علماء سويسريون يقتربون من معرفة لغز آلات كمان «ستراديفاري»

صنعت قبل ثلاثة قرون وما زالت ألحانها تترقرق

آلات الكمان التي صنعها أنطونيو ستراديفاري
آلات الكمان التي صنعها أنطونيو ستراديفاري
TT

علماء سويسريون يقتربون من معرفة لغز آلات كمان «ستراديفاري»

آلات الكمان التي صنعها أنطونيو ستراديفاري
آلات الكمان التي صنعها أنطونيو ستراديفاري

يعكف فريق من العلماء في سويسرا على محاولة التوصل إلى طريقة لصناعة آلة كمان تكون بجودة «كمانات ستراديفاري» الشهيرة التي صُنِعت قبل ثلاثة قرون، وما زالت حتى يومنا هذا مثالاً يُحتذى في دقة الصناعة وعذوبة الألحان.
ولكن لماذا تتميز آلات الكمان التي صنعها أنطونيو ستراديفاري بمثل هذا الصوت الرائع؟ لقد شغل هذا السؤال أذهان الموسيقيين والعلماء طيلة ثلاثة قرون، وحتى الآن لم يتوصل أحد إلى إجابة حاسمة لتفسير هذا اللغز.
وهناك نظريات كثيرة تحاول تفسير هذه الظاهرة، مثل أن ترجع أسبابها إلى خواص الخشب أو الانحناءات الدقيقة للكمانات أو الطلاء والمواد الكيماوية التي استخدمت أثناء صناعتها، ولكن على الرغم من المحاولات المستمرة، لم ينجح أحد في صناعة آلة كمان عصرية يتفق الجميع على أن ألحانها تبدو بجودة كمانات ستراديفاري، حسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية.
غير أن علماء سويسريين يعتقدون أنهم أوشكوا على إثبات إمكانية تكرار مواصفات كمان ستراديفاري اعتماداً على أخشاب معالجة بنوعية من الفطر.
وأمضى خبراء من المختبرات الاتحادية السويسرية لعلوم المواد والتكنولوجيا سنوات عدة في تطوير آلات كمان استطاعت أن تحقق نتائج جيدة خلال تجارب غير رسمية.
ويعرف الباحثون أن الوصول إلى النتيجة المرجوة يتطلب تضافر جهود علماء وعازفين وموسيقيين متخصصين.
أما الخطوة التالية، فتتمثل في البرهان العلمي. وتعكف المختبرات حالياً على إجراء سلسلة من الاختبارات المعملية على الخواص الصوتية للآلات الجديدة، أملاً في وضع نهاية للتكهنات بشأن «كمانات ستراديفاري».
وما زالت تلك الآلات الموسيقية التي صَنَعها هذا الحرفي الإيطالي خلال القرنين الـ17 والـ18 هي الاختيار المفضل لكبار العازفين في العالم، وكثيراً ما تُباع بملايين الدولارات عندما تطرح في المزادات. وعاش أنطونيو ستراديفاري وعمل في مدينة كريمونا بشمال إيطاليا، التي تعتبر مركز صناعة آلات الكمان في العالم.
ومن بين الحرفيين الذين عاشوا في ذلك العصر أيضاً جوسيبي جوارنيري ديل جيسو، الذي عادةً ما تُباع آلاته الموسيقية هو الآخر بملايين الدولارات.
ويُقدّر عدد الكمانات التي صنعها هذان الحرفيان وما زالت موجودة حتى وقتنا هذا بـ800 آلة. ويقر كبار العازفين حول العالم بروعة ألحان هذه الآلات واتزانها واستجابتها للعزف.
فعلى سبيل المثال، قالت عازفة الكمان الألمانية آن صوفي موتر إن القوة التي لا تضاهى لـ«كمان ستراديفاري» هي وحدها التي ستؤدي المهمة خلال اللحظات القوية في سيمفونيات بيتهوفن.
ويقول البعض إن العادة التي دأب عليها ستراديفاري، وهي تقطيع الخشب تحت ضوء القمر هي السر وراء النجاح الذي حققه، في حين يعتقد آخرون أن المسألة ترجع إلى نوعية معينة من الدهانات أو المواد التي تستخدم لمعالجة الأخشاب.
وفي السبعينات من القرن الماضي، اكتشف الكيميائي جوزيف ناجيفاري وجود نوع معين من المواد الكيماوية على قطع أخشاب من إحدى «كمانات ستراديفاري» أثناء إصلاحها، وربما يكون الحرفي الإيطالي الشهير قد استخدم هذه الخامة لمنع دود الأخشاب أو غير ذلك من الحشرات من إتلاف آلاته الموسيقية.
ويقول أرمين زيمب، وهو خبير صوتيات في المختبرات الاتحادية السويسرية لعلوم المواد والتكنولوجيا إن «الاعتقاد السائد هو أن كثافة الخشب هي السر وراء جودة آلات ستراديفاري». وفي الفترة التي كان يصنع فيها ستراديفاري وجوارنيري الآلات الموسيقية، كانت أوروبا في نهاية سبعين عاماً من الشتويات الطويلة والصيفيات الباردة.
وكانت الأشجار تنمو ببطء، مما يؤدي إلى تكون نوعية خاصة من الأخشاب تتسم بكثافة أقل من الطبيعي.
ويقول فرنسيس شفارتس خبير علوم الأخشاب والفطريات في المختبرات السويسرية إنه «عندما تنمو الأشجار في ظل ظروف مناخية قاسية، تتكون داخلها خلايا ذات جدران رقيقة من أجل توصيل الماء بشكل أفضل، وكلما كانت جدران الخلية أرق، قلَّت كثافة الأخشاب».
ومنذ عدة سنوات، توصل شفارتس إلى طريقة لتقليل كثافة أخشاب أشجار القيقب والتنوب بعد تقطيعها.
ومن أجل القيام بذلك، استخدم شفارتس نوعية من فطريات الخشب يطلق عليها اسم «زيلاريا لونجيبس». ويوضح خبير الأخشاب قائلاً: «يتميز هذا النوع من الفطريات بأنه يقوم بتفكيك جدران الخلايا السميكة، بحيث لا يتبقى سوى الأخشاب ذات الكثافة الأقل من النوعية ذاتها التي كان يستخدمها ستراديفاري، والتي تنقل الصوت بشكل أفضل».
ومن بين 180 مستمعاً، شعر 90 بأن الكمانات المصنوعة من الأخشاب المعالجة بالفطر تصدر أفضل ألحان، في حين شعر 39 أن «كمان ستراديفاري» الأفضل.



«مخبأ» و«حكايات سميرة»... قصص حياة على الخشبة

المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
TT

«مخبأ» و«حكايات سميرة»... قصص حياة على الخشبة

المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)

كان من المقرر أن يحتفل «مسرح شغل بيت» بذكرى تأسيسه الثامنة في سبتمبر (أيلول) الماضي، بيد أن اندلاع الحرب في لبنان حال دون إقامة الحفل، فأُلغيت البرمجة التي كانت مقررة حتى إشعار آخر.

ممثلون هواة تابعون لـ«مسرح شغل بيت» (شادي الهبر)

اليوم يستعيد «مسرح شغل بيت» نشاطاته الثقافية ويستهلها بمسرحيتي «مخبأ» و«حكايات سميرة». ويعلّق مخرجهما شادي الهبر لـ«الشرق الأوسط»: «كانتا من ضمن نشاطات روزنامة الاحتفال بسنتنا الثامنة، فقررنا نقلهما إلى الشهر الحالي، ونعرضهما على التوالي في (مسرح مونو) خلال 16 و17 و18 و19 يناير (كانون الثاني) الحالي». لكل مسرحية عرضان فقط، تشارك فيهما مواهب تمثيلية جديدة متخرّجة من ورش عمل ينظمها «مسرح شغل بيت». ويوضح الهبر: «الهدف من هاتين المسرحيتين هو إعطاء الفرص لطلابنا. فهم يتابعون ورش عمل على مدى سنتين متتاليتين. ومن هذا المُنطلق كتب هؤلاء نص العملين من خلال تجارب حياة عاشوها. وما سنراه في المسرحيتين هو نتاج كل ما تعلّموه في تلك الورش».

* «مخبأ»: البوح متاح للرجال والنساء

تُعدّ المسرحية مساحة آمنة اختارتها مجموعة من النساء والرجال للبوح بمكنوناتهم. فلجأوا إلى مخبأ يتيح لهم التّعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بحرية. وفي هذا المكان الصغير بمساحته والواسع بأجوائه تجري أحداث العمل. ويشارك فيه 4 نساء و4 رجال. وتتراوح أعمارهم ما بين 20 و65 عاماً. وقد كتب محتوى النص كل واحد منهم انطلاقاً من تجاربه الحياتية. ويعلّق شادي الهبر: «إنها تجارب تنبع من واقع يشبه في موضوعاته وظروفه ما عاشه ناس كثر. وقد طلبت من عيسى بيلون أحد الممثلين فيها أن يضع لها التوليفة المناسبة. وخرج بفكرة محورها المخبأ. فحملت المسرحية هذا الاسم للإشارة إلى مشاعر نخبئها في أعماقنا».

يشارك في هذا العمل إيرما مجدلاني وكريستين مطر ومحمد علي بيلوني وغيرهم. وتتناول موضوعات اجتماعية مختلفة، من بينها ما يتعلّق بالعُقم والقلق والعمل بمهنة غير مرغوب بها. كما تطلّ على موضوع الحرب التي عاشها لبنان مؤخراً. فتحكي قصة شاب لبناني تعرّض منزله في الضاحية للقصف، فيقف أمام ما تبقّى منه ليتحدث عن ذكرياته.

مسرحية «مخبأ» تحكي عن مساحة أمان يتوق لها الناس (شادي الهبر)

ويتابع شادي الهبر: «تحمل المسرحية معاني كثيرة، لا سيما المتعلقة بما نخفيه عمّن هم حولنا، وأحياناً عن أنفسنا محاولين غضّ الطّرف عن مشاعر ومواقف تؤلمنا. فتكشف عن أحداث مرّ بها كلٌّ من الممثلين الثمانية، وتكون بمثابة أسرار يبوحون بها لأول مرة في هذا المكان (المخبأ). ويأتي المسرح كجلسة علاج تداوي الجراح وتبلسمها».

* «حكايات سميرة»: علاقات اجتماعية تحت المجهر

في المسرحية التي تُعرض خلال 18 و19 يناير على «خشبة مونو»، يلتقي الحضور بالممثلة لين جمّال بطلتها الرئيسة. فهي تملك كمية هائلة من القصص التي تحدث في منزلها. فتدعو الحضور بصورة غير مباشرة لمعايشتها بدورهم. وتُدخلهم إلى أفكارها الدفينة في عقلها الذي يعجّ بزحمة قصصٍ اختبرتها.

ويشارك في «حكايات سميرة» مجموعة كبيرة من الممثلين ليجسّدوا بطولة حكايات سميرة الخيالية. ومن الموضوعات التي تتناولها المسرحية سنّ الأربعين والصراعات التي يعيشها صاحبها. وكذلك تحكي عن علاقات الحماة والكنّة والعروس الشابة. فتفتح باب التحدث عن موروثات وتقاليد تتقيّد بها النساء. كما يطرح العمل قضية التحرّش عند الرجال ومدى تأثيره على شخصيتهم.

مسرحية «حكايات سميرة» عن العلاقات الاجتماعية (شادي الهبر)

مجموعة قصص صغيرة تلوّن المسرحيتين لتشكّل الحبكة الأساسية للنص المُتّبع فيها. ويشير الهبر إلى أنه اختار هذا الأسلوب كونه ينبع من بنية «مسرح شغل بيت».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «مسرحنا قائم على المختبر التمثيلي والتجارب فيه. وأردت أن أعطي الفرصة لأكبر عددٍ ممكن من متابعي ورش العمل فيه. فبذلك يختبرون العمل المسرحي ويُبرزون مواهب حرفية يتحلّون بها. وما حضّني على اتباع الأسلوب القصصي هو اتّسام قصصهم بخبراتهم الشخصية. فيضعونها تحت الضوء ضمن تجربة مسرحية جديدة من نوعها. فأنا من المخرجين المسرحيين الباحثين باستمرار عن التّجدد على الخشبة. لا أخاف الإخفاق فيه لأني أُخزّن الخبرة من أي نتيجة أحصدها».

ويوضح شادي الهبر أنه انطلاقاً من موقعه مُخرجاً يرمي إلى تطوير أي عمل مكتوب يتلقاه من طلّابه. «أطّلع عليه لأهندسه على طريقتي، فأبتعد عن السطحية. كما أرنو من خلال هذا التّطوير لجذب أكبر عدد ممكن من المجتمع اللبناني على اختلاف مشاربه». ويتابع: «وكلما استطعت تمكين هؤلاء الطلاب ووضعهم على الخط المسرحي المطلوب، شعرت بفرح الإضافة إلى خبراتهم».

ويختم الهبر حديثه مشجعاً أيّ هاوي مسرح على ارتياد ورش عمل «مسرح شغل بيت»، «إنها تزوده بخبرة العمل المسرحي، وبفُرص الوقوف على الخشبة، لأنني أتمسك بكل موهبة أكتشفها».