أعمال فنية عراقية تزين ميدان الطرف الأغر وسط لندن

صديق خان يكشف النقاب عن عمل جديد للفنان مايكل راكوويتز

TT

أعمال فنية عراقية تزين ميدان الطرف الأغر وسط لندن

من المقرَّر رفع الستار، اليوم (الخميس)، عن عمل جديد للفنان مايكل راكوويتز يحمل اسم «العدو الخفي لا يجب أن يوجد»، وذلك من جانب عمدة لندن صديق خان. ويعتبر «العدو الخفي لا يجب أن يوجد»، مشروع كان راكوويتز قد بدأه عام 2006.
ويحاول المشروع إعادة خلق أكثر عن 7000 قطعة جرى نهبها من متحف العراق عام 2003 أو تعرضت للتدمير داخل مواقع أثرية عبر أرجاء البلاد في أعقاب الحرب. وقد سبق أن شارك راكوويتز فيما يخص العامود الرابع من ميدان الطرف الأغر وسط لندن بعمل آخر بعنوان «لاماسو»، وهو عبارة عن ثور مجنح ومعبودة توفر الحماية كانا يقفان في مدخل بوابة نينوى قديماً (قرب مدينة الموصل اليوم) في قرابة عام 700 قبل الميلاد، حتى تعرض التمثال للتدمير على يد تنظيم «داعش» عام 2015.
وسيصبح التمثال العمل الفني الـ12 الذي يظهر فوق العامود الرابع بالميدان منذ إطلاق برنامج الاستغلال الفني للقاعدة عام 1998، وسيستمر وجود التمثال فوق القاعدة حتى مارس (آذار) 2020.
وقد جرى تشييد تمثال «العدو الخفي لا يجب أن يوجد» من أغلفة أطعمة جرت إعادة تدويرها. أما «لاماسو» فجري بناؤه من 10500 عبوة معدنية فارغة لتعبئة عصير البلح العراقي، التي تمثل صناعة عريقة لطالما اشتهر بها العراق قبل أن يتعرض للتدمير بسبب الحروب التي خاضتها البلاد.
من ناحيته، علق الفنان مايكل راكوويتز بقوله: «يجري إسدال الستار عن هذا العمل في ميدان الطرف الأغر في وقت نشهد هجرة ضخمة لحشود من الأفراد يهربون خارج العراق وسوريا. وأنظر إلى هذا العمل باعتباره شبح العمل الأصلي، وباعتباره إشارة إلى تلك الأرواح البشرية التي يتعذر إعادة بنائها، ولا تزال تبحث حتى اليوم عن ملاذ».
من ناحية أخرى، صرح عمدة لندن صديق خان بأن «يسعدني إسدال الستار عن هذا العمل الجديد من إبداع مايكل راكوويتز باعتباره العمل الجديد الذي سيقف فوق العامود الرابع، والذي تحول اليوم إلى أشهر منصة فنية عامة على مستوى العالم. ويكشف عمل مايكل قوة الفن في بث الحياة في السياسات والثقافات والقصص الشخصية القادمة من مختلف أرجاء العالم وعبر أجيال».
أما إكو إشون، رئيس اللجنة المعنية بالقاعدة الرابعة، فقال: «نجح مايكل راكوويتز في إبداع عمل فني قوي ومناسب تماماً للحظة الراهنة وقادر على التواصل مع عصور تاريخية سحيقة كي يطرح لنا تعليقاً فنياً على الأحداث التي يعايشها عالمنا اليوم. وأنا على ثقة من أن هذا العمل سيتحول لواحد من المعالم البارزة في لندن. وقد وقع الاختيار على مايكل من بين مجموعة مختارة من الفنانين العالميين الذين رُشِّحت أعمالهم لنيل شرف الوقوف فوق العامود الرابع، وذلك إيماناً منا بواجبنا إزاء فتح الباب أمام فنانين وطنيين ودوليين للمشاركة في لندن».
أما جاستن سيمونز، نائب عمدة لندن لشؤون الثقافة والصناعات الإبداعية، فقال: «ثمة ضجة كبرى تثار في أي وقت نكشف النقاب عن عمل جديد فوق القاعدة الرابعة. ودائماً ما يشعر أبناء لندن وزائروها بالإثارة إزاء هوية العمل الجديد الذي سيتربع فوق القاعدة. ويحمل العمل الفني الذي أبدعه مايكل رقم 12 بين الأعمال التي حملتها القاعدة، ويتميز بروعته وقدرته على استفزاز ذهن المشاهد. ومن المتوقع أن يشاهد العمل الملايين في قلب العاصمة، ويُعتَبَر بمثابة شهادة على الجاذبية الأبدية لأبرز المساحات الفنية العامة على وجه الأرض في الوقت الحاضر».
وبالتزامن مع ذلك، يعكف مايكل على إبداع عمل فني آخر من علب صفيح لتعبئة عصير البلح العراقي جرى الحصول عليها من كربلاء العراقية. ويرافق كل علبة وصفة طعام تتعلق بالبلح، تتضمن إسهامات من أسماء لامعة بمجال الطهي مثل الشيف كلاوديا رودين، من مطعم «هوني آند كو» المتخصص في المطبخ شرق الأوسطي، وكذلك والدة الفنان، إيفون راكوويتز. ومن المقرر أن يرافق كشف النقاب عن العمل مجموعة جديدة من منتجات شركة «بلينث» للتصميمات وبحضور عمدة لندن، ويجسد العمل سعي الأعمال الفنية التي يبدعها مايكل لاستغلال الطعام كجسر لرأب الصدوع السياسية والثقافية. ومن المقرر تخصيص جزء من أرباح المبيعات إلى دعم المشروعات التعليمية التي يقودها عمدة لندن.
يُذكَر أن مايكل راكووتز ولد في نيويورك عام 1973 ويعيش ويعمل في شيكاغو، حيث يدرس الفن في نورثويسترن يونيفرستي. وشارك أول مسح أجراه حول المتاحف بعنوان «باكستور أوف ذي ويست» في متحف الفن المعاصر في شيكاغو خلال عام 2017 - 2018. ويبدي راكوويتز في أعماله اهتماماً بالقضايا العالمية بوجه عام.



إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
TT

إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)

الشكل الإنساني بالسترة الحمراء والبنطال الرمادي، يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها ويمنحها أنفاس الحياة. رسمُ الفنان الأميركي أندرو سكوت ظاهرُه فكرةٌ واحدة، وفي عمقه ولّادٌ وغزير. بطلُه بشريٌ يُطلق سراح المحبوس ويُجرّده من سجّانه؛ وهو هنا إطار اللوحة. ذلك القادر على ضبطها والتحكُّم بمساحتها، ثم إحالتها على قدرها: معانقة الجدار. التحريك الطارئ على المشهد، يُعيد صياغته بمَنْحه تعريفاً جديداً. الحركة والفعل يتلازمان في فنّ أندرو سكوت، على شكل تحوّلات فيزيائية تمسّ بالمادة أو «تعبث» بها لتُطلقها في فضاء أوسع.

صبيُّ الفنان يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها (أندرو سكوت)

في ثلاثينه (مواليد 1991)، يمتاز أندرو سكوت بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار، ومَيْله إلى تفضيل الوسيط المُحطَّم، مثل الزجاج، وما يطمُس الخطّ الفاصل بين الموضوع وحدوده، فإذا بالإطار المكسور يستميل الناظر إليه ويوقظ سؤال الـ«لماذا»؛ جرَّار الأسئلة الأخرى.

تُحاور «الشرق الأوسط» الفنان الشهيرة حساباته في مواقع التواصل، والمعروضة أعماله حول العالم؛ من إيطاليا وألمانيا إلى نيويورك... يعود إلى «سنّ مبكرة من حياتي حين شغفني الفنّ وكوَّنتُ ذكريات أولى عن الإبداع بحبسي نفسي في غرفتي بعد المدرسة للرسم لساعات». شكَّلت عزلته الإبداعية «لحظات هروب من العالم»، فيُكمل: «بصفتي شخصاً عانيتُ القلق المتواصل، بدا الفنّ منفذاً وتجربة تأمّلية».

يمتاز بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار (أندرو سكوت)

لكنَّ الإنجاز الفنّي لم يكن دائماً جزءاً من حياته: «في سنّ الـ13 تقريباً، تضاءل شغفي بالرسم. هجرتُ قلمي حتى سنّ الـ28. طريقي إلى الفنّ طويلة ومتعرّجة. لـ10 سنوات عملتُ في كتابة الإعلانات، وخضتُ تجربة زواج فاشل. أدمنتُ المُخدِّر وواجهتُ تحدّيات أخرى. بُعدي عن الفنّ لـ15 عاماً، شكَّل أسلوبي».

تسلَّل عدم الرضا لتعمُّق المسافة بينه وبين الرسم: «شعرتُ بحكَّة إبداعية، ولم أكن متأكداً من كيفية حكِّها! التبس السبب وراء عجزي عن العودة إلى الرسم. تفشَّى الوباء وفقدتُ وظيفتي، لأقرر، هنا فقط، إحياء شغفي بالإبداع».

شخصيته أقرب إلى الانطوائية، باعترافه، ويفضِّل عدم الخوض في مسارات حياته، وإنْ لمحاولة التعمُّق في قراءة فنّه. ذلك يُفسّر تطلُّعَه إلى شهرته في مواقع التواصل، بأنها «أقرب إلى الشرّ الضروري منه إلى المتعة». فتلك المساحة المُضاءة تُشعره بأنه «فنان بدوام كامل»؛ يُشارك أعماله مع العالم. لكنَّ متعة هذا النشاط ضئيلة.

وماذا عن ذلك الصبي الذي يتراءى حزيناً، رغم ارتكابه فعلاً «حراً» بإخراج الإطار من وظيفته؟ نسأله: مَن هو صبيّك؟ فيجيب: «أمضيتُ فترات من الأحزان والوحدة. لم يحدُث ذلك لسبب. على العكس، أحاطني منزل العائلة بالأمان والدفء. إنها طبيعتي على الأرجح، ميَّالة إلى الكآبة الوجودية. أرسم الطفل ليقيني بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا جميعاً. جوابي على (مَن هو صبيُّك؟) يتغيَّر. على الأرجح إنه بعضي».

رغم سطوع الحزن، يتلألأ الأمل ويعمُّ في كل مرة يُكسَر الإطار لتخرج منه فكرة مضيئة. يؤيّد أندرو سكوت هذه النظرة. فالأُطر المكسورة تُشبه مرايا حياته. لسنوات ارتمى في الفخّ، ثم تحرَّر: فخّ العادة السيئة، الكسل، التأجيل، العجز، والتخبُّط. كسرُه الإطار إعلانٌ لحرّيته.

لعلَّ إعلان الحرّية هذا يشكّل إيماناً بالنهايات السعيدة ويجترح مَخرجاً من خلال الفنّ. فأندرو سكوت يفضِّل فناً على هيئة إنسانية، لا يركُن إلى الأفراح حسراً، لاستحالة ثبات الحالة النفسية والظرف الخارجي على الوضع المُبهج. يقول: «أحب تصوير الحالة الإنسانية، بنهاياتها الحلوة والمريرة. ليست كل الأشياء سعيدة، وليست أيضاً حزينة. أمام واقعَي الحزن والسعادة، يعكُس فنّي النضال والأمل».

وتُفسِّر فتنتُه بالتحوّلات البصرية ضمن الحبكة، إخراجَ الإطار من دوره الكلاسيكي. فالتفاعل مع الأُطر من منطلق إخضاعها للتحوّل البصري النهائي ضمن حبكة الموضوع، ولَّده «بشكل طبيعي» التفكير بمعرضه الفردي. يقول: «لطالما فتنتني المنعطفات البصرية في الحبكة. لم يتأثر أسلوبي بفنانين آخرين. أمضيتُ معظم حياتي خارج عالم الفنّ، ولم أكُن على دراية بعدد من فناني اليوم المعاصرين. بالطبع، اكتشفتُ منذ ذلك الحين فنانين يتّبعون طرقاً مماثلة. يحلو لي التصديق بأنني في طليعة مُبتكري هذا الأسلوب».

فنُّ أندرو سكوت تجسيد لرحلته العاطفية وتأثُّر أعماله بالواقع. يبدو مثيراً سؤاله عن أعمال ثلاثة مفضَّلة تتصدَّر القائمة طوال تلك الرحلة، فيُعدِّد: «(دَفْع)، أو (بوش) بالإنجليزية؛ وهي الأكثر تردّداً في ذهني على مستوى عميق. لقد أرخت ظلالاً على أعمال أخرى قدّمتها. أعتقد أنها تُجسّد الدَفْع اللا متناهي الذي نختبره نحن البشر خلال محاولتنا الاستمرار في هذا العالم».

يرسم الطفل ليقينه بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا (أندرو سكوت)

من المفضَّل أيضاً، «المقلاع»: «هي من الأعمال الأولى التي غمرها الضوء، ولها أمتنُّ. لقد شكَّلت تلك القطعة المُبكِرة كثيراً من نجاحي. أحبُّ رمزية المقلاع، فهي اختزال للبراءة والخطيئة في الوقت عينه».

ثالث المفضَّل هي «الغمّيضة»، أو «الاختباء والبحث»: «قريبة وعزيزة على قلبي لتحلّيها بالمرح. أراها تُجسّد نقاء الطفولة وعجائبها. إنها أيضاً اكتشاف مثير للاهتمام لشكل الإطار. فهو يرتكز عادةً، ببساطة، على مستوى واحد، وإنما هنا ينحني باتجاه الزاوية. أودُّ اكتشاف مزيد من الأفكار القابلة للتلاعب بالأشكال مثل هذه الفكرة».

هل تتأكّد، بهذا التفضيل، «مَهمَّة» الفنّ المتمثّلة بـ«حَمْل الرسالة»؟ رغم أنّ أندرو سكوت لا يعتقد بوجود قواعد عالمية في الفنّ، وإنما آراء شخصية فقط، يقول: «بالنسبة إليّ، الرسالة هي الأهم. ربما أكثر أهمية من مهارة الفنان. لطالما فضَّلتُ المفهوم والمعنى على الجمالية عندما يتعلّق الأمر بجودة الخطوط والألوان. أريد للمُشاهد أن يُشارك رسائلَه مع أعمالي. وبدلاً من قيادة الجمهور، أفضّل إحاطة فنّي بالغموض، مما يتيح لكل فرد تفسيره على طريقته».