لؤي حمزة عباس ينام إلى جوار الكتب

لؤي حمزة عباس ينام إلى جوار الكتب
TT

لؤي حمزة عباس ينام إلى جوار الكتب

لؤي حمزة عباس ينام إلى جوار الكتب

هذا كتاب لا يُقرأ على عجل، بل يُرتشف قطرة قطّرة وعلى مهل، فهو يحكي جانباً مهماً من رحلة كاتب محب، ليس للكتب بكل ما تحويه من معرفة وإبداع واختلاف فحسب، بل للتمثلات الجمالية التي تزخر بها الحياة بكثير من مفرداتها وجملها التي لا يحسن قراءتها إلا الراسخون في تأويل ظلال المعاني، ولا شك أن لؤي حمزة عباس واحد من هؤلاء.
يأخذنا كتاب «النوم إلى جوار الكتب) بصفحاته الـ108 ومقالاته الـ23 في رحلة ماتعة في فلك الكتب والكتّاب بشكل أساسي، ولا تقف تلك الرحلة عند هذا الحد، كما قد يوحي عنوان الكتاب.
في المقالة الأولى، التي يستمد الكتاب منها عنوانه، وفي نص تأملي عميق وحميم في الآن ذاته، نقرأ بصيغة الغائب عن شخص ينام في غرفة المكتبة منذ أكثر من عشرين عاماً، فيما يشبه الفردوس الشخصي، محاطاً برفوف الكتب وأرواح المؤلفين التي ترفرف في زوايا المكتبة. ولأن صاحبنا مؤلف وكاتب أيضاً فهو يؤكد لنا أن سيرة الكاتب ليست سوى رحلته مع الكتب. تلك الكتب التي تختزل وتحضر على هيئة «كتاب وحيد في حياة الكاتب مثل نجم في ليل الرغبة»، حيث يكون هذا الكتاب المقصود «تمثيلاً لكل الكتب».
في هذه المقالة أيضاً يقول لنا كاتبها إنه لو كان لذلك الشخص أن يختار كاتباً واحداً بوصفه ممثلاً لجميع الكتّاب على مر العصور لما تردد في اختيار الجاحظ، الذي كان يسعى مع كل كتاب يؤلفه لتأكيد رغبته بالاختفاء، بخلاف ما ينشده الكتّاب عادة من الرغبة في الظهور وتحقيق الذات، حتى أنه ليريد لنا أن نشاطره الظن في أنه لم يكن هناك جاحظ بعينه، و«إنما هو العبقري الذي كتب ليُنسى، وقد لبس الجاحظ رداءً والبصرةَ منزلاً والبلاغة حجة وآلة».
وفي المقالة الثانية، الأدب والعالم، يتطرق الكاتب لمسألة علاقة الأدب بالعالم، ويشير إلى أن الواقع بات أشد تعقيداً وأكثر تحولاً من الأدب، لأن «أسئلة الواقع أشد فاعلية وأعنف وقعاً وعجائبية من أسئلة الأدب».
وفي إشارة إلى طغيان وهيمنة وسطوة العنف على وجه التحديد، يقول الكاتب إن «كل رقبة مقطوعة توسّع الشق وتفتح الهوة بين دور المثقف وأدوار السكين». غير أن ذلك لا يعني بالضرورة أن الأدب والواقع منفصلان، أو أن الأدب يوجد بمعزل عن واقعه الذي انبثق منه وتفرع عنه، ومهما حاول الأدب «النأي بنفسه والتحليق في سماوات التجريب»، كما يقول المؤلف، فليس هناك مفر ولا انعتاق من الواقع لأن الصلة بينهما قائمة «ولا مجال لمسافة فاصلة». تتوالى مقالات الكتاب فنقرأ فيها احتفاء بمجموعة من الكتّاب مثل نجيب محفوظ وفؤاد التكرلي ومحمد خضير وعبد الزهرة زكي ونجيب المانع عبر الحديث عن بعض أهم كتبهم، كما نقرأ مقالات متنوعة بعضها يدور في فلك الفن وبعضها الآخر ينصرف إلى الاحتفاء بالمكان وثقافته ومفرداته الحياتية الآفلة.
وهناك المقالات/ المراثي الشجية التي يستعيد فيها الكاتب ملامح بعض من رحلوا عن عالمنا بأجسادهم وظلت أرواحهم ترفرف ما بيننا وتتسلل إلينا من كوى الحروف التي سطروها والذكريات التي تركوها وراءهم.
«النوم إلى جوار الكتب» كتاب ممتع ودافع للتأمل والتفكير ومليء بالرؤى العميقة والطرح الرزين، وإن كان لي من مآخذ على الكتاب فهي كثرة الأخطاء الطباعية، وجنوح الكاتب لكتابة فقرات مطولة جداً قد يمتد بعضها على صفحتين أو أقل قليلاً، وهو أمر مرهق للقارئ، خصوصاً أن أسلوب كتابة المؤلف يتسم بمراعاته لجمالية اللغة ونصاعتها، فضلاً عن طرحه العميق كما أشرت أعلاه. غير أن كلا هذين الأمرين لن ينغص على القارئ ولن يُنقص من متعة قراءة هذا الكتاب الذي لن نخرج منه إلا وقد ازددنا حباً للكتب والأدب والفن والجمال.
- كاتب سعودي


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

رحيل الإعلامية ليلى رستم يذكّر ببدايات التلفزيون المصري

الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
TT

رحيل الإعلامية ليلى رستم يذكّر ببدايات التلفزيون المصري

الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)

رحلت الإعلامية المصرية ليلى رستم، الخميس، عن عمر يناهز 88 عاماً، بعد تاريخ حافل في المجال الإعلامي، يذكّر ببدايات التلفزيون المصري في ستينات القرن العشرين، وكانت من أوائل المذيعات به، وقدمت برامج استضافت خلالها رموز المجتمع ومشاهيره، خصوصاً في برنامجها «نجمك المفضل».

ونعت الهيئة الوطنية للإعلام، برئاسة الكاتب أحمد المسلماني، الإعلامية القديرة ليلى رستم، وذكرت في بيان أن الراحلة «من الرعيل الأول للإعلاميين الذين قدموا إعلاماً مهنياً صادقاً متميزاً وأسهموا في تشكيل ثقافة ووعي المشاهد المصري والعربي، حيث قدمت عدداً من البرامج التي حظيت بمشاهدة عالية وشهرة واسعة».

والتحقت ليلى بالتلفزيون المصري في بداياته عام 1960، وهي ابنة المهندس عبد الحميد بك رستم، شقيق الفنان زكي رستم، وعملت مذيعةَ ربط، كما قدمت النشرة الفرنسية وعدداً من البرامج المهمة على مدى مشوارها الإعلامي، وفق بيان الهيئة.

ليلى رستم اشتهرت بمحاورة نجوم الفن والثقافة عبر برامجها (ماسبيرو زمان)

وتصدر خبر رحيل الإعلامية المصرية «التريند» على منصتي «غوغل» و«إكس» بمصر، الخميس، ونعاها عدد من الشخصيات العامة، والعاملين بمجال الإعلام والسينما والفن، من بينهم الإعلامي اللبناني نيشان الذي وصفها على صفحته بمنصة «إكس» بأنها «كسرت طوق الكلاسيكية في الحوار ورفعت سقف الاحترام والمهنية».

كما نعاها المخرج المصري مجدي أحمد علي، وكتب على صفحته بموقع «فيسبوك» أن المذيعة الراحلة «أهم مذيعة رأتها مصر في زمن الرواد... ثقافة ورقة وحضوراً يفوق أحياناً حضور ضيوفها».

واشتهرت ليلى رستم بلقب «صائدة المشاهير»؛ نظراً لإجرائها مقابلات مع كبار الشخصيات المؤثرة في مصر والعالم؛ مما جعلها واحدة من أعلام الإعلام العربي في تلك الحقبة، وقدّمت 3 من أبرز برامج التلفزيون المصري، وهي «الغرفة المضيئة»، «عشرين سؤال»، و«نجمك المفضل»، بالإضافة إلى نشرات إخبارية ضمن برنامج «نافذة على العالم»، وفق نعي لها نشره الناقد الفني المصري محمد رفعت على «فيسبوك».

الإعلامية المصرية الراحلة ليلى رستم (إكس)

ونعاها الناقد الفني المصري طارق الشناوي وكتب عبر صفحته بـ«فيسبوك»: «ودّعتنا الإعلامية القديرة ليلى رستم، كانت أستاذة لا مثيل لها في حضورها وثقافتها وشياكتها، جمعت بين جمال العقل وجمال الملامح»، معرباً عن تمنيه أن تقدم المهرجانات التلفزيونية جائزة تحمل اسمها.

ويُعدّ برنامج «نجمك المفضل» من أشهر أعمال الإعلامية الراحلة، حيث استضافت خلاله أكثر من 150 شخصية من كبار الأدباء والكتاب والصحفيين والفنانين، من بينهم طه حسين، وعبد الحليم حافظ، وأحمد رمزي، وفاتن حمامة وتوفيق الحكيم، كما أجرت مقابلة شهيرة مع الملاكم الأميركي محمد علي كلاي.

وأبرزت بعض التعليقات على «السوشيال ميديا» حوار الإعلامية الراحلة مع كلاي.

وعدّ رئيس تحرير موقع «إعلام دوت كوم» محمد عبد الرحمن، رحيل ليلى رستم «خسارة كبيرة» وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الإعلامية الراحلة كانت تنتمي إلى جيل المؤسسين للتلفزيون المصري، وهو الجيل الذي لم يكن يحتاج إلى إعداد أو دعم، لكن دائماً ما كان قادراً على محاورة العلماء والمفكرين والفنانين بجدارة واقتدار»، موضحاً أن «القيمة الكبيرة التي يمثلها هذا الجيل هي ما جعلت برامجهم تعيش حتى الآن ويعاد بثها على قنوات مثل (ماسبيرو زمان) ومنصة (يوتيوب) وغيرهما، فقد كانت الإعلامية الراحلة تدير حواراً راقياً يحصل خلاله الضيف على فرصته كاملة، ويبرز الحوار حجم الثقافة والرقي للمذيعين في هذه الفترة».

بدأ أول بث للتلفزيون المصري في 21 يوليو (تموز) عام 1960، وهو الأول في أفريقيا والشرق الأوسط، واحتفل بعدها بيومين بعيد «ثورة 23 يوليو»، وبدأ بقناة واحدة، ثم قناتين، ثم قنوات متعددة تلبي احتياجات شرائح مختلفة من المجتمع، ومع الوقت تطور التلفزيون المصري ليصبح قوة للترفيه والمعلومات، وفق الهيئة العامة للاستعلامات.

وشهدت بدايات التلفزيون ظهور إعلاميين مثَّلوا علامة بارزة فيما بعد في العمل التلفزيوني مثل أماني ناشد، وسلوى حجازي، وصلاح زكي وأحمد سمير، وكانت ليلى رستم آخر من تبقى من جيل الروَّاد المؤسسين.