باحثون ونقاد مصريون يستعرضون «صورة القدس في الآداب العالمية»

كتّاب بريطانيون لعبوا دوراً في احتلال فلسطين

باحثون ونقاد مصريون يستعرضون «صورة القدس في الآداب العالمية»
TT

باحثون ونقاد مصريون يستعرضون «صورة القدس في الآداب العالمية»

باحثون ونقاد مصريون يستعرضون «صورة القدس في الآداب العالمية»

حسب نقاد وباحثين مصريين، احتلت القدس وشوارعها وأحياءها ومزاراتها الدينية اهتمام كثيرين من الكتاب والأدباء والشعراء حول العالم على اختلاف لغاتهم وتوجهاتهم، فقد كانوا منذ مئات السنين يزورونها حجاجاً باحثين عن المتعة الروحية، ورَحَّالة يفتشون في دروبها الضيقة عن المعرفة، ويعودون بكتابات تفصيلية عن سكانها وحياتهم اليومية، وعاداتهم وتقاليدهم، وعمارة بيوتهم، ونشاطاتهم التجارية والاجتماعية.
الباحثون الذين ينتمون لأقسام اللغات الأجنبية في الجامعات المصرية، أكدوا خلال فعاليات ندوة دارت أبحاثها ودراساتها، الاثنين الماضي بالمجلس الأعلى للثقافة المصري، حول صورة القدس في الآداب العالمية، أن هذه الكتابات خصوصاً البريطانية منها، مهَّدَت بشكل كبير لاحتلال فلسطين، وظهور إسرائيل.
وجهة النظر هذه عرضتها الباحثة الدكتورة فاتن مرسي، أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة عين شمس، وهي تتحدث عن الاستشراق بمعناه الاستعماري في كتابات العلماء والرحالة والسياسيين والكتاب الإنجليز حول الشرق، بما في ذلك فلسطين، وقالت إن صدور وعد بلفور، ودخول الجنرال أدموند اللنبي إلى القدس، ما كان لهما أن يستمرّا واقعاً حتى الآن، دون التمهيد لهما تاريخيّاً وثقافيّاً وأدبياً، منذ العصر الإليزابيثي، وبداية المطامع الاستعمارية البريطانية، حتى القرن التاسع عشر.
وتقيم د. مرسي تلك الكتابات بوصفها كتابات غير بريئة، لعبت دوراً كبيراً في المأساة الفلسطينية، وقام كتابها أمثال تي إتش لورانس، ووالتر سكوت، ولورد جورج كرزون وغيرهم بدور الوكلاء الإمبرياليين من أجل بسط نفوذ الإمبراطورية البريطانية على كثير من المستعمرات.
انتشار ظاهرة سفر شبان وسيدات من العائلات الإنجليزية الكبيرة إلى الشرق فيما يُعرف بالجولة البعيدة، وتحركهم إلى فرنسا، ودول غرب وشرق المتوسط، طلباً للمتعة، فضلاً عن الرحلات التي خرجت بدوافع دينية، لنشر المذهب البروتستانتي، كلها صبَّت، حسب مرسي، في خطوط دعم السيطرة البريطانية على مستعمراتها في الشرق، فضلاً عن الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولم يَغِب عن تلك الجهود الاستعمارية، بالطبع، قيام كثير من الكتاب والمشاهير الإنجليز بزيارات للقدس أمثال إي أم فورستر، وبنجامين دزرائيلي صاحب رواية «الصليبية الجديدة»، التي حاول فيها التوفيق بين تمسُّكِه بجذوره اليهودية ومطامعه الإمبريالية البريطانية، ولا تخرج الروائية البريطانية جورج إليوت، طبقاً للباحثة عن هذا السياق، فمعظم رواياتها، بداية من آدم بيد وميدل مارش ودانيال ديروندا، تعتبر تجسيداً للمشروع الصهيوني البريطاني، من حيث تبنيها فكرة إعادة صياغة الواقع الجغرافي والديموغرافي داخل وخارج إنجلترا، ولا يختلف عنها تشارلز ديكنز الذي عُرِف عنه تنميطه لشخصيه اليهودي، في روايته الشهيرة «أوليفر تويست»، ففي روايته «صديقنا المشترك» يمحو الآثار النفسية والاجتماعية التي خلَّفَتها الصورة النمطية لشخصية فاغن التي رسمها في أوليفر تويست، ويصور ريا نقيضاً تماماً له، ويجعله ضحية عصور من الظلم العنصري الذي تعرَّض له مع غيره من اليهود.
لكن هذه الصورة التي رسمتها الدكتورة مرسي عن الكتاب والرحالة البريطانيين، نجدها مختلفة عند الروس، على الأقل في رأي الدكتور محمد نصر الدين الجبالي أستاذ الأدب الروسي بكلية الألسن جامعة عين شمس. ففي مداخلته عن «تطوُّر صورة مدينة القدس في الأدب الروسي من القرن العاشر حتى القرن العشرين»، تحدث عن كتابات الرحالة والمبدعين الروس الذين زاروا القدس، ولفت إلى أنهم كانوا يسجلون كل تفصيلة يمرون بها، ما أعطى خصوصية وزخماً كبيراً لها في حكاياتهم، وأشعارهم، وشكَّل دعماً كبيراً للمدينة العريقة، وظل هذا الوضع قائماً حتى رحيل مليون روسي قبل نهاية القرن العشرين بتسعة أعوام، إلى إسرائيل، ما شكل منعطفاً خطيراً في مسار القضية، وكان لكتابات الأدباء منهم تأثير سلبي بين قطاعات الرأي العام في بلادهم، بعدما كانوا من أكثر الداعمين لها، وللحقوق الفلسطينية.
وأشار الجبالي إلى أن تاريخ الأدب الروسي يشير إلى نشأته المرتبطة بالمسيحية، التي دخلت إلى هناك في القرن العاشر الميلادي، وللحجاج الذين زاروا القدس كتابات مهمة لا يمكن إغفالها، فلم تقتصر زيارة الرحالة الروس للقدس، حسب الجبالي، على المسيحيين فقط، بل زارها الحجاج المسلمون أيضاً، وهم في طريق عودتهم من مكة والمدينة، وقدم جميعهم كتابات جعلتها تتمتع بزخم كبير في الأدب والشعر الروسيين، اللذين اكتسيا بكثير من المعاني الروحية النابعة من قِيَم الديانتين الإسلامية والمسيحية، جعلت للمدينة المقدسة ونهر الأردن وبيت لحم وغيرها من مقدسات مكانة مهمة انعكست على موضوعات القصص والمؤلفات الإبداعية، بدءاً من «الحمام»، وهو أقدم كتاب أدبي روسي يتحدث عن القدس، ويصف كنيستها بأنها أم الكنائس.
ولم يتوقف تناول الأدب الروسي للقدس، والرموز الدينية المسيحية، طبقاً لرأي الجبالي، عند حدود القصص وأدب الرحلات فقط، بل تناولتها القصائد والأشعار الدينية التي تعود للقرن الحادي عشر، وتتحدث عن القديسة صوفيا، كما جاء ذكرها في أغاني البلاط، وكثير من القصص القصيرة، ما يشير إلى أن الأرض المقدسة تمتعت بمكانة جيدة في كل الإنتاج الديني والثقافي الروسي عامة.
من جهتها تعرضت الباحثة الدكتورة إيمان إسماعيل أستاذ اللغة التشيكية بكلية الألسن جامعة عين شمس لـ«صورة القدس في النثر التشيكي»، وذكرت أنها في ارتباطها بالنزاع العربي الإسرائيلي لم تكن محطَّ اهتمام بشكل عام، وانحصرت معظم المساحة التي احتلتها المدينة المقدسة في الأعمال النثرية قديماً وحديثاً، بداية من أدب الرحلات ذي البعد الديني في غالبيته، ومروراً بالأعمال الروائية والقصصية ذات البعد الاجتماعي في معظمها، وانتهاءً بالقصص المنقولة من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد والموجهةِ بالأساس للأطفال والشباب.
ولفتت إسماعيل إلى أن الأدب التشيكي سجل، بعد ذلك، حضوراً مختلفاً لصورة القدس في إطار تاريخي رمزي متخيَّل، بدا من خلال رواية «ثمانية عشر قدساً» التي صدرت في 1986 للكاتب التشيكي يرشي شوتولا، وتناقش قضية التعصب الديني من خلال ثمانية عشر طفلاً من مدينة فلورين الفرنسية، استطاع أحد الرهبان المتجولين استقطابهم كي يهبوا لنصرة القدس، وتحريره من أيدي «الكفرة». كان لكل واحد منهم حلمه الخاص، لكن ما جمعهم كان الرغبة في تغير الواقع وتحويل الحلم إلى حقيقة. تركوا مدينتهم وذهب بعضهم يجتذبه حلم الثراء والمجد، والبعض الآخر يحدوه حلم الراهب بتحرير المدينة المقدسة.
ويرجع زمن الرواية، والكلام لإسماعيل، إلى عام 1212، ومع تتابع أحداثها يمكن رصد التحولات التي تطرأ على شخصيات الأطفال الذين يفقدون آدميتهم، ويتحولون إلى سفَّاحين متعطشين للدماء، بعد أن قابلوا أناساً ملأهم الحقد والحسد، وأساقفة لا يبالون بالواقع المليء بالمآسي. كانوا يروون أنه لا توجد معجزات في هذا العالم، وأنهم لن يروا يسوع، وأن أفضل ما يمكنهم الوصول إليه هو فرصة عمل في أحد بيوت الدعارة، هذا إن لم يتعرضوا للقتل أو الغرق، وهنا يظهر دور الراهب أرنولف، ويحاول إنقاذهم من المصير المظلم الذي ينتظرهم.
وتلاحظ الباحثة أن أحداث الرواية تحمل قدراً عالياً من الرمزية، تحولت فيه القدس إلى هدف في حد ذاتها، صارت الحلم الوحيد، لكنها ليست قدساً واحدة في نفوس أبطالها من الأطفال. كان كل منهم يحمل قدسه الخاص. وباسمها ارتكب بعضهم جرائم مرعبة. يريد «شوتولا» في النهاية أن يقول إنه يمكننا أن نحمل القدس داخل أنفسنا، لكن ينبغي ألا نرتكب في سبيلها الفظائع. ويحاول وهو يسرد أحداثها أن ينتصر للحياة على حساب التعصب.
وكشفت إسماعيل عن صورة أخرى للقدس في النثر التشيكي عبر أحداث رواية «محبوبتي» التي صدرت 1968 للأديب أرنوشت لوستيج، كتبها أثناء إقامته في الأرض المحتلة عام 1948، وجاء صدورها مباشرة قبل أن يهاجر إلى أميركا.
تحكي الرواية قصة الحرب بين العرب وإسرائيل، ووسط أجوائها يتابع الكاتب علاقة الحب، التي مثلت صلب الحدث، وجمعت بين المراسل الحربي، الشاب داني، والمجندة بالجيش الإسرائيلي ماجدا وايلدروفا، ويشعر القارئ، بمرور الوقت، بقوة تلك العلاقة من خلال الخطابات المتبادَلَة بينهما أثناء الحرب، التي استعاض بها المؤلفُ عن السرد المباشر.
وقد تعرضت معظم النسخ التي صدرت من «محبوبتي» للإتلاف بعد أن رفضتها الحكومة الاشتراكية في تشيكوسلوفاكيا آنذاك، لأنها لا تتناول علاقة حب بين رجل وامرأة، بل بين البطل وإسرائيل، من هنا قررت إيمان أن المؤلف لم يختر اسم روايته عفويّاً، فقد قصد أن يقول إن المحبوبة ليست إلا إسرائيل الأرض.
وفي دراستها التي كان عنوانها «فلسطين في الأدب الفرنسي»، لفتت الدكتورة رانيا فتحي إلى أن الكتابة عن القضية الفلسطينية شكلت اتجاهاً قوياً بالمشهد الثقافي الفرنسي، وفرضت نفسها على الساحة الأدبية هناك.
واستعرضت فتحي رواية «نجمة شاردة» الصادرة عام 1993 للكاتب الفرنسي جان ماري غوستاف لوكيزيو، وتدور أحداثها في القدس المحتلة، التي ترفض إستر اليهودية الاستمرار فيها وتقرر العودة إلى فرنسا تضامناً من الفتاة «نجمة» الفلسطينية، التي لم تقابلها سوى مرة واحدة عام 1948، حين يتوقف الزمن ليسجل لحظة خروج نجمة من بلادها، ودخول إستر إليها، ومن خلال أحداثها يشير الكاتب إلى المأساة التي يعيشها أبناؤها، ويرصد في لحظة روائية غاية في الإبداع مشهد لقاء الفتاتين، لكنه في النهاية يساوي بين مأساة اليهود، واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم بعد أن تكبدوا كثيراً من الويلات.



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.