«التوحد» في مصر... أعداد كبيرة وجهود ضئيلة

ارتفاع أسعار العلاج بالقطاع الخاص وندرة المراكز الحكومية أبرز المشكلات

«التوحد» في مصر... أعداد كبيرة وجهود ضئيلة
TT

«التوحد» في مصر... أعداد كبيرة وجهود ضئيلة

«التوحد» في مصر... أعداد كبيرة وجهود ضئيلة

يتذكر العالم في الثاني من أبريل (نيسان) من كل عام مرض التوحد، لتشجيع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على اتخاذ الإجراءات الكفيلة بزيادة الوعي بالأشخاص الذين يعانون في جميع أنحاء العالم. ويصاب بالتوحد ما بين 1 و2 من كل 100 شخص في جميع أنحاء العالم، ويصاب به الأولاد 4 مرات أكثر من البنات. وأفادت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أنه تمت إصابة 1.5% من أطفال الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (واحد من كل 68) بالتوحد، وذلك اعتباراً من عام 2014، بزيادة بلغت نسبتها 30% عن عام 2012. ولقد زاد عدد المصابين بالمرض بشكل كبير منذ الثمانينات، ويرجع ذلك جزئياً إلى التغيرات التي حدثت في تشخيص المرض.
يعاني مرضى التوحد في مصر من ندرة المراكز الطبية الحكومية المتخصصة، وارتفاع تكلفة العلاج في القطاع الخاص. مع انخفاض الدعم الحكومي لهذا المرض الذي ينتشر بصورة متزايدة في السنوات الأخيرة في مصر وعدد من البلدان العربية الأخرى. وطالب اختصاصيو طب نفسي بضرورة افتتاح عدد كبير الوحدات المتخصصة في علاج التوحد وتأهيل الاختصاصيين، لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المرضى من الأطفال، بجانب علاج أزمة سفر الأطباء المؤهلين والخبراء إلى الخارج. ودعا أهالي المصابين كذلك بزيادة جهود الدولة في مكافحة المرض، وتوفير الدعم اللازم لتقليل أعداد قوائم الانتظار بالمستشفيات الحكومية، وخفض التكلفة، للحد من استنزاف الوقت والجهد.
وتنظم مصر فعاليات للتوعية بمرض التوحد، تحت شعار «كلنا سوا في متحف الطفل» لمواكبة الاحتفال باليوم العالمي لمرض التوحد، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2007، وحُدد له 2 أبريل (نيسان) من كل عام بـ«مركز الطفل للحضارة والإبداع»، في متحف الطفل.
وأكد الدكتور نبيل حلمي، سفير النوايا الحسنة لعلاج التوحد وسكرتير عام جمعية «مصر الجديدة»، أن «احتفالية هذا العام تسلط الضوء على أهمية تمكين النساء والفتيات المصابات بالتوحد وإشراكهن والمنظمات التي تمثلهن في صنع السياسات واتخاذ القرارات للتصدي لهذه التحديات، من خلال تنظيم ورش عمل وأنشطة حرفية، بهدف تفعيل دور الأسر والمجتمع في تقديم الخدمات والبرامج للأشخاص ذوى اضطراب التوحد، وصولاً بهم إلى أقصى قدر من الاستقلالية الذاتية وتقرير المصير».
من جانبه، قال الدكتور أسامة عبد الوارث، مدير مركز الطفل للحضارة والإبداع، في بيان صحافي: إن «الهدف من تنظيم الاحتفالية هو دعم مرضى التوحد خصوصاً الأطفال منهم وإشراكهم في مناحي الحياة كافة ودمجهم في الحياة الاجتماعية، بجانب التوعية والتعريف بهذا المرض الذي أصبح يصيب طفلاً من كل 160 طفلاً حول العالم». وأوضح أن هذه النسبة تزيد في دول العالم العربي طبقاً لإحصائية منظمة الصحة العالمية.
بدوره، قال الدكتور سامح حجاج، نائب مدير مستشفى العباسية للصحة النفسية لـ«الشرق الأوسط»: «يحتاج مرض التوحد إلى مجهود كبير جداً، من الجميع (أطباء، أولياء أمور، وحكومة) بسبب طول فترة العلاج، التي تزيد أحياناً على عام كامل، بجانب استمرارية جلسات العلاج التي تكون عادةً شبه يومية». وأضاف أن «تكلفة علاج التوحد في مصر في القطاع الطبي الخاص مكلفة جداً، لأن الجلسة الواحدة لا تقل عن 200 جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 17.6 جنيه مصري)، في وقت يندر فيه وجود مراكز متخصصة في علاج التوحد بالقطاع الحكومي». وأوضح حجاج قائلاً: «معالجو التوحد أطباء متخصصون جداً، وعددهم قليل في مصر حالياً، بعدما فضّل الكثير منهم استكمال دراستهم وعملهم بأوروبا والخليج، بعد الحصول على دورات تدريبية متخصصة في علاج التوحد داخل مصر». ولفت إلى أن «علاج التوحد يعتمد في المقام الأول على مهارات الطبيب، التي يحصل عليها من التدريب المتقدم، وليس حصوله على شهادة في هذا التخصص، لأن علاج التوحد حالياً يعد من التخصصات الدقيقة جداً في مجال الطب النفسي، إذ يعمل به أطباء متخصصون في طب نفسي الأطفال».
قلة عدد الأطباء المتخصصين في علاج التوحد، تقابلها زيادة كبيرة في أعداد المرضى من الأطفال، إذ قدرت الحكومة -على لسان وزير التضامن الاجتماعي المصري، غادة والي- أعداد مرضى التوحد، العام الماضي بنحو 800 ألف مريض. لكن أطباء متخصصين قدروا الأعداد الفعلية بأكثر من ذلك، لعدم وجود إحصاءات ودراسات دقيقة عن هذا المرض في مصر. وتظل الجهود الأهلية المبذولة لعلاج هذا المرض في مصر ضعيفة جداً، مقارنةً بأعداد المرضى. ويشكو أولياء الأمور من فاتورة العلاج المرتفعة بالمراكز الخاصة، حيث تبلغ نحو 3000 جنيه مصري شهرياً، مما يزيد من أعباء الأسر الفقيرة والمتوسطة.
وأوضحت والي، خلال إحدى الفعاليات الخاصة بمرض التوحد العام الماضي، أنه يوجد طفل مصاب من بين كل 160 طفلاً بدرجات مختلفة من الأعراض، لافتةً إلى أن نسبة الإصابة بين الذكور 4 أضعاف الإصابة بين الفتيات، وأن هذا المرض يسبب مشكلات في التواصل الاجتماعي والعاطفي، وأن بعض المصابين لديهم قدرات خاصة متميزة عن أقرانهم ولديهم تفوق.
بدورها، قالت الدكتورة ياسمين رسلان، مديرة وحدة الأطفال بمستشفى العباسية للصحة النفسية، لـ«الشرق الأوسط»: «أزمة علاج التوحد في مصر، تكمن في ندرة المراكز الحكومية المتخصصة في علاج هذا المرض، إذ لا يزيد عددها على 4 مراكز فقط في كل محافظات الجمهورية، واستيعاب فصول هذه المراكز قليل جداً، لأنها تستوعب نحو 30 طفلاً فقط في السنة، لأن علاج التوحد يحتاج إلى وقت طويل جداً وجهد فائق». وأوضحت: «يوجد قائمة انتظار طويلة تقدر بمئات الأطفال لدينا، من الذين يريدون علاج أطفالهم في الفصول الدائمة». ولفتت إلى أن «مستشفى العباسية يقوم بعمل وجهود كبيرة في علاج مرضى التوحد من الأطفال، حيث يستقبل عدداً كبيراً جداً من الأطفال على مدار الأسبوع في العيادات الخارجية، لعمل جلسات سريعة وصرف العلاج».
وعن إمكانات علاج التوحد في مصر، قالت رسلان: «توجد مراكز خاصة متخصصة في علاج التوحد، لكن في الحقيقة التجربة أثبتت أنها تهدف إلى الربح المادي والتجاري على حساب جودة الخدمة الطبية المقدمة، ويضطر الكثير من أولياء الأمور إلى الذهاب إليها بسبب ندرة الأماكن في المستشفيات الحكومية، وفي سبيل ذلك يبذلون جهداً ووقتاً وأموالاً كبيرة جداً، وأحياناً تكون بلا فائدة، لأن بعض المركز تعتمد على جلسات الأكسجين وبعض الأدوية، بينما ثبت أنها لا تعالج الأطفال من التوحد إلا بنسب ضئيلة جداً».


مقالات ذات صلة

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

ما تأثير تناول المغنيسيوم الغذائي بالعموم، أو أقراص مكملات المغنيسيوم، على النوم؟

د. حسن محمد صندقجي
صحتك تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل (رويترز)

تعريض جسمك للبرودة الشديدة قد يساعدك على النوم بشكل أفضل

كشفت دراسة جديدة عن أن تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».