تبعات صعود اليمين القومي الإيطالي

فوز ممثليه بالغالبية البرلمانية انتصار للانغلاق الفكري

برلسكوني (يسار) وعد بترحيل 600 ألف مهاجر غير شرعي من إيطاليا («الشرق الأوسط»)
برلسكوني (يسار) وعد بترحيل 600 ألف مهاجر غير شرعي من إيطاليا («الشرق الأوسط»)
TT

تبعات صعود اليمين القومي الإيطالي

برلسكوني (يسار) وعد بترحيل 600 ألف مهاجر غير شرعي من إيطاليا («الشرق الأوسط»)
برلسكوني (يسار) وعد بترحيل 600 ألف مهاجر غير شرعي من إيطاليا («الشرق الأوسط»)

يتساءل كثيرون عما يجري في أوروبا، وبالتحديد، صعود اليمين القومي ما بين يمين الوسط واليمين المتطرف، وملامح انتهاء عصر اليسار المعتدل، الذي كان يحمل شعوراً إنسانياً متسامحاً. ولعل نظرة سريعة على الخريطة الأوروبية تُشعر المرء المراقب بالقلق على مصير الاتحاد الأوروبي برمته، إذا سيطر هذا التيار الشعبوي المتطرف على حكومات وبرلمانات دول بأكملها كحال المجر وبولندا، وفي دول أخرى كألمانيا، حيث حصل 100 من أعضاء حزب «البديل» على مقاعد في مجلس النواب «البوندستاغ». بل حتى في دول أخرى إسكندنافية، مثل النرويج والسويد، حيث ما كان المرء يتصور أن ينجح التطرف الأصولي بدخول حكومات ائتلافية تجمع الأصوليين والمعتدلين. أما أحدث فصول صعود اليمين الأصولي الأوروبي فقد شهدته إيطاليا، إحدى قلاع النهضة والتنوير الأوروبي، في مشهد يميل إلى الظلامية تجاه الآخر المغاير بنوع خاص، وهذه أعلى درجات الأصولية البغيضة، حين يعتقد المرء بامتلاكه الحقيقة المطلقة، محاولاً إقصاء الآخر من التاريخ أو الجغرافيا، وربما من كليهما معاً.
لعل أفضل مَن وصف ما جرى في إيطاليا عبر انتخابات مجلس النواب والشيوخ كانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، التي اعتبرت الأمر بمثابة «انفجار للشعبوية»، وبخاصة، بعد فوز حركة الـ«5 نجوم» وحركة «رابطة الشمال»، النسبة الأعلى لأصوات ناخبي يمين الوسط. ومع هذه النتيجة بدا كأن الإيطاليين أسندوا حكم بلادهم إلى قوى اليمين.
المؤكد أن نظرة سريعة إلى القيادات السياسية الإيطالية، لا سيما، تلك، التي فازت جماعاتها في الانتخابات، تعطينا مؤشراً على حالة الانغلاق الفكري والانطواء الذهني التي أصابت الإيطاليين وباتت مسيطرة عليهم. وإليك على سبيل المثال، لويجي دي مايو، مرشح حركة الـ«5 نجوم» لرئاسة الحكومة. وهو الشخص المناهض للحكومة وللنظام، الذي قاد حركته لتسجيل نتيجة متقدمة بلغت نحو 30.78% من الأصوات في مجلس النواب، و30.91% في مجلس الشيوخ. بعيداً عن القضايا السياسية الأوروبية – الأوروبية، أو الأوروبية – الآسيوية، أو الأوروبية – الأميركية، نرى مسألة الهجرة والمهاجرين في القلب من برنامج دي مايو الانتخابي. إذ أشار إلى أنه يتوجب على الاتحاد الأوروبي تمكين الناس من تقديم طلبات للمجيء إليه من الدول التي يعيشون فيها، وبهذه الطريقة «يمكننا غربلة الطلبات من نقاط الانطلاق لمعرفة مَن لديهم الحق كلاجئين سياسيين، وأولئك الذين لا يملكون هذا الحق كونهم مهاجرين اقتصاديين».
والواقع، أنه على الرغم من الأخطاء التي اقترفتها حكومات بلاده في ليبيا بنوع خاص، فإن دي مايو يترصّد بنوع خاص ضحايا الهجوم الأوروبي على ليبيا الذي أفقدها استقرارها حتى الساعة.
أما الملياردير سيلفيو برلوسكوني، رئيس الوزراء السابق ورئيس حركة «فورتسا إيطاليا» (إلى الأمام يا إيطاليا) -الذي تتموضع حركته في يمين الوسط وحظيت بـ14.18% في مجلس الشيوخ- فقد اعتبر الهجرة «قنبلة اجتماعية جاهزة للانفجار» في إيطاليا. وفي تعليقه على إطلاق شخص عنصري النار على 6 مهاجرين اعتبر أن «المسألة أمنية وليست تطرفاً أو أصولية».
برلوسكوني، وفي دغدغة للشارع الإيطالي لا تخطئها العين، وعد بأنه سيعمل على ترحيل 600 ألف مهاجر غير شرعي من إيطاليا في حال حصول ائتلاف اليمين والوسط على مقاعد في الحكومة. واليوم، بعدما تحقق هذا بالفعل، فإن الأسوأ قادم في الطريق لا محالة للمهاجرين البؤساء. وما يقلِق أكثر، أن ثمة وعداً بإسناد حقيبة وزارة الداخلية في الحكومة الائتلافية العتيدة إلى الأمين العام لـ«رابطة الشمال» ماتيو سالفيني، وهو السياسي الإيطالي الأكثر تطرفاً في دعوته الصريحة لوقف ما يسميه «أسلمة إيطاليا» وإغلاق نحو 800 مسجد. وهو عينه الذي حذّر مما سماه «المحاكم الشرعية» التي زعم أنها صارت بديلاً للقانون المدني في بريطانيا.

عن أخطاء أوروبا تجاه إيطاليا
دى البحث عن الأسباب التي قادت إلى هذه النتيجة المقلقة، هناك أكثر من رؤية ووجهة نظر، وبعضها يرى أن العواصم الأوروبية هي التي دفعت إيطاليا إلى هذا المصير. بين هذه الأصوات جيوزيبي سانتوليكيدو، الباحث والأكاديمي البلجيكي المنحدر من أصول إيطالية. أما السبب في ذلك، فيعزوه إلى قضية الهجرة التي شكّلت عصب الحملة الانتخابية الإيطالية على اختلاف توجهات الأحزاب. ثم يتهم أوروبا بأنها «لم تفعل شيئاً لمساعدة إيطاليا التي تستقبل منذ سنوات مئات الآلاف من اللاجئين على أراضيها سنوياً».
من ناحية ثانية، يقر الباحث الإيطالي الأصل بأن «الشعبويين والمتطرفين» هم الذين يقودون معظم الأحزاب الإيطالية الموجودة على الساحة السياسية من دون تمييز. وهو يقسمهم كالتالي إلى 3 أشكال مختلفة من الشعبوية: برلوسكوني «الذي يعد رائداً في هذا المجال»، ثم حركة الـ«5 نجوم» التي يصفها بأنها «حركة احتجاجية بامتياز»، ثم رئيس الوزراء السابق ماثيو رينزي (يسار الوسط)، «الذي لم يحقق أياً من وعوده الانتخابية في السابق».
ولعل المثير في التحليل السابق أنه يبيّن حالة الاضطراب التي تعاني منها أوروبا ككل، والتناقضات في الدينامية الداخلية المحرّكة لها. ويسوق مثالاً بسيلفيو برلوسكوني رئيس الوزراء الأسبق العجوز الثري. هذا الرجل الذي دُفع دفعاً منذ عدة سنوات من قبل بروكسل (عاصمة «الاتحاد الأوروبي») كي يتنحى ويفسح الطريق واسعاً حفاظاً على التماسك الأوروبي ومنع انهيار الاقتصاد الإيطالي، هو عينه الذي تأمل بروكسل اليوم عودته إلى الساحة السياسية الإيطالية، لمجرد الأمل بأن يكون أقل سوءاً في شطحاته الأصولية من قيادة الـ«5 نجوم».
والمؤكد أنه بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي ذاته، كوحدة سياسية واقتصادية، حدثت ضربة موجعة للاتحاد الذي يعاني في الأصل من تفكك داخلي يكاد يقوده إلى التحلل الكامل. ومعروف أن «رابطة الشمال» والـ«5 نجوم» قد شاغلتهما من قبل فكرة الاستفتاء على الخروج من اليورو، قبل أن تتخليا عنها لاحقاً. ولكن الخط السياسي الشعبوي الذي تنتهجه الحركتان يرفض إجراءات التقشف الأوروبية على الدول التي تعاني من ارتفاع الدين، وتطالبان بضرورة مراجعة اتفاقيات الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الاتفاق المالي الذي يضع قواعد أكثر صرامة إزاء الموازنة.

الأصولية الإيطالية... وأوروبا
مما لا شك فيه أن نتائج الانتخابات الإيطالية الأخيرة باتت تهدد قولاً وفعلاً المشروع الفرنسي – الألماني لإصلاح الاتحاد الأوروبي، بعدما اكتسب زخماً مع التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة ائتلافية ألمانية. ولكن في كل الأحوال فإن الخطر الأكبر على الصعيد الاقتصادي يتجلى في زيادة روما نفقاتها على حساب الأنظمة الأوروبية، الأمر الذي سيتسبب في خلافات بين روما والمفوضية الأوروبية، ما سينعكس على الساحة السياسية الإيطالية من خلال ظهور الأحزاب الشعبوية والبيانات العنصرية التي تحثّ على الكراهية والتخويف من الآخر المهاجر أولاً، ومن بقية القيم الأوروبية تالياً.
ولعل تصريحات وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي (يسار وسط) الأخيرة، التي جاءت على هامش اجتماع مجلس شؤون الدفاع في بروكسل بعد نتائج الانتخابات بيومين، تعبّر تماماً عن حال أوروبا، إذ قالت بينوتي إن «الأسئلة من جانب نظرائي الأوروبيين حول الوضع في إيطالياً (تجاوزت بكثير) مظاهر القلق لديهم».
والحقيقة، أن ما يخيف في مشهد إيطاليا الأصولي القومي الشعبوي هو أنه لا يعير أهمية لبقية أصوات الأوروبيين. وهذا هو الملمح الأول للأصوليين والمتطرفين، وكان قد ظهر ذلك بقوة في تصريحات سالفيني، أمين عام «رابطة الشمال»، الذي قال خلال مؤتمر صحافي أخيراً: «إذا توليت مقاليد الحكم لن أحكم لستة أشهر بل لخمس سنوات». وأضاف متحدياً: «... إذا كان هناك شخص ما في بروكسل وبرلين وروما يفكر في اختراع حكومة تثني أولئك الذين فازوا في الانتخابات العامة الإيطالية، ولتنفيذ السياسات الجنوبية والانتحارية للاتحاد الأوروبي، فهو لم يستوعب شيئاً».
ومن هذه الكلمات نخلص إلى نتيجة مؤداها أن الأصوليين الإيطاليين عانقوا الديماغوجيين هناك. وعليه فإن فكر الوحدة والليبرالية، الذي حلم به الآباء المؤسسون للاتحاد الأوروبي، يترنح وينهار أمام الراديكاليات والقوميات الأوروبية الصاعدة بسرعة كبيرة جداً. ومعلوم أن البريطانيين كانوا قد سددوا ضربة قاصمة للاتحاد من خلال «بريكست»، وجنوح بولندا والمجر للتطرف المعادي لليبرالية.

الإنسانية تجابه الأصولية
في المسألة الإيطالية، كما يرى كثيرون، المهاجرون مجرد ذريعة، أما السبب الحقيقي فمجازفة المواطنين هناك كل يوم بالانجراف نحو الفساد لكي يتمكنوا من شق طريقهم في المجتمع. والمسألة الرئيسة تكمن في حتمية خلق عقلية تقدّر احترام الفرد، بل احترام حقوق الإنسان قبل أي شيء آخر. وهنا يذهب المسؤول الفاتيكاني سيلفانو تومازي إلى أن إيطاليا والإيطاليين «بحاجة إلى تحفيز علاقات أوثق بين المواطنين والدولة من جهة، وبين المواطنين أنفسهم من جهة أخرى، لكي يتمكن الجميع هناك من العيش بأمن وكرامة دون الحاجة إلى إيجاد اختصارات –أصولية– غير مقبولة من الناحية الأخلاقية».
أما البروفسور الإيطالي فلافيو شيابوني، من جامعة بافيا، الذي يعد من أبرز الباحثين في عمق الأصولية الشعبوية الحديثة، فيُرجع المد الشعبوي الإيطالي زمنياً إلى أوائل تسعينات القرن المنصرم حين انهارت الآيديولوجيات السياسية، وودع العالم حقبة «الحرب الباردة». ووفق شيابوني، فإن هذا التغيّر «جعل إيطاليا بقعة مواتية للشعبوية، وبخاصة، بعد عجز الديمقراطية الإيطالية عن تقديم البديل الجيد لمواطنيها. وبرلوسكوني مثال على هذا الإخفاق الجسيم... ذلك أنه منذ تبوَّأ سلطة البلاد عام 1994 تشكلت 13 حكومة، من بين 64 حكومة منذ 1946، نصفها حكومات أقلية، ولم يكن يومها حديث المهاجرين قد طفا على سطح الأحداث».



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».