منتدى الرؤساء التنفيذيين السعودي ـ الفرنسي: دعوات لشراكات ريادية في القطاعات كافة

ثلة من الوزراء السعوديين والفرنسيين... عشرات الخبراء وأضعافهم من رجال الأعمال من فرنسا والسعودية حضروا إلى مقر المؤتمرات التابع لوزارة الخارجية الفرنسية في «منتدى الرؤساء التنفيذيين السعودي - الفرنسي» الذي التأم أمس في العاصمة الفرنسية برعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وحقيقة محتواه أن الطرف السعودي أراد اغتنام هذه الفرصة ليطرح ويشدد على رغبته في اجتذاب استثمارات فرنسية جديدة تستفيد من الفرص الواعدة التي توفرها «رؤية 2030».
والأمور لا تقتصر فقط على الاقتصاد والتجارة بل هي شاملة، ودلت عليها ورش العمل الأربع التي تعاقبت بعد الافتتاح الرسمي للمؤتمر: أولاها، القطاع الصناعي وفرصه، وثانيها الثقافة والسياحة والضيافة، وثالثها التكنولوجيات الحديثة والشركات الناشئة، ورابعها الصناديق السيادية. بالمقابل، فإن التوجه الفرنسي أكان الرسمي أو الخاص يكمن في أمرين: الأول، رغبة في التعرف أكثر فأكثر إلى ما تحتضنه السعودية من تغيرات تشمل كل الميادين. والثاني، الإعراب عن استعداد الحكومة والشركات الفرنسية لـ«مواكبة» حركة الانفتاح والتحديث السعودية.
وضم الاجتماع وزيري الطاقة والثروة المعدنية السعوديين ووزيري الخارجية والاقتصاد والمالية الفرنسيين ورؤساء شركات أساسية فاعلة في السوق السعودية مثل شركة توتال النفطية وجيرار ميستراليه، وشركة الغاز الوطنية إنجي وبنك بي إن بي - باريبا. وحضر من الجانب السعودي رئيس شركة أرامكو وشخصيات عديدة فاعلة اقتصاديا وماليا.
في كلمته الافتتاحية، نوه الوزير خالد الفالح بـ«القيم المشتركة» التي تقود العمل العام في السعودية وفرنسا، وبالعلاقات الوثيقة بين الطرفين، وبقدرات الاقتصاد الفرنسي بما في ذلك «القوة الناعمة»، ليخلص إلى القول إن ما تسعى إليه الرياض هو «تحقيق رؤية 2030 وهي لا تستطيع ذلك وحدها، بل تحتاج لشراكات استراتيجية تضم كل القطاعات الاقتصادية والصناعية». وعرض الفالح للإصلاحات الاقتصادية والقانونية والإجرائية التي نفذتها الحكومة السعودية عملا برؤية 2030، وتلك التي تنص عليها البرامج الإصلاحية «تخصيص بعض القطاعات، وتنويع الاقتصاد، وتحسين الإنتاجية، وإشراك الشباب والمرأة، وتطوير القطاعات السياحية والثقافية، وسن القوانين وفتح الباب أكثر فأكثر أمام القطاع الخاص»... ونتيجة ذلك كله، بحسب الوزير السعودي، «إيجاد بيئة استثمارية ملائمة» تستفيد من أساسيات الاقتصاد السعودي ومن تحولاته الإيجابية.
وشدد الفالح على رغبة السعودية في التركيز على التكنولوجيات الجديدة وتوطينها، وحث الشركات الفرنسية الضالعة في هذا القطاع على الذهاب إلى السعودية والاستفادة من المشاريع الكبرى ومنها مثلا مدينة «نيوم» التي يفترض تطويرها توفير استثمارات تصل إلى 500 مليار دولار.
وقال الفالح: «نود التعاون مع الفرنسيين لإيجاد الحاضنات للشركات التكنولوجية الحديثة، وما نريده نحن سبق للرئيس ماكرون أن طلب تحقيقه في فرنسا». وتفصيلا، يريد الفالح تطوير التعليم والكليات، والتركيز على الابتكار الرقمي والشبكات الذكية والذكاء الاصطناعي، مشيرا إلى الأهمية التي تمثلها مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بحيث تكون السعودية «رائدة» في هذا المجال. واختصارا، يرى الفالح أن السعودية «تمتلك اليوم كامل مفاتيح النجاح»، وهي «تريد التعاون ومزيدا من الاستثمارات المتبادلة، ودعم المبادرات المشتركة بين القطاعين العام والخاص».
ما تناوله الوزير الفالح، عاد إليه وزير التجارة والاستثمار ماجد القصبي، لكنه عمد إلى تفصيل الإصلاحات والإجراءات والتدابير والقوانين التي أقرتها الحكومة لتوفير الانفتاح المطلوب، ولتسهيل سير الأعمال وتشجيع المستثمر الخارجي، مشيرا إلى محاربة البيروقراطية، وإيجاد هيئات للتحكيم، وقانون الملكية الفكرية، وإعطاء رخص الاستثمار، وتدشين قطاعات جديدة ثقافية وترفيهية وفنية.
وبالإضافة إلى الفرص «التقليدية» المتمثلة بالقطاع النفطي، شدد المسؤولان على رغبة السعودية في أن تكون رائدة في قطاع الطاقة النووية والشمسية والمتجددة والمحافظة على البيئة، وكلها توفر فرصا استثمارية رئيسية.
وخلاصة الوزير القصبي أن ما تعيشه السعودية يمكن اعتباره «تغييرا حقيقيا»، الأمر الذي أثنى عليه جان لوميير، رئيس بنك بي إن بي باريبا الناشط في السعودية والخليج بشكل عام. وركز لوميير، في مداخلاته على ما يراه من تحولات إيجابية في السعودية، و«التغيير الواضح» الذي يلحظه في العديد من المجالات، و«وجود أشخاص يعرفون ما يقومون به». ويضيف المسؤول المصرفي الفرنسي أن «رؤية 2030» «توفر إطارا يمكننا من أن نعرف أين نستثمر وكيف نستطيع التصرف في المستقبل». لكنه دعا إلى «الغوص أكثر فأكثر على التفاصيل».
ما يريده الطرف السعودي، رد عليه بداية وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي عرض «الإطار العام» للعلاقات الفرنسية - السعودية، التي وصفها بـ«المتينة والوطيدة»، مدللا على ذلك بتصريحات الرئيس ماكرون في الأيام الأخيرة. وبما أن باريس والرياض داخلتان في حركة إصلاحية واسعة، فإن هذا التوازي يشكل «فرصة لتعزيز التعاون الاستراتيجي وتزخيم الاستثمار». وأشار لودريان إلى أن بلاده «تعي أهمية السعودية العضو في مجموعة العشرين والرائدة في العديد من القطاعات». وبحسب الوزير لودريان الذي عدد القطاعات التي تستطيع التجاوب ومواكبة الطلب السعودي، فإن الشركات الفرنسية «تمتلك الخبرة والريادة ويشهد لها عالميا، وهي خصوصا جاهزة ماديا وإنسانيا للتجاوب مع رغبات ولي العهد والرئيس ماكرون لخلق الشراكة الاستراتيجية» التي يريدها البلدان من أجل إنجاح اقتصادهما.