رئاسية مصر تربح «معركة المشاركة»

في غياب المنافسة الجدية، تحوّل حجم الإقبال على الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المصرية، التي أسدل الستار عنها الأسبوع الماضي، إلى التحدي الأبرز للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. وهذا أمر خصص له الرئيس الجزء الأكبر من حملته الدعائية، حاثاً المصريين على المشاركة بـ«غض النظر عن آرائهم»، على حد قوله. غير أنه ومع ظهور مؤشرات أولية لنتيجة الانتخابات، التي سوف تعلن رسمياً يوم (الاثنين) 2 أبريل (نيسان) المقبل، يبدو أن مصر قد ربحت ما يمكن أن يطلق عليه «معركة الغياب»، التي راهن عليها معارضون دعوا إلى مقاطعة الانتخابات، بسبب ما اعتبروه «غياباً لضمانات المنافسة».
أشارت التقديرات الأولية التي ذكرتها وسائل إعلام رسمية تابعت الانتخابات الرئاسية في مصر بالأمس، إلى تسجيل نسبة إقبال على الاقتراع تدور حول 40 في المائة. ومع أن نسبة المشاركة هذه أدنى بقليل من النسبة التي سُجلت في الانتخابات السابقة التي فاز فيها السيسي عام 2014 وبلغت 47 في المائة، فإن مراقبين عزوها إلى غياب المنافسة الجدية، ما أدى لعزوف بعض الناخبين الواثقين من فوز السيسي.
وخاض السيسي (63 سنة) الانتخابات، أمام منافس وحيد هو موسى مصطفى موسى (65 سنة)، رئيس حزب «الغد». واللافت أن موسى لم يكن يخفي دعمه للرئيس المصري، وسبق أن قاد بنفسه حملتين لتأييده. ومن ناحية أخرى، خرج من المنافسة خلال الأشهر الماضية مرشحون محتملون كانوا يتمتعون بثقل سياسي حقيقي، فتم حبس بعضهم بتهمة انتهاك القانون، أو تراجعوا عن خوض الانتخابات بحجة مناخ التضييق على الحريات.
وفي مقابلة تلفزيونية وحيدة أجراها قبل الانتخابات، أكد السيسي أنه غير مسؤول عن عدم وجود منافسين جادين، وقال إنه «كان يتمنى وجود مرشح أو اثنين أو 10 أقوياء».
- حول العملية الانتخابية
وكالة أنباء «الشرق الأوسط» ذكرت نقلاً عن صحف رسمية أن ما بين 23 و25 مليون ناخب أدلوا بأصواتهم من بين 59 مليوناً مسجلة أسماؤهم في كشوف الانتخابات. وعلى مدار أيام التصويت الثلاثة، حرصت السلطات على ضمان نسبة مشاركة أعلى في العملية الانتخابية. ولقد أثنى الرئيس السيسي على نسبة مشاركة الناخبين، معتبراً أن «تصويت المصريين سيظل شاهداً على أن إرادة أمتنا تفرض نفسها بقوة لا تعرف الضعف». وأردف في تغريدة على صفحته بموقع «فيسبوك»، عقب إغلاق مراكز الاقتراع: «ستظل مشاهد المصريين أمام لجان الاقتراع محل فخري واعتزازي ودليلاً دامغاً على عظمة أمتنا التي قدم أغلى أبناؤها الدماء كي نعبر معاً نحو المستقبل».
والواقع أنه أثناء العملية الانتخابية، شجعت السلطات المصرية ووسائل الإعلام لحشد أكبر عدد ممكن من الناخبين خلال الأيام السابقة، وعلى مدار أيام الاقتراع، من خلال التأكيد على أن المشاركة واجب وطني. وكانت مجموعة «يورو آسيا» لاستشارات المخاطر السياسية قد اعتبرت، من جانبها، أنه في حالة فشل الحكومة في تعبئة الناخبين «سيخرج السيسي من الانتخابات أضعف وأكثر عرضة للضغوط الداخلية».
وبينما بدا الإقبال على المشاركة متوسطاً خلال الأيام الثلاثة بشكل عام، فإنه تزايد بشكل ملحوظ في الساعات الأخيرة من التصويت، وبعدما كان يفترض أن تغلق مراكز الاقتراع أبوابها الساعة التاسعة مساء يوم الأربعاء الماضي، فإن «الهيئة الوطنية للانتخابات» قررت تمديد الاقتراع حتى العاشرة مساء، نظراً لإقبال الناخبين. ولقد لعب تلويح «الهيئة» بتطبيق غرامة مالية 500 جنيه (28 دولاراً) على المتخلفين عن التصويت، دوراً في حشد الناخبين، خصوصاً في الساعات الأخيرة. إذ أكدت «الهيئة» على لسان المستشار محمود الشريف، نائب رئيسها والمتحدث الرسمي باسمها، أن الهيئة ستقوم بإرسال كشوف بالأسماء التي لم تصوّت إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية.
وجدير بالذكر أن المادة 43 من القانون رقم 22 لسنة 2014 في شأن تنظيم الانتخابات الرئاسية، تنصّ على أنه «يعاقب بغرامة لا تجاوز 500 جنيه من كان اسمه مقيداً بقاعدة بيانات الناخبين وتخلف بغير عذر عن الإدلاء بصوته».
- الحرب ضد الإرهاب
على صعيد آخر، شكلت الحرب التي يخوضها الجيش المصري ضد الجماعات الإرهابية في شمال سيناء، حافزاً قوياً لكثير من المصريين على المشاركة. وكانت القوات المسلحة المصرية، بمعاونة الشرطة، قد أطلقت عملية «سيناء 2018» في 9 فبراير (شباط) الماضي، قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية. وقال اللواء يونس الجاحر، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري، إن «مشاركة المواطنين في الانتخابات الرئاسية، والإدلاء بأصواتهم واستخدام حقهم التشريعي يعتبر رسالة لقوى الشر على عودة مظاهر الدولة بكامل صورتها».
وأضاف الجاحر لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه، أن «المشاركة الكثيفة تعدّ أبلغ رد على كل الدعوات المشبوهة التي انطلقت أخيراً وتطالب بمقاطعة الانتخابات الرئاسية»، وأن «تصويت المصريين في الخارج بكثافة، قبل أيام، كان بدافع القضاء على الإرهاب نهائياً، ووضع أسس جديدة لتحقيق مزيد من الاستقرار في الدولة». وبدوره، قال مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، إن «السيسي ليس له ذنب في عدم وجود منافسين»، ونوّه بأن خروج المصريين بكثافة للتصويت في الانتخابات كان أعظم رد على الأعمال الإرهابية، معتبراً أن دعوات مقاطعة الانتخابات «فاشلة».
- المرأة وكبار السن
وخلال التصويت تصدرت المرأة المصرية وكبار السن المشهد الانتخابي، مع حضور باهت للشباب. وقال المحلل السياسي عمار علي حسن في لقاء مع «الشرق الأوسط» معلقاً: «المسنّون في العالم كله يميلون بطبعهم إلى تكريس ما هو موجود وسائد، وهم أكثر انحيازاً إلى الاستقرار والاستمرار، ولديهم إحساس بأن التغيرات الفجائية، في الحياة السياسية والاقتصادية أمر غير مستحب وخاطئ».
ثم أضاف: «الحالة النفسية والخبرات الحياتية تقول إن كبار السن، لا يألفون القفزات والتغيرات عكس الشباب الذين يألفون المجازفة والتغيير». واستطرد أن «لدى السلطة الحالية في مصر معضلة منذ الانتخابات الرئاسية الماضية في عام 2014، هي عزوف الشباب عن الإدلاء بأصواتهم... إذ لم تقم الدولة بحل هذا الأمر مع مرور الوقت، رغم كل الإجراءات الشكلية التي قامت بها. والسلطة الآن غير قادرة على علاج هذه الفجوة بين الشباب من جهة، والحكومة من جهة أخرى، رغم أن نحو 70 في المائة من سكان مصر من الشباب، وهؤلاء يمثلون نحو نصف أعداد الناخبين الحاليين».
- أجواء كرنفالية
وفي سياق العملية الانتخابية، بدا لافتاً الطقوس الاحتفالية والكرنفالية التي صاحبت الانتخابات، ومنها الرقص أمام اللجان، ولعبت هذه الطقوس دوراً بارزاً في حث الناخبين على المشاركة في العلمية الانتخابية. وحقاً، نشرت وسائل الإعلام مقاطع فيديو وصوراً من مناطق مختلفة، لوصلات رقص على أنغام أغنيات «تسلم الأيادي»، و«بشرة خير»، و«أبو الرجولة». حتى باتت الظاهرة جزءاً أساسياً من العملية الانتخابية في مصر. وفيما رآه ظاهرة مشجعة، قال المستشار لاشين إبراهيم رئيس «الهيئة الوطنية للانتخابات»، إن المشاركة الواسعة للمواطنين في الانتخابات الرئاسية «هي الأسلوب الأنجح لتأكيد اختيار المصريين للديمقراطية أساساً لنظام الحكم»، مشيراً إلى أن جهود الدولة في التنمية ومحاربة الإرهاب الأسود تتطلب من الجميع في هذه المرحلة التكاتف والحرص على النزول الكبير للجان الاقتراع.
وأشار المستشار إبراهيم إلى أن «أساس العملية الانتخابية هو التصويت السرّي المباشر من قبل الناخب، وهو الأمر الذي يعبر عن إرادته الحرة التي لا يمكن لكائن من كان أن يتدخل فيها». وتابع أن «المصريين ناضلوا طويلاً من خلال ثورتين شعبيتين؛ هما 25 يناير (كانون الثاني) و30 يونيو (حزيران)، من أجل كسر قيود الديكتاتورية وتحقيق المكسب السياسي الأهم، المتمثل في التعددية السياسية وإجراء انتخابات نزيهة تخرج نتيجتها معبرة عن إرادتهم الحرة، وهو الأمر الذي يتطلب من الجميع احترام هذا النضال الطويل، والحرص على المشاركة في الانتخابات تأكيداً على أن تلك المطالب الشعبية لم تكن أمراً عارضاً في تاريخ الأمة».
أيضاً، أعرب المستشار لاشين إبراهيم عن فخره واعتزازه وكل أعضاء «الهيئة الوطنية للانتخابات»، بـ«رسالة التحدي والصمود التي بعث بها المواطنون بمحافظة شمال سيناء عبر اصطفافهم ومشاركتهم الكبيرة في العملية الانتخابية»، مشيراً إلى أن تلك المشاركة «تعني أن أهل سيناء يلفظون الإرهاب ويرفضون وجوده وتوطنه في أرضهم». ثم أضاف أن المشاركة الكبيرة لمواطني شمال سيناء في العملية الانتخابية تقطع بوجود استقرار أمني كبير في المحافظة، ومستوى عالٍ من الوعي لدى الناخبين تجسّد في حرصهم هناك على أن يكونوا جزءاً من عملية اختيار رئيس مصر القادم عبر الصناديق. ثم ذكر أن احتشاد المواطنين واصطفافهم أمام لجان الاقتراع يبعث أيضاً برسالة واضحة وقوية للعالم أجمع هي «أن المصريين، بوعيهم وإرادتهم وحدهم، هم مَن يختارون حاكمهم، وأنه لا بديل عن الديمقراطية بما تنطوي عليه من قيم وإجراءات، كأسلوب لإدارة البلاد».
من جهته، قال أكرم الألفي، الباحث المتخصص في شؤون الانتخابات، إن غياب البعض عن مراكز الاقتراع، لا يشترط أن يحسب ضمن حملة المقاطعة التي دعت لها جماعات وأحزاب معارضة، مشيراً إلى أن «جزءاً من الشعب لم يذهب إلى الانتخابات، لأن هؤلاء يعتقدون أن دورهم غير مؤثر أو أنهم فضوا الاستمتاع بالإجازة التي منحتها المؤسسات للموظفين بهدف التصويت». وأكد أن هناك قطاعاً شديد التأييد للرئيس السيسي، وهناك فئات مثل كبار السن، تشعر بالخطر على الوطن، ولذلك نزلت بقوة إلى الانتخابات.
- المراقبون الدوليون
بشكل عام، لاقت العملية الانتخابية والمشاركة استحساناً لدى غالبية المتابعين من المراقبين الدوليين. وقال عادل عبد الرحمن العسومي، نائب رئيس البرلمان العربي، إن «الانتخابات الرئاسية المصرية 2018، الأفضل من حيث الشفافية، والتزام الجميع بالقواعد الانتخابية التي حددها الدستور والهيئة الوطنية للانتخابات».
وأفاد العسومي، خلال مؤتمر صحافي الخميس الماضي، بأن وفد البرلمان لمتابعة الانتخابات المصرية كان مكوناً من 14 عضواً بالبرلمان من 12 دول عربية، وزار 453 لجنة في 4 محافظات. وأضاف أن «العملية الانتخابية لم تشبها أي ملاحظات... ولا شيء يعكر صفوها»، مشدداً على عدم وجود تجاوزات من المرشحين في الانتخابات، متابعاً: «لم نسمع أي انتقاد للعملية الانتخابية من قبل المنظمات الدولية، وهذا يحسب للهيئة الوطنية للانتخابات في مصر».
وفي السياق ذاته، أشادت بعثتا «الكوميسا» و«تجمع الساحل والصحراء» لمتابعة انتخابات الرئاسة المصرية بـ«حسن سير العملية الانتخابية في مختلف اللجان». وقالت هوب كيفنجيري رئيسة بعثة «الكوميسا» في بيان، إن «البعثة المشتركة للكوميسا وتجمع الساحل والصحراء تكوّنت من 33 مراقباً ومارست مهمتها بدعوة من السلطات المصرية، وتم نشر البعثة في 6 محافظات على مستوى الجمهورية، وهي القاهرة والإسكندرية والجيزة والمنوفية والشرقية والإسماعيلية». وأثنت رئيسة البعثة على ما لمسته من «روح المسؤولية التي يتحلى بها المجتمع المصري، وحرص المصريين على ممارسة الديمقراطية وحقوقهم في مناخ من الأخوة»، مضيفة أن «الأجواء كانت إيجابية».
ولفت عيسى عبد الرحمن، منسق عام تجمع دول الساحل والصحراء المراقب، إلى أن «الفئات النسائية وكبار السن كانت لها النسبة الأكبر في التصويب، كما أن اليوم الثالث للانتخابات شهد إقبالاً كبيراً من الشباب للإدلاء بأصواتهم».
ورحب السفير حمدي لوزا، نائب وزير الخارجية المصري، بالتوصيات التي قدمتها بعثات المنظمات الإقليمية والدولية لمتابعة الانتخابات الرئاسية. وقال إن «التقارير المبدئية الصادرة أكدت أن الانتخابات اتسمت بالمصداقية والنزاهة، وهذه الرسالة مهمة للعالم»، لافتاً إلى أن مصر «سوف تأخذ التوصيات بكل جدية والهيئة الوطنية سوف تستفيد منها». كذلك أشار لوزا إلى أن البعثة أبدت إعجابها بالمظاهر الاحتفالية التي صاحبت العملية الانتخابية، ومنها الموسيقى في الشوارع ومظاهر الفرحة لدى المصريين بعكس العملية الانتخابية في دول أخرى التي تسودها أعمال عنف.