تنامي ظاهرة إصدار المجلات باللغة الإنجليزية في القاهرة

رئيس تحرير «الزمالك» لـ {الشرق الأوسط}: المطبوعات الورقية قادرة على المنافسة

من المجلات التي تصدر باللغة الإنجليزية في القاهرة («الشرق الأوسط»)
من المجلات التي تصدر باللغة الإنجليزية في القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

تنامي ظاهرة إصدار المجلات باللغة الإنجليزية في القاهرة

من المجلات التي تصدر باللغة الإنجليزية في القاهرة («الشرق الأوسط»)
من المجلات التي تصدر باللغة الإنجليزية في القاهرة («الشرق الأوسط»)

دارت ماكينات المطبعة ليخرج من الجانب الآخر آلاف النسخ من أول عدد من مجلة باللغة الإنجليزية تحمل اسم الضاحية نفسها (ZAMALEK). وتعد هذه المجلة واحدة من مجلات كثيرة بدأت تخرج من ماكينات الطباعة في العاصمة الأكبر والأكثر سكانا في منطقة الشرق الأوسط، في أجواء يعمها التفاؤل بعد ثلاث سنوات من الاضطرابات السياسية والأمنية.
ويقول موظف المطبعة عدلي جمعة: «نعم.. عادت من جديد، هذه الأيام، ظاهرة إصدار المجلات باللغة الإنجليزية، وبلغات أخرى، ومنها مجلات متخصصة في الأدب أيضا».
يحدث هذا رغم غزو الإعلام الإلكتروني ومنافسته القوية التي أصبحت تهدد عرش الصحف والمجلات المطبوعة، لكن رئيس تحرير مجلة «الزمالك»، شريف الحلوة، وهو أميركي من أصل مصري، يقول إن هذا غير صحيح، وإن المطبوعات الورقية ستستمر في المنافسة لأسباب كثيرة من بينها رغبة القراء في اقتنائها ورغبة المعلنين في وضع دعايتهم فيها.
وكانت المرة الأولى التي شهدت رواجا في إصدار المجلات باللغة الإنجليزية بمصر في ثلاثينات القرن الماضي، حين زاد عدد الأجانب في البلاد بالتزامن مع الاكتشافات الأثرية حينذاك وانتشار الفنون والمسارح والأنشطة الاقتصادية من الشركات الأجنبية. والمرة الثانية كانت في السبعينات، حين أصبحت القاهرة أكثر انفتاحا على الغرب بعد انتهاء حرب أكتوبر (تشرين الأول)، وإلقاء الرئيس الراحل أنور السادات خطابا في الكنيست الإسرائيلي، ودخول الشركات متعددة الجنسيات للاستثمار في البلاد.
أما الآن فإن مصر تعد نفسها لنهضة جديدة بعد أن تمكنت، منذ ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013 من إنجاز خارطة غالبية مراحل خارطة الطريق لتصحيح مسار ثورة 2011 التي أسقطت حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك. وبالإضافة إلى مجلة «الزمالك» تصدر في مصر مجلات أخرى، بعضها جديد وبعضها منذ عدة عقود، وبعضها متخصص في الشؤون المصرية فقط، والبعض الآخر يغطي منطقة الشرق الأوسط والعالم، ومنها مجلات «ديلي نيوز إيجيبت» و«كايرو ويست» و«إيجيبت إندبندنت» و«بيزنس توداي» و«معادي ماسينجر»، و«إيجيبت توداي».
ويقول الحلوة إن فكرة مجلة «الزمالك» بدأت منذ عدة سنوات، لكنها لم تكن تستهدف منطقة الزمالك فقط. ويضيف في مقابلة مع «الشرق الأوسط»: «فكرتي كانت مجرد حلم بأن يتمكن كل أبناء منطقة من الحصول على صحيفتهم التي تتحدث عن منطقتهم وما تحتاج إليه وما فيها، بعيدا عن الأحداث العامة التي تجري في البلاد».
وعلى عكس مجلة «الزمالك»، التي خرجت للسوق قبل يومين، تعني مجلة «إيجيبت توداي» - التي صدرت لأول مرة في عام 1979، وما زالت تطبع في القاهرة وتوزع في كثير من دول العالم - بعرض الأحداث الحالية والأحوال المصرية العامة، إلا أنها تعد أيضا رائدة في شؤون منطقة الشرق الأوسط. ويقول أحد المسؤولين القدامى في هذه المجلة، إن الاسم مستوحى من مجلة قديمة كانت تصدر بنفس الاسم في ثلاثينات القرن الماضي، لكنها كانت بأربع لغات هي العربية والإنجليزية والفرنسية واليونانية.
وأسس مجلة «إيجيبت توداي» بمصر، في ثوبها الجديد، منذ أكثر من 35 سنة، رجل أميركي كان شهيرا في مجال الأعمال والإعلام بالولايات المتحدة، ويدعى ويليام هاريسون. كما أسس مجلة أخرى بمصر اسمها «بيزنس توداي». وفي الوقت الحالي تدير ابنته، «آن» هذه الأعمال في القاهرة.
ومن الطرائف أن غالبية الصحافيين الذين يعملون في مثل هذه المجلات قادمون من مجالات عمل مختلفة قبل أن يكتشفوا أنفسهم في الإعلام والصحافة. ويقول سعيد محمود، الذي كانت وظيفته السابقة دليلا سياحيا، ويكتب حاليا قصصا شيقة ويصور صورا جذابة لنشرها في المجلات الإنجليزية الجديدة عن رحلات السفاري في الصحارى المصرية، إنه اكتشف «هذا العالم الإعلامي الرائع» من خلال السياح الذين يحبون التخييم في الصحراء.. «لاحظت أن معهم المجلات تتحدث عن مصر باللغة الإنجليزية، ولم أكن أصدق أنها تحرر وتطبع في القاهرة».
ومن جانبه لم يبدأ الحلوة، الذي يدير مجلة «الزمالك»، حياته المهنية صحافيا إلا منذ سنوات قليلة. ويقول: «عملت في الصحافة بطريق الصدفة، وبطريقة لم يكن معدا لها على الإطلاق، لكنني عرفت أن هناك شيئا أريد أن أقوم به منذ سنوات طويلة». بدأ كل ذلك في مطبخ صديق لي في الولايات المتحدة، اسمه بترك كينيون، وهو مراسل معروف ومقدم برامج في الراديو الوطني العام بأميركا.. كنا نناقش موضوع الربيع العربي بداية عام 2011.. ثم لاحظ أنني على دارية بالأمور السياسية وتطورات الأحداث بالمنطقة العربية. وبعد أسبوعين وفر لي فرصة الذهاب معه إلى ليبيا مساعدا له في البرنامج الذي يقدمه، حيث كان في حاجة لرجل يتحدث اللغة العربية.
وكتب رئيس تحرير «الزمالك» أول قصة صحافية عن وضع البترول والغاز في ليبيا، نشرت في أبريل (نيسان) عام 2011، على موقع (Platts) وهو موقع باللغة الإنجليزية شهير ومتخصص في النشر عن البترول والغاز. واستمر الحلوة بعد ذلك في التنقل بين عدد من العواصم العربية بحثا عن القصص الصحافية الشيقة، إلى أن استقر به المقام في ضاحية الزمالك، وقرر إصدار مجلة بهذا الاسم في هذه المنطقة الواقعة على النيل وتنتشر فيها دور الرسم والتمثيل والأدب ويعيش فيها رجال أعمال وفنانون وسفراء ومشاهير مصريون وعرب وأجانب.
ويقول الحلوة إنه طلب من شريكته أن تنفذ فكرة المجلة.. «وهي دعمتني طوال الوقت بجلب الإعلانات التي تساعد على طباعة العدد»، مشيرا إلى أن «الطباعة مكلفة جدا في مصر، ربما بأكثر من الأسعار الموجودة في أميركا». ويضيف قائلا: «على الحكومة المصرية أن تتدخل بتخفيض الجمارك (على الورق ومعدات الطباعة) إذا كانت تريد حقا أن تساعد أصحاب مثل هذه المشروعات على تحقيق أحلامهم».
وبالتزامن مع صدور مجلة «الزمالك» وغيرها باللغة الإنجليزية، وهي مجلات تعنى بالشؤون العامة، صدرت مجلات أخرى متخصصة باللغة الإنجليزية، بعضها متخصص في السياحة وبعضها في الأدب، مثل مجلة «روايات» التي صدر أول عدد منها مطلع هذا العام. وكتبت المسؤولة بالمجلة، ليندا كليري، أن مصر تحتاج لهذا النوع من المجلات لأنها دولة غنية بالكتاب. بينما يوضح أحد المسؤولين الآخرين بالمجلة قائلا إن السبب في إصدارها يرجع لعدم وجود مساحة كافية للمصريين للتعبير عن أنفسهم باللغة الإنجليزية، ونريد للشعوب الأخرى أن ترى مصر بعين مختلفة من خلال الآداب سواء ما يكتبه المصريون أو ما يكتب عنهم». وتطمح هذه المجلة الأدبية في التوسع في أسواق أخرى خارج مصر، مثل إنجلترا وأميركا وكندا.
ويحمل معظم المسؤولين عن المجلات الإنجليزية الصادرة بمصر خلفيات حالمة عن الدولة المصرية منذ عهد محمد علي باشا، الذي تولى حكم مصر عام 1805، وحولها سريعا إلى إمبراطورية، وما تلا ذلك من انفتاح لمصر على العالم وشق لقناة السويس وبناء دار الأوبرا، واستضافة زعماء العالم في عدة احتفالات وطنية كبرى، إلى جانب وجود أعداد ضخمة من الجاليات الأجنبية في البلاد، لدرجة تخصيص محاكم خاصة بهم للنظر في قضاياهم والفصل في منازعاتهم. وتزامنت العقود اللاحقة من القرن التاسع عشر بالاكتشافات الأثرية للدولة الفرعونية وهي الكشوف التي أبهرت العالم وزاد معها اهتمام الإعلاميين والكتاب الأجانب بهذا البلد.
ومن المعروف أن الفرنسيين حين غزوا مصر أيام نابليون بونابرت عام 1798 جلبوا معهم أول مطبعة عرفت حينها باسم «المطبعة الشرقية الفرنسية». وصدرت فيما بعد مطبوعات بلغات أجنبية في مصر خاصة في النصف الأول من القرن الماضي. وتوسعت مصر في إقامة المطابع ويوجد في مصر الآلاف منها ما بين مطابع بدائية يرجع عمرها إلى أكثر من نصف قرن من الزمان، وأخرى حديثة تعمل بالتكنولوجيا الرقمية، مرورا بالمطابع المتوسطة التي جلبها التجار من أسواق مما كان يعرف بأوروبا الشرقية، مثل هذه المطبعة الموجودة في ضاحية «العجوزة» ويشغل فيها الموظف جمعة موقع المشرف على ضبط الألوان. ويوضح: «لدينا طلبات لطبع مجلات إنجليزية جديدة منها مجلة تسمى (المعادي) ومجلة (أهرامات الجيزة)».



جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.