ساعات انتظار ثقيلة وشاقة في ريف حماة

مقاتلون وعائلاتهم هجّروا من الغوطة لدى وصولهم إلى ريف حماة أمس (أ.ف.ب)
مقاتلون وعائلاتهم هجّروا من الغوطة لدى وصولهم إلى ريف حماة أمس (أ.ف.ب)
TT

ساعات انتظار ثقيلة وشاقة في ريف حماة

مقاتلون وعائلاتهم هجّروا من الغوطة لدى وصولهم إلى ريف حماة أمس (أ.ف.ب)
مقاتلون وعائلاتهم هجّروا من الغوطة لدى وصولهم إلى ريف حماة أمس (أ.ف.ب)

ما إن تتحرك الحافلة ببطء حتى تلصق طفلة وجهها بزجاج النافذة المطلة على أبنية مهدمة وأكوام ركام، إيذاناً ببدء رحلة إجلاء شاقة وطويلة تنقل آلاف المقاتلين والمدنيين من الغوطة الشرقية إلى محافظة إدلب، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، من الغوطة وريف حماة.
منذ بدء صعودهم إلى الحافلات صباحاً حتى بلوغهم وجهتهم ظهر اليوم اللاحق، يعيش الهاربون من القصف والجوع ساعات انتظار طويلة تطغى فيها مشاعر الحزن على الأمل بالخلاص من معاناة استمرت لسنوات. ولا يعكر الصمت الذي يسود مطولاً إلا صراخ أطفال أرهقهم الانتظار.
في مدينة عربين جنوب الغوطة الشرقية، يتكرر منذ السبت المشهد ذاته. مقاتلون ومدنيون يتجمعون منذ ساعات الصباح الأولى استعداداً للرحيل، مع أمتعة قليلة يحملونها إلى الحافلات التي تصل تباعاً طيلة ساعات النهار.
ومع امتلائها، تنطلق كل حافلة إلى نقطة تجمع أخرى في مدينة حرستا، حيث يطول الانتظار حتى ما بعد منتصف الليل، بانتظار اكتمال القافلة لتنطلق إلى إدلب في شمال غربي البلاد في رحلة تستمر 12 ساعة على الأقل.
ويقول محمد عمر خير (20 عاماً)، أحد المغادرين، من على متن حافلة، لوكالة الصحافة الفرنسية، «توقفنا عند نقطة تحت سيطرة قوات النظام لساعتين أو ثلاث ساعات حيث جرى تفتيشنا والتدقيق بالأسماء، كما أخذوا مخزنين من الذخيرة من كل مسلح».
وتوقفت القافلة بعدها لأربع ساعات أخرى على طريق دولي على أطراف دمشق، وفق خير الذي يضيف: «الشرطة العسكرية الروسية كانت مشرفة على كامل العملية».
خلال شهر من القصف العنيف الذي طال منازلهم ومحالهم وساحاتهم، وجد سكان الغوطة الشرقية في الأقبية مكاناً وحيداً يحتمون فيه. ومع تقدم قوات النظام في عمق مناطقهم، اختار عشرات الآلاف التوجه إلى مناطق سيطرة قوات النظام مع تضييق الخناق على الفصائل ما دفعها إلى القبول بالتفاوض.
وبموجب مفاوضات مع روسيا، تم منذ الخميس إجلاء أكثر من 17 ألف شخص من مقاتلين معارضين وأفراد من عائلاتهم ومدنيين آخرين من الغوطة الشرقية التي باتت قوات النظام السوري تسيطر على أكثر من 90 في المائة منها، إثر حملة عسكرية بدأتها في 18 من الشهر الماضي.
بعد توقف كل حافلة في نقطة التجمع الأولى في حرستا، ينتظر الركاب في حافلة تتدلى منها عناقيد عنب اصطناعية. ويتولى جنود سوريون من رجال ونساء تفتيش الحقائب والتأكد من احتفاظ المقاتلين بسلاحهم الخفيف فقط في عملية تتم بإشراف عنصر من الشرطة العسكرية الروسية.
على متن إحدى الحافلات، يمازح الشرطي الروسي بلباسه العسكري وخوذته وشارة حمراء على كتفه، الركاب، قليلاً، ثم يطمئنهم أنها آخر عملية تفتيش سيخضعون لها.
بعدها تتقدم الحافلة قليلاً إلى نقطة للهلال الأحمر السوري الذي يوزع عناصره البسكويت والفستق وعبوات المياه على الركاب، الأطفال منهم خصوصاً.
مع الانتظار لساعات عدة، يشعر الأطفال بالضجر. طفل يبكي وآخر يلعب بستارة النافذة، بينما يحاول رجل إجبار ابنته الصغيرة على الجلوس، وتكرر امرأة على مسامع طفلها كلمة «توقف!» لجعله يجلس.
وخلال الرحلة، يتحدث البعض مع أقربائهم عبر الهاتف لطمأنتهم على أحوالهم ومسار رحلتهم الطويلة. وعلى طول الطريق، تتوقف القافلة مرات قليلة بانتظار تبديل السيارات الروسية المرافقة لها، ويغتنم الركاب الفرصة للخروج وقضاء حاجاتهم.
وتخترق مناطق سيطرة القوات الحكومية من دمشق إلى طرطوس وبانياس غرباً ومنهما إلى حماة ثم ريفها الشمالي حيث منطقة التماس عند قلعة المضيق.
وبعكس مشهد الدمار الذي اعتادوا عليه في بلداتهم، تبدو مظاهر الحياة طبيعية خلال اجتياز الحافلات مناطق سيطرة القوات الحكومية، حيث علقت صور للرئيس السوري بشار الأسد ووالده الرئيس السابق حافظ الأسد.
في محطات عدة، يتجمع السكان على جانبي الطرقات على دراجات نارية، أو سيراً على الأقدام، يراقبون الحافلات المارة أمامهم.
في آخر نقطة لقوات النظام في ريف حماة الشمالي، وأثناء مرور القافلة على حاجز أمني، يرفع جنود إصبعهم الوسطى للركاب الذين يبادر بعضهم إلى الرد بإطلاق الشتائم.
خلال آخر ساعتين من الرحلة، يخيم الصمت على الحافلات، وينام معظم ركابها من شدة الإرهاق والتعب إلى أن يصلوا إلى نقطة التماس.
إلى قلعة المضيق، تصل سيارات الإسعاف أولاً وخلفها الحافلات التي ينتظرها العشرات من المسعفين والمدنيين وممثلي الجمعيات الإغاثية والصحية. يُسارع المسعفون إلى نقل المرضى لنقطة طبية خُصصت لفرزهم قبل إحالتهم إلى مستشفيات المنطقة. ينتظر رجل لف رأسه بضماد أبيض على كرسي متحرك دوره، وتبكي طفلة على حمالة منادية والدتها.
يستريح البعض من تعب الرحلة الطويلة على الأرض بين أمتعتهم، تأكل طفلة الموز ويلعب آخرون حولها ببالونات وزعها عليهم الناشطون المحليون. ويغادر البعض في سيارات خاصة مع أقربائهم إلى أماكن سكنهم في محافظة إدلب، ولا يجد آخرون خياراً سوى الانتقال إلى مخيمات مؤقتة خُصصت لهم.
وفي عمليات إجلاء سابقة، انتقلت أعداد كبيرة من المدنيين والمقاتلين الذين تم إخراجهم من مناطقهم إلى مخيمات في إدلب، ومنهم من بقي فيها ومنهم من غادرها لاحقاً. ويختار بعض المقاتلين ترك السلاح، فيما ينضم آخرون إلى فصائل موجودة في المنطقة.
وبعد وصوله، يقول محمد، أحد المدنيين المغادرين في العشرينات من عمره، «كان الوضع في الغوطة الشرقية مزر للغاية»، ويضيف: «خلال 35 عاماً، حولوا حياتنا لجحيم مدقع، غيبوا عنا أبسط مقومات الحياة».



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.