.
من ناحية أخرى، من الواضح أن جوشوا هو الآخر يتحرك باتجاه مزيد من النضج. قبل المواجهة أمام جوزيف باركر، تحدث بود عن الدروس التي استفادها من الأسلوب الذي حاول كليتشكو من خلاله السيطرة عليه قبل مواجهتهما، وكذلك من سعي الملاكم الأوكراني المستمر نحو تحسين أدائه. ويوحي الأسلوب الذي اتبعه في توجيه اللكمات إلى باركر، والأسلوب الماهر الذي تسلل به سريعاً خارج مدى اللكمات في أي لحظة كان يحاول الملاكم النيوزيلندي توجيه لكمة له، بأنه تمكن بالفعل من استيعاب بعض مهارات كليتشكو أيضاً.
جدير بالذكر أن مدرب باركر، كيفين باري، كان يتولى تدريب ملاكم آخر، ديفيد توا، عندما كان يخوض مواجهة أمام لينوكس لويس في خضم تنافسهما على لقب الوزن الثقيل عام 2000. وكان يجري النظر إلى توا باعتباره تحدياً ليس بالهين. إلا أن الملاكم تداعى تحت وقع لكمات لويس. ولم يتغير الأمر كثيرا منذ ذلك الحين.
ورغم أن الـ80.000 مشاهد داخل كارديف رغبوا في مزيد من الإثارة والدماء، هل يمكن لأحد لوم جوشوا لتوجيهه اللكمات على نحو أكثر تحفظاً بعد الجولتين الخامسة والسادسة المثيرتين والمروعتين في آن واحد أمام كليتشكو العام الماضي؟
ومع هذا، من المعتقد أن فيوري سيشكل تحدياً أصعب بكثير، ذلك أن جوشوا يحب السيطرة على المواجهات عبر لكماته الخاطفة والتي يوجهها مرة بعد أخرى لوجه خصمه بقوة كبيرة. ومن تلك اليد اليسرى، يتدفق كل شيء آخر. إلا أن توجيه لكمة إلى فيوري سينطوي على صعوبة أكبر بكثير، بالنظر إلى أنه أطول بمقدار ثلاث بوصات ما يمنحه مدى أوسع.
ورغم أن فيوري غالباً ما يبدو فظاً خارج الحلبة، فإنه بداخلها يبدي براعة تكتيكية تقربه إلى النفس. يمكنك النظر، على سبيل المثال، إلى أسلوب تعامله مع كليتشكو، الذي تقلد على الأقل نسخة من بطولة العالم للوزن الثقيل لمدة تقارب 10 سنوات وفاز في 64 من إجمالي 67 مواجهة خاضها، جاء الفوز في 53 منها بالضربة القاضية، وذلك قبل أن يقف الاثنان في مواجهة بعضهما البعض.
خلال المباراة، التزم فيوري القتال بالوضعية المعروفة باسم «أورثوذكس»، حيث تتقدم الذراع اليسرى للملاكم عن ذراعه اليمنى، مع اعتماده في هجماته على يده اليسرى. ومع هذا، أبدى قدرته على التحول إلى الوضع المعروف باسم «الأعسر» في أي لحظة كان خصمه يقترب منه. وقد نجح ذلك في الحيلولة دون تمكن كليتشكو من إحكام السيطرة على الجزء الخاص به من الحلبة، لكن في الوقت ذاته زاد ذلك المسافة بين الذراع اليمنى للملاكم الأوكراني وذقن فيوري، ما زاد صعوبة استخدام فلاديمير للمدفعية الثقيلة. وإذا ما شاهدت المباراة مرة أخرى ستلحظ كذلك أن فيوري كان يتحرك باستمرار باتجاه اليمين أثناء اتخاذه الوضع المعروف باسم «الأعسر»، حيث تتقدم الذراع اليمنى والساق اليمنى للملاكم نحو الأمام، ما مكنه من تقويض فاعلية لكمات اليد اليمنى للملاكم الأوكراني.
ورغم أن هذا الأسلوب لم يوفر مشاهدة ممتعة، فإن فيوري نجح من خلاله للتأكيد على أن المواجهة ستجري تبعاً لشروطه وتمكن في النهاية من حسم المواجهة لصالحه على نحو واضح ومستحق. ومع أنه ربما لا يكون أقوى الملاكمين على الساحة، فإنه ليس بحاجة ماسة إلى ذلك بالنظر إلى قدرته الكبيرة على جذب خصمه إلى مستواه وضمان فرض شروطه على المواجهة. وأثناء أفضل لحظات المباراة، أبدى جوشوا ذكاءً استثنائياً مكنه من إيقاف فيوري.
من ناحية أخرى، اعترف إيدي هيرن، المسؤول المعني عن الترويج والدعاية لجوشوا، مؤخرا، أنه إذا لم تجر مواجهة وايلدر خلال عام 2018 فسيترتب على ذلك «مشكلات خطيرة» لأنه سيتعين على الملاكم الإنجليزي حينها الدخول في مواجهات إجبارية أمام منافسيه في إطار بطولات رابطة الملاكمة العالمية والاتحاد الدولي للملاكمة ومنظمة الملاكمة العالمية. من جهته، قال جوشوا: «يدور عام 2018 برمته حول الحصول على جميع الأحزمة ونحن اليوم في الطريق وراء أحدها. وسيتعين علي التحلي بأكبر قدر ممكن من القوة على طاولة التفاوض لإنجاز ذلك».
بالتأكيد سيتعين عليه ذلك، لكن إذا انتهى من التعامل مع وايلدر، فإنه يعي جيداً أن فيوري ستتوافر لديه بضعة بطاقات تفاوض خاصة به، داخل وخارج الحلبة.
جوشوا ما بين وايلدر الخطير وفيوري القوي
في سعيه إلى صنع التاريخ والفوز بالأحزمة العالمية الأربعة الكبرى للملاكمة
تايسون فيوري يوجه ضربة يمينية إلى فلاديمير كليتشكو خلال مواجهتهما عام 2015
جوشوا ما بين وايلدر الخطير وفيوري القوي
تايسون فيوري يوجه ضربة يمينية إلى فلاديمير كليتشكو خلال مواجهتهما عام 2015
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

