إسبانيا: الأزمة الكتالونية بانتظار مقاربات جديدة

بعد توقيف الزعيم الانفصالي بوتشيمون... واحتجازه في ألمانيا

إسبانيا: الأزمة الكتالونية بانتظار مقاربات جديدة
TT

إسبانيا: الأزمة الكتالونية بانتظار مقاربات جديدة

إسبانيا: الأزمة الكتالونية بانتظار مقاربات جديدة

بعد نصف سنة على انطلاق «المغامرة الانفصالية» الكتالونية التي شكلّت أكبر تهديد لوحدة الدولة الإسبانية في تاريخها الحديث، يبدو المشهد محزناً في هذا الإقليم المتوسطي الذي منذ عقود يستقطب اهتمام الفنانين والمبدعين، ويجذب السيّاح والتجار وهواة الرياضة من أرجاء المعمورة. كارليس بويدجيمونت، الزعيم الانفصالي الذي أعلن قيام «الجمهورية الكتالونية» متحديّاً حكومة مدريد وقرارات المحكمة الدستورية، يقبع الآن في أحد السجون الألمانية إلى جانب مهرّبي مخدّرات ومغتصبين ومرضى نفسانيين بانتظار أن يبّت القضاء الألماني طلب تسليمه إلى السلطات الإسبانية. ومن شبـه المؤكد أن تنتظره عقوبة بالسجن لسنوات بتهمة التمرّد والعصيان المدني والتحريض على الفتنة. أما بقيّة الزعماء الذين قادوا «المغامرة الانفصالية» فليسوا بحالٍ أحسن من حال رئيسهم الذي فرّ متخفيّاً إلى بلجيكا، ومن هناك راح يتنقّل في العواصم الأوروبية محفوفاً برموز الحركات الانفصالية في أوروبا. ومعظم هؤلاء الآن إما في السجون قيد المحاكمة، أو اختاروا الفرار من وجه العدالة الإسبانية التي يبدو أنها السلاح الوحيد في متناول حكومة مدريد المركزية... المستمرة في جمودها السياسي إزاء ما يعتمل في أغنى أقاليم إسبانيا.
يرى متابعو الشأن السياسي في إسبانيا أن الملاحقات القانونية التي يخضع لها القادة الكتالونيون الانفصاليوّن تحول دون تكليف أي منهم تشكيل الحكومة الإقليمية المرتقبة بعد الانتخابات الأخيرة التي فازت فيها الأحزاب المطالبة بالاستقلال بغالبية بسيطة. ومن ثم، فمن دون تشكيل الحكومة الإقليمية يستحيل إبطال مفاعيل المادة 155 من الدستور الإسباني التي لجأت إليها سلطات مدريد لتعليق العمل بنظام «الحكم الذاتي» في كتالونيا، ووضع المؤسسات المحلية في الإقليم تحت الإشراف المباشر للسلطات الفيدرالية المركزية.
وليس هناك ما يشير حتى الآن إلى أن الأحزاب الانفصالية مستعدة لتقديم مرشّح لا يخضع لملاحقة قانونية كي يشكل الحكومة الجديدة؛ تمهيداً لمحاولة الخروج من الطريق المسدودة الذي وصل إليه الصدام بين مدريد وبرشلونة. وبعد شهرين على الانتخابات المحلية الأخيرة في كتالونيا يتبدّى يوماً بعد يوم أن البرنامج الوحيد للقوى الانفصالية في هذه المرحلة هو الإصرار على المواجهة، أياً كان الثمن، والتهميش الكامل والمنتظم للمعارضة البرلمانية التي فازت بنسبة 48 في المائة من المقاعد، بل وحصلت على أصوات شعبية أكثر مما حصلت عليه الأحزاب الانفصالية.
- حسابات الانفصاليين
في حسابات الانفصاليين، أن استمرار المواجهة مع مدريد يعزّز صورة «الضحيّة» التي يراهنون على استغلالها لزيادة شعبيتهم واستدرار الدعم الخارجي لمن «يدافعون عن أنفسهم في وجه قمع الدولة المركزية». إلا أن الاستطلاعات الأخيرة تبيّن أن التأييد للقوى الانفصالية إلى تراجع، بينما تتسع دائرة المعترضين على إدارة الأزمة داخل هذه القوى التي تشرذم قادتها بين معتقلٍ وفارٍ من العدالة بعيداً عن القواعد الشعبية. وهذه الأخيرة، تراقب بقلق تراجع النمو الاقتصادي وركود الحركة السياحية وارتفاع معدلات البطالة... بعد خروج نحو أربعة آلاف من المؤسسات الصناعية والتجارية والمصرفية من كتالونيا. وفي المقابل، لا تبدي حكومة مدريد أي جاهزية للانفتاح على الحوار، متشبثّة بمشروع سياسي قوامه البقاء في السلطة بأي ثمن، ومحاصر بسلسلة من فضائح الفساد وتراجع حاد في الشعبية.
بعض الأصوات المعتدلة داخل المعسكر الانفصالي بدأت تدندن ترنيمات «انفتاحية» من باب التمهيد لمرحلة جديدة، وتطويق «المنحى الانتحاري» الذي دفعت باتجاهه بعض القوى المتطرفة. إذ أعلن كارليس رييرا، الناطق بلسان الحزب الذي يتزعمه الزعيم الانفصالي الفار كارليس بوتشيمون، أمام البرلمان يوم الخميس الماضي «أن المسرى الانفصالي انتهى»، داعياً القوى الانفصالية التي خاضت الانتخابات الأخيرة متحالفة إلى «التحلّي بالواقعية والشجاعة وإعادة رسم استراتيجية جديدة». مثل هذه التصريحات الصادرة عن قيادي انفصالي بارز في الحزب الوازن، شعبياً وفي البرلمان، تحمل المراقبين على التفاؤل إذا ما تبيّن أنها ليست من باب كسب الوقت والتقاط الأنفاس بهدف إعادة تنظيم الصفوف تأهباً لمرحلة جديدة من المواجهات مع الحكومة المركزية - المترنّحة منذ تشكيلها - على قاعدة ما تيّسر لتمرير المرحلة، والخروج من الطريق المسدودة الذي أفضت إليه الانتخابات العامة الأخيرة.
لكن بعض المراقبين المتابعين عن كثب الوضع في كتالونيا يرون أن النواة الأساسية للقوى الانفصالية، التي تضّم أحزاباً من اليمين إلى أقصى اليسار التروتسكي - أي البورجوازية المالية والنخب الفكرية - كانت تدرك منذ البداية أن قيام جمهورية مستقلة، معترف بها دوليّاً، شبه مستحيل في المرحلة الراهنة. ذلك أن في صميم هواجس الاتحاد الأوروبي، الذي تشكّل إسبانيا إحدى ركائزه السياسية والاقتصادية والجغرافية، إفلات الحركات القومية العديدة في دياره من عقالها.
وعلى هذا الأساس يرجّح مراقبون أن يكون الهدف الحقيقي من «المغامرة» في فصلها الأول هو دفع الحكومة المركزية الضعيفة، والتي غالباً ما خانها «الحامض النووي الفرنكي» (نسبة إلى ديكتاتور إسبانيا السابق الرحل الجنرال فرانشيسكو فرنكو) النائم في خلاياها، إلى اللجوء للقمع الأمني والاعتقالات والملاحقات القضائية. وهذا ما يؤدي إلى استنهاض القواعد الشعبية المتردّدة حيال تأييد الانفصال، والنيل من صدقية الديمقراطية الإسبانية، تسهيلاً لاستقطاب التعاطف الخارجي الذي افتقدته المغامرة بعد الأسابيع الأولى.
بعض المحللين النافذين في أوساط النخب الانفصالية يلمحّون إلى أن بوتشيمون ورفاقه قد أدّوا دورهم. وبالتالي، فإن المرحلة التالية تقتضي تولّي قيادات جديدة قادرة على استثمار ما تحقق في الجولة الأولى، وبخاصة ارتفاع نسبة المؤيدين للانفصال إلى النصف تقريباً، بعدما كانت تراوح عند 30 في المائة خلال السنوات القليلة الماضية. وهؤلاء يدعون إلى الإسراع في إعادة تنظيم المعسكر الانفصالي حول تفاهمات أفقية ثابتة بين أطيافه المتباعدة عقائدياً واجتماعياً قبل أن يستقرّ الإحباط في أوساط القواعد الشعبية، وتتشكل تحالفات جديدة تمليها ضرورة رأب الصدع الاجتماعي العميق ووقف النزف الاقتصادي المتسارع، الذي بات يرخي بثقله على المشهد الكتالاني منذ أواخر العام الماضي.
- بوادر تفاؤل...
ويبدو الآن أن الجناح المتطرف الذي يقوده بوتشيمون، والذي يأخذ عليه بعض حلفائه «انسلاخه» عن الواقع السياسي والاجتماعي، قد بدأ يفقد سيطرته الحصرية على القرارات التي توجّه الدفّة الانفصالية. ومن البوادر التي تحمل على التفاؤل بانفراجات ممكنة خلال الأسابيع المقبلة، تعاقب الدعوات الصادرة عن الاشتراكيين الكتالونيين وبعض الأصوات المعتدلة في صفوف اليمين والوسط إلى تشكيل «حكومة إنقاذ» ائتلافية تستعيد نظام «الحكم الذاتي»، وتضع «خريطة طريق» مشتركة لحلحلة الأزمة، مع ملاحظة أن هذه الدعوات لم تلقَ الرفض الفوري المعتاد من القوى الانفصالية.
في هذا السياق، يذكّر البرلماني الاشتراكي والمحلل البارز سانتي فيلا بما كان يردّده المؤسس الأول للمشروع الأوروبي جان مونّيه بأن «لا شيء ممكناً من غير الأشخاص، ولا شيء دائماً من غير المؤسسات»، معتبراً أن إنقاذ كتالونيا من محنتها بات مستحيلاً خارج المؤسسات الديمقراطية الوطيدة، وبمعزل عن قيادات حكيمة ومنزّهة عن المصالح الحزبية أو الشخصية.
بيد أن المعضلة الأساسية المستعصية في الأزمة التي تعاني منها كل من كتالونيا وإسبانيا راهناً، تكمن في انحباس الأطراف داخل دوّاماتها وشعاراتها الموروثة، وفي عجزها عن أدنى مستويات التواصل حول مسلمّات التعايش والبديهيات الديمقراطية.
ولعلّ أكثر ما يستوقف المراقب للمشهد السياسي والاجتماعي الإسباني، منذ عقود، هو أن البلد الذي أدهش العالم بنضج تجربته الانتقالية من حكم ديكتاتوري مديد إلى نظام ديمقراطي عصري وراسخ، وكان للكاتالونيين الدور الأبرز في معادلة استقراره ونموه السريع والمذهل، يغرق اليوم في أوحال أزمة عبثية يدرك الجميع أن المنتصر فيها خاسرٌ.
وهنا أشير إلى أنني كنت أجريت عام 2014 حواراً مطوّلاً مع رئيس الوزراء الإسباني الأسبق ادولفو سواريث - الذي قاد عملية تفكيك ديكتاتورية الجنرال فرنكو التي استمرت 35 سنة، ولعب الدور الأساس في إرساء قواعد النظام الديمقراطي - قبل أشهر من وفاته. وخلال الحوار سألته عن سر نجاح تلك التجربة الفريدة في التاريخ الحديث، التي أصبحت مادة تُدرّس في العديد من كليات العلوم السياسية في العالم، فأجاب سواريث: «انتقلنا من القانون إلى القانون بواسطة القانون». وهو ما يعطي الانطباع أن المأزق الكتالوني اليوم هو ثمرة إصرار الانفصاليين على تحقيق أهدافهم خارج الأطر القانونية التي شاركوا في وضعها وارتضوها، وإصرار حكومة مدريد على استخدام القانون لمآرب غير قانونية.
- سمات «الأسرة» الإسبانية
من الشائع في المُتخيّل الاجتماعي الإسباني أن أهل كتالونيا يمثّلون الاعتدال في المسلك والحصافة في التعاطي مع الشأن العام والحرص على الاستقرار بأي ثمن، بعكس الباسك المعروفين بتطرّفهم ونزوعهم إلى العنف، أو الأندلسيين الموصوفين بالمبالغة والإفراط.
ولعلّ في هذه الصفات المتأصلة عند الكتالونيين، إضافة إلى شغفهم بالتجارة واتقانهم أساليبها، ما يساعد على فهم الأسباب التي أبقت هذه المقاطعة في منأى عن الصراعات والاضطرابات الكبرى التي شهدتها إسبانيا منذ القرن التاسع عشر، لتغدو اليوم الإقليم الأغنى من حيث القوة الاقتصادية الخامسة في الاتحاد الأوروبي. إلا أن الحركة الانفصالية التي تتعاقب فصولها على المشهد السياسي الإسباني منذ خريف العام الماضي، وتتدرّج وقائعها بين انقطاع «خيط الحوار» السياسي والعصيان المدني والتمرّد على المنظومة القانونية، تدفع إلى الحذر في التسليم بصواب الأفكار الموروثة، وتنصح بالتروّي عند مقاربة هذه الأزمة، والتكهّن بتداعياتها وتشخيص مخارجها.
لا شك في أن اعتقال بوتشيمون قبل أيام على يد أجهزة الأمن الألمانية، وإيداعه السجن بانتظار البتّ في طلب تسليمه إلى السلطات الإسبانية، شكّل ضربة قاسية للحركة المطالبة باستقلال كتالونيا. غير أنه، من ناحية أخرى، فتح الباب أيضاً على احتمالات التصعيد التي ما زالت تتصدّر برنامج الانفصاليين رغم ظهور بعض بوادر التصدّع في صفوفهم خلال الأسابيع الأخيرة، إثر الدعوات الخجولة – الآنفة الذكر – لفتح قنوات للحوار مع القوى السياسية الأخرى، وإعادة النظر في المسار الصدامي الذي انتهجته الأحزاب والقوى المطالبة بالاستقلال حتى الآن.
- ملاحقة استخباراتية
تفيد معلومات موثوقة بأن أجهزة الاستخبارات الإسبانية كانت تتعقّب بوتشيمون منذ فراره إلى بلجيكا، وإنها هي التي أبلغت الأجهزة الألمانية عن مكان وجوده. ومن المرجّح، أن هذه الأخيرة لم تقدم على اعتقاله من دون إيعاز من السلطات السياسية في برلين، التي تدرك تمام الإدراك أن ردّها على طلب الاسترداد الذي تقدّمت به مدريد، سلباً أو إيجاباً، ستكون له تداعيات ذات شأن على العلاقات بين البلدين.
ومن هذا المنطلق تأتي الخطوة الألمانية لتؤكد أن الاتحاد الأوروبي - الذي كان اكتفى بدور الشاهد على هذه الأزمة المعتملة في دياره، متذرّعاً بأنها «مشكلة داخلية» - أدرك أخيراً أن المشكلة الكتالونية، على غرار القوميات الكثيرة النائمة في البيت الأوروبي: «مشكلة أوروبية» لا بد من التصدّي لها واحتوائها قبل فوات الأوان. ومما لا شك فيه، أن خروج البريطانيين من الاتحاد وصعود الأحزاب والحركات الشعبوية واليمينية المتطرفة - كما بيّنت الانتخابات الإيطالية الأخيرة - هي التي تشكّل الخطر الأكبر على المشروع الأوروبي الذي تسخّر له برلين وباريس طاقات كبيرة لإنهاضه من كبواته الحالية.
القراءات القانونية من جهتها، ترفد القراءة السياسية لاعتقال بوتشيمون وطلب تسليمه إلى السلطات الإسبانية. إذ يستند الحقوقيون إلى التشابه الكبير بين أحكام الدستورَين الألماني والإسباني فيما يتعلّق بتنظيم الإدارة الفيدرالية في الحالة الأولى وأقاليم «الحكم الذاتي» في الثانية. ومن ثم، يستبعدون أن يقرّر القضاء الألماني رفض طلب مدريد، ولا سيّما، وأن التمرّد الانفصالي ملحوظ في الأحكام الدستورية الألمانية ضمن باب الانتهاكات الخطيرة التي تهدد وحدة الدولة وانسجام المجتمع.
- شعور بالخذلان الخارجي
المعسكر الانفصالي، من جهته، بدأت تظهر عليه بالفعل علائم الوهن والإحباط بعدما تيقّن من أن الدعم الخارجي الذي كان يراهن عليه لم يتعدَّ اهتمام وسائل الإعلام لفترة محدودة. وهذا، بينما تتراجع شعبيته داخل الإقليم بفعل الأضرار التي بدأ الاقتصاد الكتالوني يعاني منها بعد هجرة آلاف الشركات والمؤسسات الكبيرة إلى مدريد ومدن إسبانية أخرى. أما الخطوات التصعيدية الأخيرة، كالمظاهرات والصدامات مع الشرطة في شوارع برشلونة، عاصمة كتالونيا، وتصريحات كتلك التي وردت على لسان رئيس البرلمان، عندما قال: «ليس من حق أي قاضٍ أن يلاحق رئيس كل الكتالونيين»، لا بد من إدراجها ضمن السهام الأخيرة في جعبة الانفصاليين إثر انسداد الأفق أمامهم، والملاحقات القضائية في حق زعمائهم، وقلة التجاوب الأوروبي مع مطالبهم.
لكن إذا كان الانفصاليون يجدون صعوبة في استيعاب الأضرار التي لحقت بمشروعهم والتكيّف مع المعطيات الجديدة التي فرضتها عليهم الهزائم التي لحقت بهم، فمن الخطأ الاعتقاد أن سلطات مدريد حقّقت نصراً حاسماً في مواجهتها المفتوحة مع الحركة الانفصالية. فالحقيقة أن الحكومة المركزية المترنّحة التي يرأسها ماريانو راخوي (زعيم الحزب الشعبي اليميني) لا تختصر إسبانيا التي صنفّتها مجلة «الإيكونوميست» في طليعة الديمقراطيات الراسخة، وأوروبا ليست هي البيروقراطية القامعة للهويات... كما روّج الانفصاليون ومعهم الساعون إلى ضرب المشروع الأوروبي.
ومن ثم، فالمجازفة التي أقدم عليها الانفصاليون عندما تجاهلوا أحكام الدستور وقرار المحكمة الدستورية وأعلنوا الجمهورية من طرف واحد، كانت تتويجاً لهروب الحكومة المحلية إلى الأمام بعدما أنهكتها فضائح الفساد، وتراجعت شعبيتها، وانسدّت قنوات الحوار بينها وبين الحكومة المركزية. وفي المقابل، كانت أيضاً ثمرة حسابات مدريد الخاطئة في التعاطي مع الشأن الكتالوني بجمود مذهل وتشدّد مُستلهم من «التجربة الباسكية» التي طويت صفحتها أخيراً بعد أربعة عقود من القمع والعنف المسلّح والإرهاب.
- المسؤولية... والحل
صحيح أن ثمّة مسؤولية كبيرة ملقاة اليوم على عاتق الأحزاب الكتالونية التي دفعت بالملف الانفصالي في طريق من غير منافذ قانونية أو سياسية، وذهبت في التصعيد إلى شفا الانهيار الاقتصادي والعزلة الاجتماعية.
لكن المسؤولية الأكبر تقع على حكومة مدريد، التي قد يغريها الوقوع في فخ توهّم أنها ضربت رأس الأفعى الانفصالية، فتجنح إلى المزيد من التشدد واللجوء إلى أدوات القمع - القانونية والأمنية - كاشفة وجه «الموروث الفرانكوي» الذي جهد الانفصاليون لاستدراجها إليه منذ اللحظة الأولى.
وبناءً عليه، فإن المخرج الوحيد الآمن على الأمد الطويل أمام مدريد هو الإسراع في الإعداد لمراجعة دستورية بالتوافق مع الأحزاب الوطنية ترسي قواعد جديدة لنظام فيدرالي يعطي صلاحيات أوسع للأقاليم التي تنشط فيها حركات وأحزاب تطالب بالمزيد من «الحكم الذاتي» أو الاستقلال قبل أن يرتفع الستار عن مشهد انفصالي آخر.
- كاتالونيا في سطور
> يقع إقليم كتالونيا في الشمال الشرقي من شبه الجزيرة الإيبرية وتبلغ مساحته 32 ألف كيلومتر مربع (6 في المائة من مساحة إسبانيا) ويبلغ عدد سكانه 7.5 مليون نسمة. ويعود تاريخ المؤسسات المحلية، المستقلة أو ذات «الحكم الذاتي»، في كتالونيا إلى أواخر العصر الوسيط عندما كانت تتمتع بصلاحيات إدارية وسياسية واسعة تحت مملكة آراغون، ثم ضمن مملكة إسبانيا.
في عام 1714 وقفت كتالونيا إلى جانب سلالة الهابسبورغ النمساوية في الحرب التي خسرتها ضد سلالة البوربون، التي أسست نظاماً ملكياً مركزياً مطلقاً في إسبانيا، وألغت كل المؤسسات المحلية في كتالونيا.
بعد سقوط النظام الملكي في إسبانيا وإعلان الجمهورية عام 1931، أعلن الكتالونيون قيام جمهوريتهم إثر فوز الأحزاب اليسارية الكتالونية في الانتخابات، لكن بعد التفاوض مع مدريد اكتفوا بالحصول على حكم ذاتي بصلاحيات واسعة بإشراف الحكومة المحلية التي ما زالت إلى اليوم تعرف باسم الجنراليتات.
عام 1939 ألغى الجنرال فرانشيسكو فرنكو المنتصر في الحرب الأهلية الإسبانية مؤسسات الحكم الذاتي الكتالوني، وباشر نظامه حملة قمع قاسية حظّرت على الكتالونيين استخدام الرايات المحلية وسماع الأناشيد الوطنية، بل حتى التكلم باللغة الكتالونية.
ثم في العام 1940 ألقت قوات «الغستابو» (الشرطة السرية) النازية القبض على رئيس «الجنراليتات» (مجلس القيادة) الكتالوني، الذي كان فاراً إلى فرنسا، وسلمّته إلى نظام فرنكو، الذي حاكمه بسرعة وأعدمه في برشلونة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».