ناتالي غوليه لـ {الشرق الأوسط}: يتعين أن ننظر للسعودية بوصفها «شريكاً استثنائياً»

ترأس عضو مجلس الشيوخ الفرنسي ناتالي غوليه، مجموعة الصداقة «فرنسا - دول الخليج»، منذ سنوات، وهي تعرف بلدانه، خصوصاً السعودية، معرفة تامة لكونها قامت بزيارتها في كثير من المرات.
في حوارها مع «الشرق الأوسط» عرضت غوليه رؤيتها للملكة العربية السعودية، وشددت على الحاجة لتفهم الحركة التحديثية والانفتاح الذي تقوده القيادة السعودية، وضرورة أن تعي باريس طبيعتها وتتجاوب معها. وفيما يلي نص الحوار:
- تقوم بين السعودية وفرنسا منذ سنوات «شراكة استراتيجية». بدايةً، ما تقييمك لها؟ وتالياً، ما المحتويات الإضافية التي يتعين توفيرها لدفعها إلى الأمام وجعلها أكثر كثافة وفائدة للطرفين؟
- في تقديري، فإن العلاقات الفرنسية - السعودية ممتازة، وكما أشرت، ثمة شراكات استراتيجية قائمة بين الطرفين في المجالات الاستراتيجية والسياسية العسكرية والاقتصادية. ولكن أبعد من الحديث عن العقود وأرقامها، أعتقد أن السعودية تواجه تحديات قطاعية استراتيجية مثل التنمية المستدامة والرياضة والشباب والسياحة... وفي هذه القطاعات، تتمتع فرنسا بخبرات وافية ومعترف بها، وبالتالي فإنها تمتلك أوراقاً مهمة تستطيع تسخيرها لدفع هذه العلاقات إلى الأمام. وعلى سبيل المثال لا الحصر، بدأنا بإقامة تعاون في مجال الرياضة. وهكذا، فإن فريق الفتيات في نادي جدة جاء إلى فرنسا العام الماضي، ونظَّمنا له لقاءات رياضية. وفي قطاع السياحة، أعتقد أنه يتعين على فرنسا أيضاً أن تهتم بالمشاريع التنموية والتطويرية التي تطلقها المملكة، ومنها الاهتمام بالأنشطة السياحية في المدينة الجديدة «نيوم» على البحر الأحمر التي ستكون مساحتها ثلاثة أضعاف جزيرة قبرص، بحيث تبلغ 26.5 ألف كلم مربع. ومن الخطط الموضوعة، بناء جسر يربط بينها وبين مصر. وأذكر أن التقديرات تشير إلى استثمارات يمكن أن تبلغ 500 مليار دولار.
وبنظري، فإن التحدي يكمن أيضاً في أن التعاون بين الطرفين ضلعه الأساسي الخبرات التقنية والفنية المتوافرة وهذه لا يمكن تقييمها مالياً فقط، إذ إن لها قيمة مضافة أخرى أبعد من قيمتها المادية.
وأغتنم الفرصة المتاحة لي لأنوه بالتعاون القائم بين فرنسا والسعودية في مجال الحرب على الإرهاب وغسل الأموال. ولقد كان لي شرف الإسهام في هذا التعاون. ويؤسفني أن أقول إن بعض الجهات، بقصد أو من غير قصد، ترفض النظر إلى الوقائع كما هي، ولا ترى أن المملكة السعودية تحارب تمويل الإرهاب، كما أنها تحارب غسل الأموال. وفي هذا السياق، أود الإشارة إلى أن وفداً سعودياً كبيراً جاء إلى باريس أخيراً وعقد سلسلة لقاءات مهمة مع عدد من المؤسسات المالية المعنية. وأستطيع أن أقول إن زيارة هذا الوفد لم تكن شكليةً بل جاءت لتعكس إرادة سياسية في الحرب على الإرهاب. ولا يسعني إلا أن أقول إن المملكة السعودية على رأس تحالف هو نفسه ضحية الإرهاب، وبالتالي فإن عزمه يبدو واضحاً وملموساً ولا رجعة عنه. ولذا، فإنني أدعو إلى الخروج من الصور النمطية «الخاصة بالسعودية» والنظر إلى هذا البلد بموضوعية، إذ إنه يتعين علينا أن نواكبه في توجهه نحو التحديث والانفتاح.
- أود أن نتناول الجوانب السياسية للزيارة، وتحديداً البؤر المتوترة في المنطقة، ومنها الوضع في سوريا والعراق، والحرب في اليمن، والنزاع مع إيران... هل يمكن التحدث عن «وحدة رؤية» بين باريس والرياض بشأن هذه الملفات؟
- بطبيعة الحال، توجد «وحدة رؤية» بين باريس والرياض، خصوصاً بشأن الملفات الإقليمية. ولعل سقوط الصواريخ الإيرانية على الأراضي السعودية يبين كم أن المسألة الأمنية مُلحّة في هذه المنطقة، وكم يتعين الالتفات إليها وإلى السياسة الإيرانية.
- أنتِ تعرفين موقف الرياض الرافض للاتفاق النووي المبرَم مع إيران في صيف عام 2015، بينما تدافع باريس عنه. هل تعتبرين أن هذه المسألة قد تشكل عائقاً يحول دون تعزيز العلاقات السعودية - الفرنسية؟
- أحد ثوابت الدبلوماسية الفرنسية أن باريس تتحدث إلى الجميع. لكن الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية جان إيف لو دريان إلى طهران بيَّنَت محدودية التقارب بين البلدين التي سيصعب تخطيها. وفي هذا السياق، فإن رئيس الجمهورية وكذلك وزير الخارجية كانا واضحين تماماً في التعبير عن معارضة فرنسا لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية. وإذا كان صحيحاً أن ملف الاتفاق النووي مع إيران قد أوجد نوعاً من سوء الفهم بين باريس والرياض، فإن لفرنسا سياستها، وأعتقد أن أصدقاءنا السعوديين يمكن أن يتفهموا هذا الأمر.
- ما النتائج الملموسة التي يتعين توقعها من هذه الزيارة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية فضلاً عن القطاعات الثقافية والعلمية؟ وماذا عن التعاون في المجال الدفاعي بين البلدين؟
- تشكِّل المملكة السعودية فضاءً رحباً لإقامة شراكات طموحة. وسبق لي أن عدَّدْت بعض المجالات التي يمكن لبلدينا التعاون بشأنها، مثل التنمية المستدامة والاقتصاد «الأخضر»، والثقافة والسياحة، وأستطيع أن أضيف إليها القطاع الصحي. ولو توقفنا عند التطوير السياحي الذي تريده المملكة السعودية، فإن هدفاً كهذا يحتاج لتأهيل العاملين فيه ما يفتح باباً واسعاً للسياحة الفرنسية. بالطبع، ثمة مواضيع أخرى، غير التعاون الدفاعي والعسكري، سيتم البحث فيها بين الطرفين وسيتم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم. ولكنني أعتذر عن الكشف عنها. وما أستطيع قوله هو أنه لا يمكن استبعاد الإعلان عن مفاجآت.
وختاماً، وإذا أُتيحَت لي الفرصة لأن أقول كلمة أخيرة بخصوص المملكة السعودية فهي التالية: السعودية سوف تترأس بعد عامين (مجموعة العشرين)، ويتوجب علينا اليوم أن ننظر إليها بوصفها (شريكاً استثنائياً)، وأن نواكبها في انفتاحها وتنميتها، بما في ذلك الإصلاحات الاجتماعية التي تعمل على إطلاقها، كما أن علينا احترام شركائنا. وفي المسائل المجتمعية، علينا أن نأخذ دائماً بعين الاعتبار أن المملكة السعودية حارسة الحرمين الشريفين، وهي تطبِّق القواعد الأساسية للشريعة الإسلامية، وعلينا احترام سيادة الدول، لكن هذا لا يمنعنا من الإعراب عن معارضتنا للحكم بالإعدام.