أهالي الجمالية يدعمون «ابن حتتهم»... وفي الزمالك مرشح الحي «لا يطرب»

{الشرق الأوسط} في مسقط رأس السيسي ومحل إقامة موسى

مصري يلتقط صورة مع المرشح الرئاسي موسى مصطفى موسى بعد إدلائه بصوته (رويترز)
مصري يلتقط صورة مع المرشح الرئاسي موسى مصطفى موسى بعد إدلائه بصوته (رويترز)
TT

أهالي الجمالية يدعمون «ابن حتتهم»... وفي الزمالك مرشح الحي «لا يطرب»

مصري يلتقط صورة مع المرشح الرئاسي موسى مصطفى موسى بعد إدلائه بصوته (رويترز)
مصري يلتقط صورة مع المرشح الرئاسي موسى مصطفى موسى بعد إدلائه بصوته (رويترز)

رغم المسافة البعيدة جغرافياً واجتماعياً بين سكان حي الجمالية الشعبي ومنطقة الزمالك الأرستقراطية في مصر؛ فإن أهالي الأولى حيث مسقط رأس الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وكذلك المقيمون في المنطقة الثانية التي يسكنها رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى، توافقوا في معظمهم على انتخاب الرئيس الحالي لفترة ثانية، بحسب ما أظهرت تصريحاتهم خلال جولة لـ«الشرق الأوسط» في المنطقتين.
في العقار السادس من شارع صلاح الدين بحي الزمالك القاهري، يقطن المرشح الرئاسي موسى مصطفى موسى وعائلته، وسط منطقة تعج بالكثير من مقار السفارات، وهو ما يفسر على الأغلب، سبب انتشار عدد كبير من أكشاك الحراسة الأمنية في كل شارع تقريبا.
عند مدخل العقار، الذي يسكن فيه موسى، يقف شرطيان لسؤال المترددين على المكان عن سبب الزيارة، ولا يسمحون لأحد بالدخول إلا حال حصوله على تصريح من أسرة المرشح الرئاسي للحديث معهم، أو لكونه من السكان أو معارفهم فقط، التزاما بالتعليمات الأمنية.
لكن اللافت في الأمر أن المنطقة المحيطة بمنزله تكاد تخلو من لافتات دعم موسى، حيث لا ترفع له سوى 10 لافتات تقريبا بالحجمين الصغير والمتوسط في شارعه والشوارع المجاورة، في المقابل تنتشر صور السيسي على نطاق واسع في كوبري 15 مايو، والشوارع المحيطة.
حسن محمود إسماعيل، 60 عاما، «سائس سيارات» في العقار المجاور لمقر إقامة رئيس حزب الغد، يرى أن فرص نجاح موسى «تكاد تكون معدومة نظرا لضعف شعبيته في الشارع، فضلا عن قلة نشاطاته في الفترة السابقة للترشح لانتخابات الرئاسة، مقارنة بالسيسي».
أما عمر وائل، طالب بكلية التجارة جامعة عين شمس، ومن سكان الزمالك، فلا يرى هو الآخر أن موسى يملك قدرة على منافسة السيسي، مستشهدا على ذلك بعدم وجود لافتات لدعم «ابن الزمالك» بالقرب من مقر سكنه، سوى بعض «البانرات» القليلة.
تحدث عمر، وكانت خلفه لافتة لموسى مصطفى موسى، أشار إليها قائلا: «أعضاء الحملة علقوها فجراً منذ أسبوعين، قبلها لم تكن هناك أية معالم انتخابية له، لكن في رأيي خسارته ستحقق مكسبا معنويا له، لأنه عاد إلى الساحة السياسية والإعلامية مرة أخرى بعد فترة طويلة من الخفوت».
لذلك، لم يبد الطالب العشريني متحمسا للمشاركة في الانتخابات التي يراها محسومة من البداية، لضعف حظوظ المرشح المنافس للسيسي، موضحا أنه كان سيشارك «حال وجود مرشح آخر أكثر قوة أمام الرئيس الحالي، لأن صوته قد يكون فارقا في هذه اللحظة» حسب قوله.
يشدد طارق محمد عريضة، وهو سائق في إحدى الشركات بنهاية الشارع نفسه، أنه كان «من الممكن أن يصوت لموسى حال ترشحه أمام منافس آخر غير السيسي، نظرا لسمعته وسمعة أسرته الطيبة في المنطقة، خصوصا أنه كان عضوا سابقا في مجلس الشورى ووالده كان زعيما للطليعة الوفدية، لكنه يعيب على حملته قلة نشاطها في المنطقة التي خرج منها المرشح الرئاسي».
فى منطقة وسط القاهرة تنتشر لافتات تأييد السيسي في كل شارع وزقاق تقريبا، فضلا عن مئات اللافتات الأخرى التي تغطي ميدان التحرير، وتتوسطها شاشة إلكترونية تعرض تصريحاته وبرنامجه، وفى القلب من هذه المنطقة تقع حملة موسى مصطفى موسى، وتحديدا في مقر حزب الغد - الذي يرأسه - في شارع صبري أبو علم.
يبرر عضو المكتب التنفيذي لحملة موسى وأمين شباب حزب الغد أحمد نصار، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» من غرفة عمليات الحملة، قلة دعاية مرشحه في منطقتي إقامته وحملته باعتماده على الدعم الذاتي منه ومن أسرته فقط، لذا تتوفر على قدر الإمكانيات، موضحا في الوقت ذاته أن الحملة لديها 22 أمانة على مستوى الجمهورية، وتغطي غرفة عملياتها 62 في المائة من اللجان الفرعية.
وبعيداً عن منطقة الزمالك الهادئة ووسط القاهرة المزدحمة، وصولاً إلى العقار رقم 7 في عطفة البرقوقية من شارع الخرنفش، في حي الجمالية ذي الطابع الشعبي، حيث نشأ وتربى السيسي، تمتلئ واجهات الشوارع والمحلات بلافتات دعم «ابن المنطقة».
ويشرح وهبة كامل، صاحب مسمط (مطعم للأكل الشعبي) يقع على بعد أمتار من مسكن عائلة السيسي، كثافة انتشار لافتات تأييد وزير الدفاع السابق، بأن الأهالي دعموه في انتخابات الرئاسة الماضية وأقاموا الاحتفالات بنجاحه، وسيدعمونه أيضا في الانتخابات الحالية.
ويضيف: «أعرف عائلة السيسي منذ سنوات، ووالده وأسرته تجار لديهم محلات في المشغولات الفضية بمنطقة خان الخليلي السياحية، لكن لم يتبق منهم في المنطقة سوى ابن عمه فتحي، الذي يأتي كل فترة»، مستدركا: «لم نكن نعي أن منطقتنا الشعبية سيخرج منها شخص يحكم مصر بأكملها، فمن سنختار غيره ليدير شؤون الدولة في الفترة المقبلة».
أما الشاب ياسين، (31 سنة)، ووالده حامد سيد (65 سنة)، فيؤكدان أنهما سيغلقان ورشة الإكسسوارات التي يمتلكانها للنزول وانتخاب السيسي، بعدما تسبب في رواج عملهما كما يؤكدان، بغلقه باب الاستيراد ودعم الصناعة المحلية، الأمر الذي عاد عليهما بكثير من الزبائن، الذين غابوا منذ فترة طويلة بسبب الأزمة الاقتصادية.
يقول حامد: «من وجهة نظري من تربى في منطقة شعبية قادر على معرفة مشكلات المواطنين بشكل أوضح ممن عاش في المناطق الراقية، لأن ما يعلمه الشارع أكبر بكثير مما تقدمه أفضل مدرسة».
ويقول ياسين الذي صوت للسيسي في الانتخابات الرئاسية عام 2014، إنه يعول على المشاريع التي أقامتها الدولة لخلق تحسن ملحوظ يعالج أزمة الغلاء، مستكملا: «ليس أمامنا شخص نرشحه سوى السيسي، فمنافسه يعد مرشح ضرورة، لا أحد يعرفه، ولا نعرف ماذا سيصنع إذا حكم البلاد».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.